وقت العمل: الصراع والضبط والتغيير

18 أبريل،2017
المؤلفون

صدرت أخيرًا ترجمة ابتسام خضرا العربية لكتاب سينثيا نيغري وقت العمل: الصراع والضبط والتغيير، عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (352 صفحةً موثقًا ومفهرسًا)، وذلك ضمن "سلسلة ترجمان"، في كتاب يقدّم نظرةً اجتماعيةً عامةً بشأن شبكة معقدة من العلاقات التي تشكّل معظم تجربتنا في العمل والحياة، وهي تجربة تُفلت عادةً من أيّ دراسة نقدية. وتدرس نيغري وقت العمل في الماضي والحاضر، مستكشفةً التحول الاقتصادي والانقسام الجندري في العمل، متسائلةً عن المصادر التاريخية والثقافية المتعلقة بالسياسة العامة والأعمال لممارسات وقت العمل الراهنة.

الوقت المسلّع

تشمل الموضوعات المعالجة في الكتاب تقليص وقت العمل في الولايات المتحدة، ونظام عمل 40 ساعةً في الأسبوع الذي أُقرّ في عام 1938، والاتجاهات الحديثة في تحديد ساعات العمل السنوية والأسبوعية، وساعات العمل الإضافية، والعمل بدوام جزئي، والتوظيف الموقّت، ودمج وقتَي العمل والعائلة، إضافةً إلى مقارنات دولية في هذه المسائل.

يتألف الكتاب من ستة فصول. أولها، "من الحقل إلى المصنع وما بعده"، وهو يدرس روتين العمل في مجتمع الإنسان الصياد، للتفكير نقديًا في وقت العمل وأحكام الضرورة عند المستوى الأساسي الأدنى. ويمثِّل التحول من الزمن الكنسيّ إلى زمن الساعة في أوروبا القرن الرابع عشر نقطة بداية لدراسة الوقت المُسلَّع في الرأسمالية الصناعية. وفي هذا السياق تقول المؤلفة: "على الرغم من استمرار الإحساس بالوقت الصناعي الذي توجّهه الساعة وشيوعه حتى خارج المعامل، فإننا نعيش حاليًا في مجتمع خدمات يجري فيه معظم العمل خارج المعامل. وربما كانت تجربتنا الفردية للزمن متغايرة بما يكفي بسبب التمايزات المهنية والتنظيمية التي لا تسمح بوجود إحساس زمني جمعي واحد، أبعد من الساعة الكونيّة. وفي بعض المهن، يسود إحساس بالزمن الذي توجّهه مهمة محددة". ويتناول هذا الفصل الزمن الكنسيّ القروسطي وزمن الساعة الحديث، والزمن المُسَلَّع، وتنظيم الوقت الصناعي، وتنظيم وقت العمل في القرن الحادي والعشرين، والزمن المُجَنْدَر.

نضال عمالي

يستعيد الفصل الثاني، "خفض وقت العمل في الولايات المتحدة"، نضال العمال والمُصلِحين الاجتماعيين وجهودهم التشريعية التي أدّت أخيرًا إلى تخفيض أسبوع العمل القانوني في الولايات المتحدة إلى 40 ساعةً. وهذا التاريخ لا يجد من يقدره حقّ قدره على نطاق واسع، "بل إنّ ثمة من يميل إلى افتراض أنّ 40 ساعةً هي زمن طبيعي لأسبوع العمل. والأمر الذي يجهله كثيرون هو أنّ أسبوع العمل 40 ساعةً هو حصيلة جهد مكثف كاد ينجح، لكنه فشل، في جَعْلِ أسبوع العمل 30 ساعةً بغية إيجاد فرص عمل عقب ارتفاع معدل البطالة بعد أن طالت فترة الكساد الكبير". ويعالج هذا الفصل المواطَنة ووقت الفراغ والتعليم والصحة، والتشارك في العمل والعمل العادل، وتجربتَي الثلاثين ساعة.

وتتناول نيغري في الفصل الثالث، "الاتجاهات الحالية"، ساعات العمل السنوية، والزيادات الحاصلة في العقود الأخيرة في العمالة بدوام جزئي والعمالة الموقّتة والعمالة بعقد. وهذا العمل غير المعياري حافل بالتناقضات من حيث إنه يمكن أن يكون مصدرًا للمرونة وللتحكم في الوقت بالنسبة إلى العمال، لكنّ الأجور المنخفضة والمزايا الشحيحة، إنْ وُجدت، تقف إزاء تأثير التحكم المذكور، كما لا يمكن القول إنّ كل العمال راضين عن ساعات عملهم.

في أميركا وخارجها

في الفصل الرابع، "العمل - الأسرة، العمل – الحياة"، تعالج المؤلفة عدة عناوين، هي: "من الاقتصاد القائم على الأسرة إلى اقتصاد استهلاك الأسرة"، و"مشاركة القوة العاملة النسائية"، و"بنية الأسرة وساعات العمالة"، و"العمل المنزلي ورعاية الأطفال ووقت الفراغ"، و"العمل – الأسرة"، و"أساليب التكيُّف الخصوصية"، و"مبادرات تتعلق بمكان العمل والسياسة العامة"، و"العمل – الحياة".

تقول نيغري: "يبتكر العمال وسائل تكيّف شخصية من خلال تعديل برامج العمل قدر استطاعتهم، والاعتماد على أفراد أسرهم وأصدقائهم، وتأمين رعاية الأطفال لدى الجهات التي توفّر هذه الخدمة. وتتميز المؤسسات التي تراعي متطلبات الأسرة، عادةً، بوجود مجموعة متنوعة مرنة غير رسمية من ترتيبات العمل، على الرغم من أنّ هذه الترتيبات غالبًا ما تكون غير كافية أو أنّ العمال يشاركون فيها على مضض خشية ردات فعل سلبية".

تتناول نيغري في الفصل الخامس، "وقت العمل خارج الولايات المتحدة"، السياسة الأوروبية ضمن أنظمة وقت العمل الأوروبية عمومًا وتقارن أسابيع العمل القصيرة لتلك الأنظمة بأسابيع العمل الطويلة في الدول النامية، ومسألة ساعات العمل في الدول الصناعية، ومسألة تنظيم ساعات العمل في أوروبا، وعمالة النساء بدوام جزئي في أوروبا، والسياسات الأُسرية، وإستراتيجيات ساعات العمل الخاصة بالأزواج الأوروبيين، وساعات العمل في البلدان الانتقالية والنامية، وساعات العمل المُفضَّلة.

اقتصاد جديد

في الفصل السادس، وهو الفصل الأخير، "اقتصاد سياسي جديد لوقت العمل"، تستشرف المؤلفة المستقبل ناظرةً في الجبهات الإلكترونية لوقت العمل والإستراتيجيات المتناقضة الهادفة إلى جعل وقت العمل يلائم مصالح العاملين وأصحاب العمل. وتجد نيغري نفسها في صفّ التفكير النقدي الجريء في وقت العمل على جبهات متعددة: نموّ الأعمال الحالي المتباطئ، وتكامل العمل والحياة، والاستدامة البيئية الطويلة الأجل. أمّا أنواع الوقود والتقنيات البديلة والممارسات الاستهلاكية الصديقة للبيئة، فتشكّل مكونات أساسيةً لاقتصاد جديد صديق للبيئة.

وفي الاستنتاجات، تقول نيغري: "وقت العمل هو بنية مجتمعية تنظيمية أساسية، والوقت هو مورد نشترك فيه جميعًا. لكنّ موقعنا في المجتمع هو ما يحدّد، إلى حدّ كبير، ما نفعله بوقتنا ومدى شعورنا بأنّ لدينا ما يكفي منه وأنّ بإمكاننا التحكم به. توجِد الرأسماليةُ فروقات طبقيةً وأخرى عبر الشعوب وداخل الشعوب، وهي تقوي عدم المساواة الجندرية والعرقية والإثنية. ويجري التعبير عن حالات عدم المساواة تلك، جزئيًا، من خلال توزيع وقت العمل والتحكم به".

اقــرأ أيضًــا

 

فعاليات