تركيا والبرنامج النووي الإيراني

 حدود الاتفاق والاختلاف (2002-2016)
18 أكتوبر،2016
الكلمات المفتاحية

يتناول كتاب تركيا والبرنامج النووي الإيراني – حدود الاتفاق والاختلاف (2002-2016)، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (192 صفحة بالقطع الصغير) متغيرات العلاقات التركية - الإيرانية بعد الثورات العربية، ويبحث المؤلفان، عبد الفتاح علي الرشدان ورنا عبد العزيز الخمّاش، حدود تأثيرها في العلاقات بين البلدين نتيجة اختلاف رؤيتيهما للحوادث في بعض البلدان، وطبيعة تحالفاتهما الإستراتيجية الإقليمية والدولية، ومدى تبدل الموقف التركي من الملف النووي الإيراني بعد الثورات العربية. وينطلقان من فرضيتين: الأولى، اتفاق الموقف التركي من البرنامج النووي الإيراني مع التطلعات التركية الإقليمية؛ والثانية، دور حزب العدالة والتنمية ورؤيته الإستراتيجية لمكانة تركيا وأولوية مصالحها في صوغ الموقف التركي من البرنامج النووي الإيراني.

يتألف هذا الكتاب من فصلين؛ يؤرّخ الفصل الأول، وعنوانه البرنامج النووي الإيراني وتداعياته الإقليمية والدولية، للبرنامج النووي الإيراني، من نشأته (1957-1979)، إلى مروره بمرحلة التمهل وإعادة ترتيب الأوراق (1989 1979)، ثم مرحلة التسارع والتطور (1989–2002)، ثم مرحلة التدويل والمراوغة (2002-2015)، وانتهاءً بالاتفاق النهائي المعقود في فيينا بين طهران والدول الكبرى.

بدأ الحديث عن استخدام التقانة النووية للأغراض السلمية في خمسينيات القرن الماضي، في عهد الشاه رضا بهلوي الذي كان هدفه من المشروع النووي الإيراني هزيمة خصوم بلاده الإقليميين، وردع تدخل القوى العالمية في المنطقة، وبناء موقع ريادي لبلاده في الشرق الأوسط، وتلبية حاجة الاستهلاك المحلي من الطاقة بإحلال الطاقة النووية محل النفط والغاز الطبيعي.

بدأت مرحلة التمهل مع نجاح الخميني في قلب النظام في إيران. فمنذ عام 1979، تراجع الاهتمام الإيراني بتطوير البرنامج النووي بإعلان الخميني أن امتلاك الأسلحة النووية غير أخلاقي ولا ينسجم مع مبادئ الإسلام، فأُلغِيَت الصفقات والعقود النووية مع الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، وأُبقي على مفاعل بحوث صغير في أمير آباد. لكن في عام 1983، أعادت الحكومة الإيرانية إحياء المفاعل النووي بمساعدة هندية.

بعد وفاة الخميني، التزمت إيران بقيادة علي خامنئي إعادة إحياء البرنامج النووي الإيراني بشكل فاعل، وتبنّت تطويره لاستخداماته السلمية وتجهيزه بتقانة لاستخدامات مزدوجة، مدنية وعسكرية، فبدأت مرحلة التسارع والتطور. وحاولت إيران في تلك الفترة إضفاء صبغة إسلامية على برنامجها ليكون قوة رادعة في وجه البرنامج النووي الإسرائيلي، ولتحصل على تأييد الدول والشعوب الإسلامية في العالم ودعمها. ومع الزمن، صار البرنامج الإيراني أزمة سياسية دولية تصدرت جدول أعمال المجتمع الدولي، فبدأت مساع حثيثة لاحتوائها دامت طويلًا، تخللتها اجتماعات كثيرة سادتها المراوغة الإيرانية المستمرة، إلى أن توصلت الدول الغربية وإيران إلى اتفاق نهائي تلتزم فيه طهران وقف تخصيب اليورانيوم مقابل رفع تدريجي للعقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة عليها.

أما الفصل الثاني، وعنوانه العلاقات التركية - الإيرانية والموقف التركي من البرنامج النووي الإيراني، فيبحث المؤلفان عن مقومات الدولة التركية، فيقولان إن تركيا بدت "حائرة بعد انتهاء الحرب الباردة بسبب تراجع أهميتها الإستراتيجية، بين تحيّن الفرصة لإثبات ولائها وأهميتها للغرب وتنتظر عشرات الأعوام للسماح لها بالدخول في البنية السياسية للنظام الغربي، أو تتجه إلى الشرق وجذورها الإسلامية فتكون في مقدمة شرق صاعد بدلًا من أن تكون في ذيل غرب متطور، وأن تكون قوة إقليمية فاعلة تنفذ سياساتها وإستراتيجيتها بما يخدم مصالحها معتمدة على مجالها الحيوي وأهميتها الجيوسياسية، أو أن تكون أداة بيد الغرب تنفذ أجندته ومصالحه الخاصة على حساب مكانتها ورصيدها في المنطقة". ويضيفان: "يدحض أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية التركي [السابق]، رؤية الباحث الأميركي صامويل هنتنغتون في كتابه صدام الحضارات القائم على أن تركيا دولة هامشية ودولة أطراف ممزقة على أطراف أوروبا من جهة، وعلى أطراف آسيا من جهة أخرى، مؤكدًا أن تركيا دولة مركزية محورية في المنطقة، أعادت توجيه سياستها الخارجية انطلاقًا من وعيها بمكانتها الجيوستراتيجية والجيوثقافية وربطها بمجالها الحيوي؛ فتركيا ليست جسر عبور بين الشرق والغرب، بل هي بلد مركزي في المنطقة على مسافة واحدة من الجميع وذات دور فاعل ومبادر في القضايا الإقليمية والدولية كلها، وليست طرفًا أو عضوًا في محاور وعداوات ضد بلدان المنطقة".

ويرد الرشدان والخمّاش العلاقة بين تركيا وإيران إلى "علاقة معقدة ومتشابكة تعود جذورها إلى عهود تاريخية سابقة، (الصراع العثماني – الصفوي) أو (السني – الشيعي)". واتسمت العلاقات في عهد الشاه باتجاه النظامين التركي والإيراني نحو تغريب الدولة والمجتمع وعلمنة النظام السياسي، ما خفف من التوتر المذهبي بينهما، وبإعلاء البلدين العنصر العرقي القومي (الترك – الفرس) على الأعراق الأخرى المكونة للدولة، وبسيطرة الدافع الأمني على تحسين العلاقات بين البلدين، ما أدى إلى ترسيم الحدود ومواجهة الخطرين الكردي والسوفياتي.

بعد ثورة الخميني، ساد البرود العلاقات بين البلدين. والتزمت تركيا الحياد في الحرب العراقية - الإيرانية. لكن المؤسسات العلمانية في تركيا توجست من انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ومدى تأثيره في الإسلاميين في تركيا، فانقلب الجيش على نجم الدين أربكان الاسلامي في أيلول/ سبتمبر 1980، وفرض دستورًا جديدًا عمّق جذور العلمانية في تركيا. واتهمت الحكومات العلمانية المتعاقبة في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته إيران بدعم الحركة الانفصالية الكردية والإسلاميين الراديكاليين وحزب الله التركي. إلا أن الشعب أعاد أربكان إلى السلطة في انتخابات 1996، فتحسنت العلاقات مع إيران. لكن الاتفاق بين الجيش التركي وإسرائيل أعاد التوتر إلى هذه العلاقات.

أما في عهد حزب العدالة والتنمية، فاتسمت العلاقات التركية - الإيرانية بتطورها لتصل إلى مرحلة الشراكة، ما ساهم في إخراج إيران من العزلة المفروضة عليهم إقليميًا ودوليًا. لكن اشتدت حالة التنافس الصامت بينهما على النفوذ في الشرق الأوسط، إلى أن ظهرت الخلافات التركية - الإيرانية إلى العلن جراء تباين مواقفهما ومصالحهما تجاه الثورة السورية. وساد هذا التنافس الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كافة.

وتحت عنوان فرعي "الموقف التركي من البرنامج النووي الإيراني: حدود الاتفاق والاختلاف"، سعى مؤلفا الكتاب إلى تفسير الموقف التركي من البرنامج النووي الإيراني وسلوك البلدين في تعاطيهما مع القضايا ذات الاهتمام المشترك وتطور العلاقات بينهما مستخدمين مقاربة المصلحة القومية في المدرسة الواقعية لتوضيح الإستراتيجية التي انتهجتها تركيا في موقفها تجاه الأزمة النووية الإيرانية بشكل خاص، والعلاقات التركية - الإيرانية بشكل عام، وفقًا للمبدأ البريطاني "لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة بل مصالح دائمة". يكتب المؤلفان أن "الهوية الإسلامية لم تكن المتغير الرئيس في معادلة تطور العلاقات التركية - الإيرانية أو صوغ الموقف التركي من البرنامج النووي الإيراني، بل كان للمصلحة الوطنية دور حاسم في هبوط العلاقات بين البلدين وصعودها، وتشكيل الموقف التركي. ويمكن القول إن متغير المصلحة الوطنية يأتي في المقام الأول، بينما تحتل الهوية الإسلامية المقام الثاني".

يتمحور الموقف التركي من البرنامج النووي الإيراني حول تأييد حق إيران في امتلاك الطاقة النووية السلمية، شرط التزامها الاتفاقات الموقعة مع وكالة الطاقة الذرية، ومعاهدة منع الانتشار النووي، إذ أيدت تركيا البرنامج الإيراني، مع تشديدها على أن يكون للأغراض السلمية، وتفضيلها الخيار الدبلوماسي على الخيارات العسكرية والعقوبات لحل الأزمة، ومطالبتها المجتمع الدولي دعم إنشاء منطقة خالية من السلاح النووي تطبق بشكل عادل على دول المنطقة، ومنها إيران وإسرائيل، بعيدًا عن ازدواجية المعايير. في المقابل، رضيت إيران بأي مبادرة وساطة قدمتها تركيا لحل الأزمة، مستثمرة رصيد تركيا في الغرب لتحسين صورة إيران أمام الرأي العام العالمي، ولكسب الوقت لتحقيق تطور في البرنامج النووي بانتظار تحسن الأوضاع الدولية، إلا انها ماطلت دائمًا لعدم رغبتها في إعطاء أنقرة مكسبًا سياسيًا يعزز من فرصة صعودها إقليميًا ودوليًا، خصوصًا بعد توتر العلاقات بينهما بعيد اندلاع الأزمة السورية.

اقــرأ أيضًــا

 

فعاليات