الحياة الفكرية في الحجاز قبل الوهابية

عقائد التصوف في فكر إبراهيم الكوراني (ت. 1101ه/ 1690م)
19 فبراير،2025
المؤلفون

صدر حديثًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ضمن "سلسلة ترجمان"، كتاب الحياة الفكرية في الحجاز قبل الوهابية – عقائد التصوف في فكر إبراهيم الكوراني(ت. 1101ه/ 1690م) Intellectual Life in the ijāz before Wahhabism: Ibrāhīm al-Kūrānī’s Theology of Sufism (d. 1101/1690) ‏‎ لمؤلفه ناصر ضميرية، وترجمة رائد السمهوري، وهو مكوَّن من مقدمة وستة فصول وخاتمة وثلاثة ملاحق، ويلقي الضوء على النشاط العلمي والفكري المتّقد لمنطقة الحجاز في القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي، والغبن اللاحق بهذه المنطقة نتيجةَ عدم اعتبارها في مصنفات المسلمين – بخلاف واقع الحال - من المراكز العلمية المرموقة في العالم الإسلامي، متناولًا في جزء كبير من مادة الكتاب بالحديث التفصيلي شخصيةً من أكابر رجال العلم في ذلك القرن، وهو إبراهيم الكوراني. يقع الكتاب في 392 صفحة، شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا ‏عامًّا.‏

صدفةٌ أنتجت علمًا

كتاب الحياة الفكرية مؤلَّف باللغة الإنكليزية لعربيٍّ هو ناصر ضميرية، عَثَر عليه بالصدفة المترجمُ وصاحب المؤلفات والباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات رائد السمهوري حينما كان يجمع مادة لتحقيق كتاب آخر (هو الاحتراس عن نار النبراس) فاقتناه. ولما قرأه وتعرّف إلى نفاسة مضمونه علم كم كانت الصدفة خيرًا من ميعاد، فعرض على إدارة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات نقله إلى العربية فوافقَتْ. فشرع السمهوري في الترجمة، بمساعدةٍ ومساهمة من أساتذة وزملاء للمؤلف، ومعاهد علمية أيضًا، كمعهد ماكغيل للدراسات الإسلاميةMcGill’s Institute of Islamic Studies‎، الذي أمضى المؤلف فيه سنتين بمنحةِ زمالة من جامعة مونتريال راجع فيهما المسوّدة الأولى للكتاب وجوَّدها، وكان أستاذه روبرت ويزنوفسكي Wisnovsky Robert خلالهما خيرَ معين له، لتُنجَز هذه الترجمةُ أخيرًا بعد كَبَدٍ عظيم، نظرًا إلى أن معظم مصادر الكتاب كانت مخطوطات غير مطبوعة، ثم ليعرِضَها على ضميرية، الذي أبدى بعض الملاحظات والاقتراحات، وليسلك الكتاب دربه إلى مكتبات القرّاء بترجمة ابتغت الأمانةَ ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا.

غبن تاريخي للحجاز

منذ انتقال عاصمة الخلافة إلى الشام ثم العراق، نشأت مراكز علم وفكر في البصرة والكوفة ودمشق وبغداد وأصفهان وشيراز وغيرها. وركّز المصنّفون على ذكرها في الحواضر السياسية المهمة للدول الإسلامية، وأغفلوا التطرق إلى نظيراتها في الحجاز حتى حسب الناس أن مهبط الوحي لم يعُد يُرتحل إليه في طلب العلم، فجاء كتابنا الحياة الفكرية في الحجاز قبل الوهابية ليزيح من حسبانهم هذه الفكر الخاطئ ويزرع مكانها تاريخًا مغيَّبًا لحركة علمية وفكريّة فيّاضة في حجاز القرن الـ11ه/ 17م (الذي عاشت فيه الشخصية الرئيسة للكتاب إبراهيم بن حسن الكوراني الكردي الشهرزوري). وهي حركة أثّرت في مواضع كثيرة من العالم الإسلامي قبل انتشار الدعوة الوهّابية، التي وَصَمَت ذلك الزمان بـ "الجاهلية الجهلاء والشرك القميء"، فضلًا عن المستشرقين الذين وصفوه بـ "عصر الانحطاط". فانبرى ناصر ضميرية إلى إخراج هذا السِّفْر الذي ينقض مضمونُه سرديتَي "الانحطاط" و"الجاهلية"، ويغوص في بحر الحياة الفكرية في الحجاز ليُخرج لآلئَها، وكيف ساهمت تحوّلات كبرى في ذلك القرن (تشيُّع إيران، واقتراب السفن البرتغالية من مكة ودخولها تحت حكم العثمانيين، والمعونة المالية الكبيرة من المغول للحجاز ... وغيرها) بجعل الحجاز قبلةَ العلوم وعُقدتَها وسبب انتشارها إلى شتّى أقاليم العالم الإسلامي وعواصم الفكر فيه، بشتى مذاهبه ومدارسه ومسائله الفلسفية والكلامية والعقلية والحكمية، ضمن وعاء من التصوف، مفاجئًا القارئَ بحقيقة أن السينوية والإشراقية كانتا تدرَّسان في مكة والمدينة إلى جانب الحديث والفقه في تلك الحقبة، علاوة على كتب علم الكلام والمنطق والهيئة والفلك والطب والموسيقى، وكل ذلك بالأسانيد المتصلة، وبذكر أسماء عشرات أعلام تلك الحقبة وشيوخها وتلاميذها وكتبها ورسائلها وآثارها.

الكوراني: جبل علم يشهد لمكانة الحجاز

يستهلك الحديثُ عن عالمٍ كبير من علماء الحجاز حينذاكٍ فصولًا أربعة من فصول الكتاب الستة، في ما يشبه الترجمة الوافية، لاعتباره نموذجًا على الحياة الفكرية في تلك البقاع أولًا، ولإثبات إشكالية الكتاب ثانيًا، المتمثلة بالغبن اللاحق بمنطقة عاش فيها إمامٌ جال بغداد ودمشق والقاهرة ونزل الحرمَين ومات في مكة، علّامة، خاتم في التحقيق، عمدة في الإسناد، عارف بالله، صاحب مؤلفات ثرّة معظمها مخطوط (يُنظر أماكنها في هوامش الكتاب)، صوفيّ نقشبنديّ، محقق، مدقق، أثريّ، تتلمذ على شيوخ كثيرين وتتملذ على يديه كثيرون، صاحب آراء فلسفية وكلامية وصوفية في مسائل كان الجدل بين علماء الحجاز حولها محتدمًا، كمسألة التوحيد، والصفات، والقدر، والعلم الإلهي، وما يتعلق بالماهية، والوجود والعدم، والوحدة والكثرة ... وغيرها.

كلاميٌّ ذو شطحات صوفية منتقَدة

ويخلص المؤلف ضميرية إلى رأي مفاده أن السلك الناظم لفكر الكوراني استوحي من صوفية الفيلسوف محيي الدين بن العربي، الذي اشتطَّ في مسائل في الفصوص و الفتوحات فقلّده الكوراني فيها مستجلبًا نقدَ العلماء المسلمين، كادعاء الإيمان لفرعون، وأن النار تفنى، وأفضلية الصالحين والنبي محمد على الكعبة، وأن كلام الله صفة إلهية وكلام صادر عنه في الوقت ذاته، وأخيرًا تأكيد الكوراني في أول رسالة كتبها صحة قصة الغرانيق التي أقحِمَت في الوحي الإلهي ... وغيرها من الشطحات الصوفية.

كتاب الحياة الفكرية في الحجاز فريد في مضمونه، ويشكل حاجة للمكتبة العربية وطلاب العلم والمتعلمين على حد سواء.

يمكن المهتمين باقتناء الكتاب الحصول عليه من خلال متجر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أو عبر ‏منصات "أمازون" و"غوغل بلاي" و"نيل وفرات".‏

اقــرأ أيضًــا

 

فعاليات