عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالتعاون مع مركز دراسات الخليج في جامعة قطر، يوم الإثنين 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، ندوة أكاديمية بعنوان "الأزمة الإيرانية - الأميركية وتداعياتها". وتأتي هذه الندوة عقب ارتفاع حدّة التوتر في منطقة الخليج العربي، في منتصف أيلول/ سبتمبر 2019، بعد أن تعرضت منشآت تابعة لشركة "أرامكو" السعودية لهجمات أدت إلى تعطّل نصف إنتاج النفط السعودي. ويأتي تناول الموضوع في سياق الأزمة التي بدأت بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران عقب إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 8 أيار/ مايو 2018، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران، وإعادة فرض العقوبات عليها.

السياقات الإقليمية والدولية للأزمة وتداعياتها

تناولت الجلسة الأولى التي ترأسها حيدر سعيد، رئيس قسم الأبحاث في المركز العربي، السياقات الإقليمية والدولية للأزمة، وتداعياتها. وعالج محجوب الزويري، في مداخلته التي حملت عنوان "الأزمة الإيرانية – الأميركية 2019: ما الجديد؟"، الفصل الجديد في الأزمة بين البلدين، والذي شكّله ووضع بنيته الأساسية الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ ترشحه للوصول إلى البيت الأبيض في الولايات المتحدة. وأرجع الزويري ذلك إلى ثلاثة أسباب، أولها، تطبيق الرئيس ترامب شعاره الانتخابي "إعادة العظَمة لأميركا" يكون بإعادة النظر في الاتفاق الموقّع مع إيران عام 2015. وثانيها، مسؤولية ترامب عن غياب التوافق والانسجام في المؤسسة الرسمية الأميركية تجاه إيران. وثالثها، حشد ترامب حلفاء دوليين وممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية على إيران. واختتم الزويري مداخلته بمناقشة الإشكاليات التي ستواجه الإدارة الأميركية في الفصل الجديد للأزمة بين البلدين، مؤكدًا أنّ هذا الفصل لا يتشابه مع بقية الفصول السابقة، لأن المؤسسة الأميركية تجاوزت العداء مع إيران عقب توقيعها الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة.

وعلى مستوى موازٍ، قدّم مروان قبلان، في مداخلته المعنونة "الأوزان النسبية لأطراف الأزمة وتفاعلاتها"، نقاط القوة والضعف للفاعلين الأساسيين على المستوى الإقليمي والدولي. وحدد نقاط القوة الإيرانية بوصفها قطبًا إقليميًا مهمًّا ومؤثّرًا في منطقة الخليج والشرق الأوسط، تمتلك رؤية استراتيجية لمشروعها في المنطقة ومتسلحة بأدوات واستراتيجيات في الحرب اللامتماثلة مثل الميليشيات والأجهزة الموازية لتنفيذه، فضلًا عن ضعف خصومها وهشاشتهم. أمّا نقاط ضعفها فحدّدها بهشاشة اقتصادها وبنيتها التحتية المتهالكة بسبب الحصار والعقوبات الطويلة، وانتشار الفساد على نطاق واسع، واتباع سياسات مذهبية تضعها في حالة عزلة ومواجهة مع جوارها العربي والإسلامي. وبالنسبة إلى السعودية فهي تتمتع بنقاط قوة أهمها احتياطيها الهائل من النفط، ونفوذها السياسي والديني، ووزنها المالي، في حين أنّ تضاريسها الصحراوية القاسية، وعدد سكانها القليل، وضعف الفاعلية القتالية لقواتها العسكرية، واقتصادها الريعي تمثّل نقاط ضعفها الأبرز. وأشار قبلان إلى مجموعة من نقاط القوة بالنسبة إلى تركيا، من بينها موقعها الاستراتيجي المهم، واقتصادها المتطور، ونظامها الديمقراطي، وعلاقاتها القوية بالغرب. وحدّد نقاط الضعف مشدّدًا على افتقارها إلى موارد الطاقة الخاصة بها، والتوترات الإثنية والعرقية المترافقة مع صعود تيارات قومية وشعبوية. واستطرد قبلان في الحديث عن نقاط قوة إسرائيل وضعفها، ورأى أنها على الرغم من كونها قوة عسكرية واقتصادية كبرى، فإنها تبقى منبوذة في محيطها الإقليمي ومدانة دوليًا بسبب سياساتها العنصرية. أما في الحديث عن القوى الدولية، فقدّم مجموعة من نقاط القوة والضعف للصين وروسيا والولايات المتحدة، وأوضح أنّ تحليل نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات للقوى الإقليمية والدولية يشير في ظل الأزمة الإيرانية – الأميركية الأخيرة، إلى أن من يكسب إيران بوصفها قوة إقليمية مهمة سيكون له السيادة على المنطقة والعالم.

أمّا نيكولاي كوزانوف، فقد قدّم مداخلة بعنوان "العقوبات الاقتصادية وتداعياتها الإقليمية والدولية"، أشار فيها إلى أنّ العقوبات الاقتصادية أثّرت في الاقتصاد الإيراني طوال الأربعين سنة الماضية، فقد عزلت البلاد عن الأنظمة المصرفية والتأمين الدولية، وقيّدت وصول طهران إلى الاستثمارات الأجنبية والتقنيات المتقدمة وخدمات النقل البحري الدولي. لذلك، كان الاتفاق النووي الموقّع بين طهران والولايات المتحدة ومجموعة المفاوضين الدوليين عام 2015، موضع ترحيب الشعب الإيراني ونخبة واسعة في البلاد، فقد رفعت معظم العقوبات المفروضة سابقًا على الأسلحة النووية، وأعطت إيران أملًا في تنمية اقتصادية. وشدّد كوزانوف على أنّ العقوبات الاقتصادية التي طبقتها الولايات المتحدة في عهد ترامب خلقت صعوبات في التعامل مع طهران، واستفزت النخبة الإيرانية، وخلّفت آثارًا سلبية في الوضع الداخلي في إيران، مما تسبّب في زيادة الاضطرابات الاجتماعية، وتعزيز موقف القوى المحافظة الأقل استعدادًا للحوار مع العالم الخارجي. واختتم كوزانوف مداخلته بتقديم جملة من التوصيات الواجبة على السلطات الإيرانية في حال أرادت تخطي العقوبات المفروضة عليها، مثل: تقديم بدائل اقتصادية لتعويض خسائرها، وتحسين علاقاتها بالدول المجاورة، وإعادة النظر في إنفاقها الاجتماعي للحصول على أموال إضافية للاستثمار في الاقتصاد، وإصلاح القطاع المصرفي لجعله أشدّ فاعلية، وضمان أن البيئة الدولية مستعدة لمواصلة تزويد إيران بفرص لتجاوز العقوبات.

السياقات الداخلية للأزمة في إيران وتداعياتها

ناقشت الجلسة الثانية مسألة السياقات الداخلية للأزمة في إيران وتداعياتها، وقد ترأسها مروان قبلان، الباحث المشارك في المركز العربي ومدير وحدة الدراسات السياسية. تناول لوسيانو زاكارا في مداخلته التي حملت عنوان "المؤسسة السياسية الإيرانية والمفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية" معارضة المؤسسة السياسية في إيران الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وأشار إلى أن ذلك لا ينفي أنّ المؤسسة السياسية الإيرانية تبقى منفتحة ومستعدة للدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة. في السياق ذاته شدد زاكارا على مبادرة الأمل بوصفها الضوء الأخضر الذي قدمه المرشد الأعلى علي خامنئي، في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2019، بحديثه عن الاستعداد للدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة بشرط إلغاء العقوبات الأميركية وعودة الولايات المتحدة إلى الالتزام ببنود الاتفاق النووي. ورأى زاكارا أن المؤسسة السياسية من خلال هذه المبادرة فتحت المجال أمام ردات فعل إيجابية تلقتها من الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، وذلك على الرغم من الاستجابة الضعيفة التي أظهرتها الولايات المتحدة.

أما فاطمة الصمادي فقد أشارت في مداخلتها بعنوان "موقف الحرس الثوري الإيراني من الأزمة مع الولايات المتحدة الأميركية" إلى دور الحرس الثوري في اقتحام السفارة الأميركية في طهران إبان الثورة الإيرانية عام 1979، بوصفه مدخلًا مهمًّا لفهم دخول الحرس مبكرًا إلى السياسة الإيرانية، ولا سيما أن الولايات المتحدة لا تزال تعتبر اقتحام السفارة إهانة لها. وأشارت إلى أن دور الحرس الثوري ومكانته تطورَا مع الأجيال الأربعة المتعاقبة منذ اندلاع الثورة، ورأت أنّ هذه النخبة باتت اليوم ضالعةً في صنع السياسة الإيرانية ومؤثرةً فيها، فهي تحدد خطوط التفاوض مع القوى الإقليمية والدولية بما فيها الولايات المتحدة. وعن الحضور الإقليمي للحرس الثوري، ترى الصمادي أنه لا يمكن فهم دور إيران في المنطقة دون التطرق إلى تأثير الحرس الثوري في صنّاع السياسة الإيرانية.

واختُتمت الندوة بمداخلة قدّمها مهند سلوم بعنوان "الهجوم على أرامكو: البعدان العملياتي والاستراتيجي" شدّد فيها على فشل الدفاعات الجوية السعودية في اعتراض الهجمات على منشآت أرامكو السعودية. وأوضح أنّ السعودية رغم امتلاكها نظامَ دفاع جوي متكاملًا يتضمن أنظمة الرصد الجوي، ومركزًا للقيادة والتحكم، ونظام أسلحة اعتراضية، وبطاريات صواريخ باتريوت أميركية الصنع، ومدافع سكاي غارد قصيرة المدى، فإنّ هذه الأنظمة لم تكن تعمل وقت الضربة على منشآت أرامكو. ورأى أنّ ذلك يعود إلى أن السعودية تشغّل الأنظمة المقابلة للحدود مع اليمن فقط، معتبرة أنّ الخطر الوحيد الذي يهددها قادم إليها من اليمن. كما رأى أنّ إيران ربحت عنصر المفاجأة، على المستوى الاستراتيجي. وشدّد على أنّ مسار الأزمة الإيرانية – الأميركية يذهب في اتجاه تبنّي خيار التفاوض مع الحكومة الإيرانية للتوصل إلى حل سياسي يهدف إلى ضبط نشاطات إيران في اليمن وسورية والعراق من دون تهديد أمنها ومصالحها الاستراتيجية؛ وهذا يعني أنّ هجمات إيران على المواقع الحيوية السعودية ونشاطاتها في المنطقة يمكن أن تحقق أهدافها الاستراتيجية المتمثلة بتخفيف الحصار الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة، أو رفعه.