صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب وثائق الأمم المتحدة في المسألة السورية: 2011-2018، ضمن سلسلة تتناول الانتفاضات العربية الحديثة بعد "الربيع العربي"، وهو كتاب لا يهدف إلى تحليل الأزمة السورية البالغة التعقيد وجذورها وأسبابها ونتائجها، بل يعرض وثائق أعدّها الباحثان عبد الحميد صيام وهلا الحوش، توضح تطوّر النزاع والتعامل الشائك لمنظمة الأمم المتحدة وأجهزتها المختلفة معه طوال سبع سنين، وبخاصة بعد تطور الأزمة الإنسانية على نحو مخيف، وانقسام مجلس الأمن حول التعامل مع هذا البلد، ولا سيما مع لجوء دولتين من الدول الدائمة العضوية إلى استخدام متكرر لِحَقّ النقض "الفيتو" (روسيا والصين)، ومع إرسال الأمين العام للأمم المتحدة ثلاثة مبعوثين خاصّين لحل الأزمة، وملابسات عملهم المتعلقة بهذه المهمة. ويتضمن الكتاب عشرات الوثائق المختارة التي تشتمل على قرارات مجلس الأمن وبياناته الرئاسية، ومشاريع القرارات المعطَّلة بالفيتو، وتقارير الأمينَين العامَّين، وقرارات مجلس حقوق الإنسان، وتقارير لجنتَي التحقيق الدولية والتفتيش عن الأسلحة الكيميائية في سورية، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة في الفترة 2011 و2018. والكتاب مؤلَّف من 976 صفحة، شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا.
ليس هذا الكتاب بحثًا في المأساة السورية المتشعّبة، البالغة التعقيد، أو بحثًا في جذورها وأسبابها ونتائجها. لقد خُطَّ فيها حتى اليوم "بحرٌ من المداد"، ولا تزال تقول "هل من مزيد؟"، بل إنه كتاب وثائقي ضمن سلسلة كتب وثائقية يصدرها المركز العربي، تتناول الانتفاضات العربية بعد ما سمّي "الربيع العربي". ويعرض هذا الكتاب وثائق التدخل المبكر للأمم المتحدة في الانتفاضة السورية والنزاع الذي تلاها، وخصوصًا وسطاءها الثلاثة: كوفي أنان، والأخضر الإبراهيمي، وستيفان دي ميستورا، وهو نزاع أشد تعقيدًا من النزاعين اللذين سبقاه في ليبيا واليمن، بدأ في إثر تدحرج الأحداث في سورية من حراك ذي طابع احتجاجي لم يخلُ من تأثّر بانتفاضتَي الشعبين التونسي والمصري وتقليدهما، ليتحوّل بعد ذلك إلى المطالبة بإسقاط النظام السوري نتيجة تعامله بعنف دموي مفرط مع المحتجين السلميّين بعد تقديمه لتحقيق مطالبهم تنازلات تقتصر على الشكل ولا تتعدّاه إلى المضمون، وبعد عسكرة الاحتجاجات، وتدخّل الدول الأجنبية التي أوصلت سورية إلى أكبر مأساة مجازر وتهجير داخلي وخارجي لم تعرف الصراعات الحديثة في القرنَين العشرين والحادي والعشرين نظيرًا لها، وبقي مرتكبوها خارج إطار المحاسبة نتيجةَ استخدام حق "الفيتو" في مجلس الأمن.
ومع تغوّل النظام في سورية في حق المحتجّين من أبناء الشعب السوري، كان على أجهزة الأمم المتحدة المختلفة أن تتعامل مع الوضع المستجدّ، وخصوصًا القمع الوحشي للجماهير في مدينة درعا الذي قدح شرارة التظاهرات السورية ونقلها إلى أكثر من مدينة وبلدة، في حين فشلت جامعة الدول العربية في دورها.
يرصد الكتاب تطورات الأزمة السورية من خلال الوثائق المتمثلة في قرارات مجلس الأمن (20 قرارًا)، والجمعية العامة (8 قرارات)، ومجلس حقوق الإنسان (15 قرارًا، ومشروعَا قرار)، ومشاريع القرارات التي أطاحها الفيتو الروسي، أو الفيتو المزدوج الروسي - الصيني (17 مشروع قرار)، وتقارير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان (16 تقريرًا)، وتقارير الأمينين العامَّين للأمم المتحدة، خلال الفترة التي يُعنى بها الكتاب، بان كي مون (4 تقارير) وأنطونيو غوتيريش (3 تقارير)، إلى رؤساء مجلس الأمن، المتعلقة بآلية التفتيش المشتركة عن الأسلحة الكيميائية في سورية، والبيانات الرئاسية لمجلس الأمن (7 بيانات تكتسي أهمية خاصة، لأنها لا تصدر إلا بإجماع الأعضاء الخمسة عشر، حتى في حال استمرار المفاوضات حولها أيامًا)، إضافة إلى مداخلة واحدة، على الأقل، لكلٍّ من المبعوثِين الخاصّين الثلاثة خلال الفترة التي يهتمّ بها الكتاب: كوفي أنان (الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة)، والأخضر الإبراهيمي، وستيفان دي ميستورا؛ وذلك في المجال السياسي، والمجال الإنساني، ومجالَي الأسلحة الكيميائية وانتهاكات حقوق الإنسان، وقد كانوا شبهَ متفقين على أن حل النزاع السوري يكون بوقف العنف أولًا، ثم التفاوض، وأخيرًا توقيع اتفاق على إنهاء الحرب، ولكن حال دون ذلك اعتقاد أحد الطرفين أنه يمكن حلّ النزاع بالغلبة العسكرية، في حين كان رأيُ المبعوثِين والأمين العام أنْ لا حلَّ عسكريًّا للأزمة السورية. وستكون تلك الوثائق كافية لإطلاع الدارس والباحث وطالب العلوم السياسية، على نحو شمولي، على كيفية تعامل الأمم المتحدة مع الملف السوري.
ومع أن الأزمة السورية - وهي الأكثر كارثية من الناحية الإنسانية في القرن الحادي والعشرين - لمّا تزل دون حل تامّ حتى يومنا هذا، فإنّ وتيرة إصدار مجلس الأمن قرارات بشأن سورية قد خفّت نسبيًّا مع هدوء المدافع والطائرات والعمليات الحربية وتكريس الفصل بين الأخصام على الأرض السورية المقسّمة والمحتلّة من الروس والأميركيين والإيرانيين والأتراك وتحوُّل النزاع السوري - السوري إلى نزاع إقليمي – دولي، وحرب بالوكالة، بحيث نستطيع الزعم أن الفترة الزمنية التي يُعنى بها الكتاب تُغطّي معظمَ القرارات المتعلقة بسورية وأهمَّها، وقد آثر المُعدّان متابعة عدد كبير من الوثائق على مدى نحو ثماني سنوات من النشاطات الدولية إلى حدّ توقّفها عند نهاية عام 2018؛ حصرًا للموضوع الواسع والمعقد، وإفساحًا في المجال أمام الباحثين والمتابعين لإمكان التبصر واستخلاص الدروس من تحليل مكونات الأزمة السورية وتعقيداتها، وبالأخص مع افتراقها عن المسألتين اليمنية والليبية في أنّ مجلس الأمن لم يكن موحدًا في نظرته إلى ما يجري في سورية منذ البداية، مع استخدام روسيا والصين الفيتو لوأد مشاريع القرارات التي ليست في مصلحة النظام السوري (روسيا 13 مرة، والصين 6 مرات). ولاختصار مادة الكتاب، اختار المُعدّان عينات من تقارير كثيرة تُكرر جزءًا أساسيًّا من تقارير سابقة قد تملأ عشرات الصفحات وتعيد إنتاجها، وهي عينات بمنزلة "أبواب" لمن أراد استزادةً بحثية، وقد قرّرا كذلك نَشْر التقارير الأكثر أهمية، وتَرْك الأقل أهمية منها، وإن كانت مهمة في حد ذاتها، لئلّا يتجاوز حجم الكتاب الحدّ المعقول. ومع اتّباع المُعدَّين سياسة الاختصار، خشية بلوغ أعداد الوثائق الآلاف، أشارَا إلى أن الباحِثِين الراغبين في التوسع يمكنهم اعتماد آلية العودة إلى القرارات من خلال مواطن الحذف (ثلاث نقاط بين معقوفين [...])، على غرار أعراف الكتابة الأكاديمية.
ولا بد من الإشارة إلى أن هوامش القسم الأول من الكتاب المعنون (المهمة المستحيلة: وساطة الأمم المتحدة في الأزمة السورية 2011–2018) هي كلها من إعداد عبد الحميد صيام، ولذلك وردت من دون ذكرٍ لاسم واضعها. أما هوامش القسم الثاني (الوثائق)، فجزء منها هو من أصل الوثائق الدولية، وجزء آخر من إعداد صيام وهلا الحوش، ويشار إليها في آخر الهامش بـ "المعدان".
وقد استُثنيَت من الكتاب المرفقات والأشكال والصور والخرائط المتضمَّنة في الوثائق الدولية. وبطبيعة الحال، تمّت الإشارة إليها في الكتاب، على نحو ما اتُّبع في الوثائق، واستُثنيت البيانات الصحافية التي تصدر عن المجلس؛ لأنها ليست وثائق رسمية، وليست ذات وزنٍ قانونيٍّ مثل القرار والتقرير والبيان والمشروع.