عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يوم الأحد 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، ندوة أكاديمية بعنوان "احتجاجات العراق: مطالب الشارع وعنف السلطة". وتأتي هذه الندوة في ظل استمرار الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية التي يشهدها العراق منذ 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، احتجاجًا على انتشار الفساد، وارتفاع معدلات البطالة، وسوء الخدمات العامة. ويأتي تناول الموضوع في سياق استمرار العنف غير المسبوق الذي تمارسه قوى الأمن العراقية في حق المحتجين؛ فإلى جانب حظر خدمات الإنترنت وقطع الاتصالات وحظر التجوال، سقط مئات القتلى وآلاف الجرحى العراقيين نتيجة قمع المتظاهرين. وقد تناولت الندوة التي ترأسها مروان قبلان، مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي، أسباب الاحتجاجات وخلفياتها وبنيتها وتداعياتها وآفاقها، ومواقف القوى السياسية منها.

استهل حيدر سعيد، رئيس قسم الأبحاث في المركز العربي، مداخلته بالحديث عن أربع أطروحات مركزية تشكل إطارًا مرجعيًا لفهم احتجاجات تشرين الأول/ أكتوبر 2019، ومقارنتها بسابقاتها في العراق، ولا سيما منذ عام 2003. أولها، أن الحركات الاحتجاجية تظهر في البلدان التي تعيش هامشًا من الحرية، أما البلدان السلطوية فلا مجال فيها للحديث عن حركات احتجاجية، وهذا ما يفسّر دينامية الحركات الاحتجاجية في العراق منذ عام 2003. وثانيها، أن الاحتجاجات الحالية تعدّ الأحدث في سلسة موجات بدأت منذ أواسط عام 2009، واتسمت في الغالب بأنها جزءٌ من الظاهرة الريعية في العراق. وثالثها، أن الحركات الاحتجاجية تنشط كلما تضعف الدولة، وأنها في الحقيقية حركات تطالب بالدولة، فالشعار الرئيس الذي يردده المتظاهرون هو "نريد وطن". ورابعها، أن الحركات الاحتجاجية منذ عام 2003 كانت ذات صبغة مطلبيّة، ولم تتطور إلى صوغ رؤية سياسية. واختتم سعيد مداخلته بالحديث عن سمات احتجاجات تشرين الأول/ أكتوبر بوصفها غير مدعومة من أي تنظيم سياسي، وذات طبيعة مطلبية، ولا يوجد لها قيادة أو تنظيم مركزي، وأتت بسبب الانهيار المؤسسي لأجهزة الدولة، وهذا ما يبرر نمط عنف الدولة تجاه المتظاهرين.

وركز علي طاهر الحمود، أستاذ علم الاجتماع السياسي في كلية الآداب بجامعة بغداد في العراق، على سياسات الحكومة العراقية وتضييقها على المواطنين منذ توّلي عادل عبد المهدي رئاسة الحكومة في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، وذلك لفهم البينة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لاحتجاجات تشرين الأول/ أكتوبر 2019. وأرجع الحمود ذلك إلى ثلاثة أسباب، أولها، التضييق على الحريات الفردية، والتي برزت مع مقتل أربع نساء عراقيات في ظروف غامضة، واغتيال الروائي والكاتب العراقي علاء مجذوب أمام منزله في كربلاء، وتعليق عمل مكاتب قناة "الحرة عراق"، وإغلاق قناتي العربية والحدث، وحظر خدمات الإنترنت، وتشويه الناشطين والباحثين ومؤسسات المجتمع المدني في العراق. وثانيها، غياب الدولة العراقية، التي برزت في ردات الفعل على استبعاد قائد قوات مكافحة الإرهاب الفريق عبد الوهاب الساعدي، وعدم تسليم إقليم كردستان حصته من النفط إلى الحكومة الاتحادية، وحرب البيانات الصحافية بين قادة الحشد الشعبي العراقي والحكومة العراقية. وثالثها، تراجع ثقة العراقيين بالإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تنفذها الحكومة، ولا سيما أن القرار الأخير الذي نفذته بلديتا بغداد والبصرة لرفع التجاوزات عن الطرق استهدف الفقراء وليس كبار التجار العراقيين. واختتم الحمود مداخلته بالحديث عن دور هذه الأحداث في شعور العراقيين بالإحباط وغياب الكرامة، وهذا تحديدًا ما يبرر الداوفع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لحراك تشرين الأول/ أكتوبر، والمرتبطة بالعتب الشديد على دور المرجعية الدينية والتيار الصدري من جهة، وفشل الحكومة في توفير فرص عمل للخريجين من جهة ثانية. في الحصيلة النهائية شدّد الحمود على أن العراق اليوم أمام وضع خطير ويمكن أن يشهد مزيدًا من عنف السلطة في الأيام القادمة.

أما حارث حسن، الباحث الأول غير المقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، فقد اعتبر بأن احتجاجات تشرين الأول/ أكتوبر 2019 تمثل عملية إعادة تشكيل لموقف هوياتي جديد داخل العراق، فهذه الاحتجاجات تعكس انتقالًا داخل المجتمع الشيعي من مركزية الهوية الدينية الطائفية إلى مركزية الهوية الاقتصادية الاجتماعية. وقد استدل حسن على ذلك بالحديث عن احتجاجات حملة الشهادات العليا في أيلول/ سبتمبر 2019، وتحدي الحكومة العراقية لباعة الأرصفة والمتجولين على أرصفة الشوارع العراقية، وللعسكريين العراقيين المطرودين من الخدمة. وأضاف أن الشباب العراقي الذي بدأ بإعادة تشكيل موقفه الهوياتي يرى أن النخبة الحاكمة، نخبة تسيطر على توزيع أموال الدولة العراقية، ولذلك فهي مسؤولة عن عدم توفير فرص عمل للخريجين. وحدّد الأسباب الكامنة وراء ضعف حكومة رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، وأشار إلى أن مراكز القوى داخل التيار الشيعي والمتمثلة في المرجعية الدينية في النجف والتيار الصدري وقائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني، قايضوا مجيء حكومة مستقلة يرأسها خبير اقتصادي بعدم التدخل أو المساس بالشؤون التي تتحكم بها وتديرها مراكز القوى في العراق. واختتم حسن مداخلته بتقديم ثلاثة سيناريوهات يستشرف بها مستقبل احتجاجات العراق، أولها، سيناريو الانتقال إلى دولة سلطوية جديدة، وهي دولة تنتجها ديناميكات السلطة ومصالح الطبقة الأوليغارشية المهيمنة. وثانيها، سيناريو الحرب الأهلية الشيعية بين التيار الصدري والفصائل الشيعية. وثالثها، أن تنتج الاحتجاجات بديلًا ثالثًا وهو إما تغيير القانون الانتخابي العراقي، أو تغيير الحكومة.

واختتمت الندوة بمداخلة قدمها مصعب الألوسي، الأستاذ المساعد في برنامج ماجستير الدراسات الأمنية النقدية في معهد الدوحة للدراسات العليا، ركز فيها على أبرز القوى الأمنية في العراق، وهي الشرطة الاتحادية التي أنشأتها القوات الأميركية بوصفها منظمة شبه عسكرية تهدف إلى سد الفجوة بين الشرطة والجيش، وجهاز مكافحة الإرهاب الذي يعدّ جهازًا وطنيًا عراقيًا مهمته مكافحة الإرهاب، والفرقة الخاصة وهي قوة بارزة في الشارع العراقي مهمتها الحفاظ على الأمن في المناطق الحساسة، ولا سيما المنطقة الخضراء وبيوت المسؤولين العراقيين والبنك المركزي العراقي ومبنى الإذاعة والتلفزيون، وقوات سوات العراقية SWAT، وأخيرًا الحشد الشعبي العراقي وهي قوات نظامية عراقية، وجزء من القوات المسلحة العراقية. وأضاف الألوسي أن جميع القوى الأمنية في العراق التي انخرطت في عمليات قمع احتجاجات تشرين الأول/ أكتوبر غير مدربة على التعامل مع المدنيين، فهي مدربة للتعامل مع العمليات العسكرية؛ وهذا ما يبرر وفقًا للألوسي نوع القمع الذي تستعمله القوى الأمنية في حق المتظاهرين ووسائل الإعلام.