مقتربات القوة الذكية الأميركية كآلية من آليات التغيير الدولي

 الولايات المتحدة الأميركية أنموذجًا

أصدر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب مقتربات القوة الذكية الأميركية كآلية من آليات التغيير الدولي: الولايات المتحدة الأميركية أنموذجًا (496 صفحةً من القطع المتوسط، موثقًا ومفهرسًا). وفي هذا الكتاب، يعرض مؤلفه سيف الهرمزي سرّ القوة الذكية الأميركية في الفكر والأداء، فيرى أنه كامن في الوقوف على مجموعة من الإشكاليات التي عالجها الكتاب، "مثل ماهية مقتربات القوة التي اتكأت عليها الولايات المتحدة لتكون مخرجات التغيير في معظم الاتجاهات، لتصب في نهاية المطاف في مصلحتها، والقوة الذكية الأميركية كأداءٍ إستراتيجي جديد، والمرجعية الفكرية للقوة الذكية الأميركية".

يتألف الكتاب من أربعة فصول. وفي الفصل الأول، وهو بعنوان "الإطار المفاهيمي لمقتربات القوة الذكية والتغيير الدولي، يتناول الهرمزي الإطار المفاهيمي للأسس التي يقوم عليها البناء العلمي لمقتربات القوة الذكية الأميركية وآليات التغيير الدولي، لفكّ اللبس في المفاهيم والرموز التي تتعلق بها، ولا سيما أنّ تلك المفاهيم والمصطلحات ليست موضع اتفاق، فضلًا عن اختلافها من مجال إلى مجال، وكذلك في الاختصاص الدقيق من العلم نفسه. وفي ضوء ذلك، تناول الهرمزي بالتفصيل مقتربات القوة والمفاهيم المقاربة وأبعادها، ومفهوم القوة الذكية ومصادرها كمتغير مستقل، والتغيير الدولي كمتغير تابع.

يقول الباحث: "القوة مفهوم حركي غير ثابت، يدخل في تكوينها عدد كبير من العناصر المتغيرة المادية وغير المادية التي يرتبط بعضها ببعض. وإنّ القدرة تتصف بندرتها، فيترتب على ذلك أنّ الدول تحرص على ما تملكه مهما ملكت من قوّة، وتحاول عدم تشتيت جهدها. وإنّ قوّة الدولة دائمًا نسبية ويتوقف تقديرها على أمرين: أولهما القدرة على تحويل مصادر القوة المتاحة أو الكامنة إلى قوّة فاعلة، وثانيهما حصيلة قوّة الطرف الآخر؛ إذ ربما تتساوى دولتان في امتلاك مصادر القوة، إلا أنّ قدرة إحداهما وعدم قدرة الأخرى على توظيف أحد أو بعض مصادر قوتها يجعلان الدولة القادرة على توظيف مصادر القوة أقوى نسبيًا من الأخرى، على الرغم من تساوي مصادر القوة في كلتا الدولتين". ويصف الباحث مفهوم القوة بالمركّب، قائلًا إنّ امتلاك عوامل القوة لا يكفي كي تكون الدولة مؤثرةً.

في الفصل الثاني "القوة الذكية الأميركية: الأصول الفكرية والمقومات المادية والدوافع المبلورة"، يعرض الهرمزي الأصول الفكرية الأميركية للقوة الذكية، انطلاقًا من فحوى منطلقات أفكار المدرسة الواقعية التقليدية و"النيوواقعية" التي جاءت، وفقًا للحاجة الماسة إلى المرحلة، سواء كان ذلك في الطرح أو في التطبيق، في القرن الحادي والعشرين. كما يعرض المقومات المادية للقوة الذكية الأميركية، والدوافع التي تبلورها، متناولًا دورها في تنفيذ بنود القوة الذكية في النسق الدولي.

يقول الهرمزي: "من دون التفكر السياسي والإستراتيجي، لا يمكن فهم طبيعة البيئة الإستراتيجية واستيعاب تعقيداتها والتعامل معها من خلال فهم تفصيلاتها ومنطقها؛ إذ يقدم الفكر نظريةً لمجموعة من المصطلحات والتعريفات الأساس، والتفسيرات الكامنة وراء الافتراضات والمقدمات المنطقية، فضلًا عن الاقتراحات الموضوعية المترجمة إلى فرضيات قابلة للاختبار، وطرائق يمكن أن تُستخدم لاختبار الفرضيات وتعديل النظرية التي انبثقت من الفكر بحسب الحاجة"، فيبحث في مدارس القوة الأميركية وخزانات الفكر وأهمّ مفكري القوة خصوصًا، وفي حقل العلوم الإنسانية والقوة الأميركية عمومًا؛ مثل هانز مورغنتاو، وفرانسيس فوكوياما، وصموئيل هنتنغتون في المدرسة الواقعية، وستانلي هوفمان وريتشارد مانسباش وبيل فيرغسون ودونالد لامبتر في الليبرالية الجديدة، إلى جانب المحافظين الجدد من أتراب إيرفينغ كريستول وبول ولفوفيتز.

يعرض الهرمزي في الفصل الثالث، وهو بعنوان "القوة الذكية الأميركية كإستراتيجية أداء: المتضمنات الاقتصادية والتوظيف والتحديات"، المعيارَ التطبيقي في ممارسة القوة الذكية الأميركية في الأداء الشامل، للانطلاق في معالجة الإخفاقات والسلبيات، وفقًا لمتطلبات واقع التغيير الدولي، ومن ثمّ "سدّ الثغرات من خلال مصادر القوة المتنوعة وتوظيفها، بما يخدم الأهداف الإستراتيجية الشاملة". وفي السياق ذاته، تمّت "دراسة التحديات التي تقف في وجه تقنيات القوة الأميركية بصورها ومسمّياتها المختلفة التي تسعى لاجتياز تلك الموانع أو تحييدها، وكلٌ بحسب المرحلة الزمنية والظرف المكاني، وصولًا إلى الاستجابة الأميركية للتحديات من منطلقات القوة الذكية".

وفي بحثه في توظيف القوة الذكية الأميركية، يسهب الباحث في تناول توظيف أميركا لقوتها الذكية في المنطقة العربية، فيجد أنّ الإدراك الإستراتيجي الأميركي للشرق الأوسط أوصلها إلى أنّ الولايات المتحدة تواجه صعوبة في استخدام القوة الناعمة في تلك المنطقة "لأسباب كثيرة تتعلق بالفروق الثقافية الكبيرة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط، ونزعة العداء المتنامية للأولى بسبب السياسات الأميركية في حقل الصراع العربي - الإسرائيلي، فضلًا عن حربَي العراق وأفغانستان. وعلى الرغم من وجود جوانب كثيرة في الثقافة الأميركية يحبها أبناء الشرق الأوسط باعتبارها أساسًا جيدًا للقوة الناعمة، أثبتت الولايات المتحدة إخفاقها في استغلال هذه الفرص".

يخصص الباحث الفصل الرابع "مستقبل القوة الذكية في ظل مقومات القوة الأميركية" لاستشراف مستقبل القوة الذكية الأميركية، متناولًا مكانة الدراسات المستقبلية في المدرك الأميركي، والقوة الذكية الأميركية بين مشهدَي التراجع والاستمرار، ومقترب تطور إستراتيجية القوة الأميركية. يقول الهرمزي: "لعل من أول واجبات استشراف المستقبل الأميركي في ظل التغيير الدولي، تلك الواجبات التي تكمن في تحديد المقاصد من البُعد الإستراتيجي للقوة الذكية من أجل تأطير التغيير الذي يوضح الرؤية التي عمدت من أجلها المدركات الأميركية إلى توظيف المتنافسات وتحفيز المتناقضات، فخرج ذلك المدرك بنتيجة هي أنّ صناعة المستقبل تعتمد على امتلاك القوة الذكية، الأمر الذي دعا إلى تحديد مكانة المستقبل في مدرك صانع القرار الأميركي".

وبحسب المؤلف، اعتادت الدراسات المستقبلية اعتماد المشاهد لتحديد الأطر والفرص لما ستؤول إليه الأمور أو الحوادث في خضم التغيير الذي يحدث بصورة متسارعة. ومن أكثر المشاهد رواجًا في الأوساط الأكاديمية مشهد التراجع الذي يعتمد على نقاط الضعف وتحليل الكوابح التي تعرقل المشروع أو الإستراتيجية، ومشهد الاستمرار الذي يعبّر عن الفرص التي تعضد خيار الديمومة والدينامية في ظل التغيير وتقدمه، ومن ثمّ "وُضِع مشهدان لمستقبل القوة الذكية الأميركي: التراجع والاستمرار، لفهم كل اتجاه وتعليله".

في خاتمة الكتاب، يرصف الهرمزي استنتاجاته، ويسوق عدة توصيات؛ أهمها ضرورة تنويع استخدام مصادر القوة كآلية للتغيير الدولي، والتشديد على أهمية القوة الاقتصادية في دعم مقومات القوة الأخرى، وضرورة قيام توافق بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري لضمان نجاح القوة الذكية واستمرار أدائها، وضبط إيقاع انتشار القوة وتوسعها بإستراتيجية ثابتة الأهداف، واستلهام دروس حربَي العراق وأفغانستان، خصوصًا أنّ التفرد بقيادة النظام الدولي أمرٌ مكلف جدًا على المستويين الاقتصادي والعسكري، وأنّ القدرة لا القوة هي ما يحدد مكانة الدولة. وهكذا، فإنّ "روح المجازفة والمبادرة في التوظيف هي التي تحقق المردودات الناجعة على الصعد المختلفة". 

اقــرأ أيضًــا

 

فعاليات