أطلق المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، يوم الاثنين 20 نيسان/ أبريل 2020، سلسلة محاضرات بعنوان "التفكير في أزمة كورونا وأبعادها" تُبثّ عبر منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي، وتقدّم فيها مجموعة من الخبراء والأكاديميين محاضرات علمية حول جائحة كورونا وتداعياتها على مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. افتتحت هذه السلسلة بمحاضرة طبية ألقاها الدكتور عامر شيخوني، رئيس تحرير موقع "صحتك" العربي، بعنوان "الفيروسات وجائحة كورونا الجديدة".

استهل شيخوني محاضرته بالتأريخ لاكتشاف الفيروسات، والجدل العلمي حول طبيعتها البيولوجية، مشيرًا إلى أنّها اكتُشفت في أواخر القرن التاسع عشر، ولا يزال النقاش العلمي قائمًا حول ما إذا كانت كائنات حية أو غير حية أو تقف بين الطرفين. وأوضح أنّ الكائنات توصف بالحية بقدرتها على التكاثر، وأداء وظائف حيوية كالغذاء، ثم بيّن أن الفيروسات لا تحتوي على أيّ خاصية من خصائص الحياة عدا خاصية التكاثر، وهذه الأخيرة تكون مشروطة بيولوجيًا بالاعتماد على وجود خلايا حيّة تلتصق بها. ونوّه إلى أنّ تاريخ البيولوجيا يشير إلى أنّ الفيروسات اكتُشفت عن طريق تأثيراتها التي تعدّ الحمّى أبرزها، الأمر الذي يجعل المقابل الصحيح لكلمة فيروس في اللغة العربية هو "الحمات الراشحة"، مبيّنًا أنّ كلمة فيروس تعني في اللغة اللاتينية "السّم".

وأشار شيخوني إلى أنّ اختراع المجهر الإلكتروني في ثلاثينيات القرن الماضي مكّن العلماء من تصوير الفيروس، وقد شاهد العلماء في البدء الفيروسات التي تعيش على الخلايا النباتية كونها الأكبر من ناحية الحجم. وبيّن أنّ الفيروسات يقاس حجمها بالنانومتر، أي إنّها أصغر من الكائنات الحيّة بمئة مرة. وفي تحليله لبنية الفيروس، أشار شيخوني إلى أنّه يتكوّن من حمضٍ نووي، يغطّيه غلاف بروتيني دهني، وتتمّ عملية تكاثره عبر التطفّل إجباريًا على الكائنات الحية، حيث يقوم الفيروس بالالتصاق بجدار الخلية، ومن ثمّ اختراقها، ليصل إلى مرحلة استخدام أجهزتها وتسخيرها، لتقوم بنشاطاته الطبيعية كالتكاثر والانتشار. وفي تمييزه بين الفيروس من جهة، والجراثيم والطفيليات والبكتيريا من جهة أخرى، أشار إلى أنّ الأخيرة تختلف عن الفيروسات بقدرتها على أداء وظائف حيوية من دون الحاجة إلى التطفّل على الخلايا الحيّة.

وعقب التمهيد الخاص بالفيروسات وتركيبتها وتمييزها من غيرها من الكائنات الحيّة، تطرّق شيخوني إلى فيروس كورونا، الذي يشار إليه علميًا بـ "سارس كوف-2" SARS-CoV-2، ويشار إلى المرض الذي يسببه بـ "كوفيد-19"، وعلّل سبب تسميته بـ "سارس كوف-2"، بسبب تشابه حمضه النووي مع فيروس "سارس" الذي اجتاح الصين والعالم عام 2002، مبيّنًا أنّ كليهما ينتميان إلى عائلة فيروسات كورونا، التي تعني الفيروسات التاجية، حيث إنّ سطح الفيروس يكون على شكل نتوءات بروتينية تشبه الشكل الهندسي للتاج، تساعد على الالتصاق بجدار الخليّة الحيّة، كما بيّن أنّ الخلايا الحيّة التي تناسبه هي خلايا الجهاز التنفسي. وأمّا "كوفيد -19"، فتعني المرض الذي يسبّبه فيروس "سارس كوف-2" الذي ظهر في مدينة ووهان الصينية أواخر عام 2019.

وبيّن شيخوني أنّ فيروس كورنا ينتقل غالبًا عبر الرذاذ، الذي يتساقط على أسطح الأجسام المحيطة به، ومن ثم ينتقل عبر التلامس. وفي تحليله لفيروس كورونا، أشار إلى أنّه يتألف من الداخل من شريط حمض نووي يتكون من 30 ألف حرف، تُحيط به من الخارج بروتينات على شكل نتوءات، ويغطيه غلاف بروتيني دهني. وأوضح أن قوّة هذا الفيروس تكمن في حجمه المتناهي الصغر، الذي يجعل احتمالية استهدافه وإصابته بالضرر ضئيلة جدًّا. أمّا في ما يخصّ أصل الفيروس، فاستعان شيخوني، من دون جزمٍ علمي، بفرضية التقاء فيروس يعيش في أحد أنواع الخفاش الموجودة في مدينة ووهان الصينية مع الفيروس الموجود لدى حيوان آكل النمل الحرشفي، وقد انتقل في البدء من الحيوان إلى الإنسان، وعبر الأخير وجد طريقه إلى الصين وباقي العالم.

فحص شيخوني النظريتين السائدتين حول انتشار الفيروس وتحوّله إلى جائحة اجتاحت العالم بأسره؛ الأولى، النظرية العلمية، التي تفسّر الانتشار بغياب المناعة ضد هذا الفيروس لدى البشر، حيث إنّ أجهزة المناعة البشرية لم تتعرف إليه، وتحتاج إلى فترة زمنية لتُطوّر آليات طبيعية لذلك. أما النظرية الثانية، فسماها نظرية المؤامرة، التي تفيد بأن الفيروس تمّ تطويره في مختبر في الصين أو الولايات المتحدة أو روسيا. وقد حسم شيخوني هذا النقاش بالاستعانة بالدراسات العلمية الرصينة التي أشارت إلى أنّ تركيبة الحمض النووي للفيروس تفيد بأنه نشأ نتيجة تطوّر طبيعي وليس من خلال هندسة مخبرية.

عدّد شيخوني خلال محاضرته الطرق المعتمدة في الكشف عن فيروس كورونا؛ الأولى، هي فحص الحمض النووي عبر أخذ لطاخة من الأنف أو الفم وتضخميها عبر الاستعانة بالإنزيمات، وهي الطريقة المعروفة علميًا بـالـ PCR، التي اكتُشفت عام 1983. والطريقة الثانية هي طريقة فحص الدم المناعي بالاستعانة بعيّنة من الدّم وتحليلها مخبريًا، والأخيرة تتعلّق بالتشخيص السريري. وقد أشار إلى أنّ الطريقة الأولى تحتاج إلى أجهزة متطوّرة، ومن محاذيرها تعرّض الحمض النووي للتلف وفساد العيّنات المأخوذة، وأمّا الطريقة الثانية فتعتبر أطول زمنيًا، فهي تحتاج إلى فترة 10-30 يومًا لتظهر النتيجة. وكنتيجة لتقييم طرق التشخيص، أشار إلى أنّها مجتمعةً ليست صحيحة تمامًا.

وفي ما يخصّ مسألة الوقاية، ميّز شيخوني بين الوقاية الشخصية التي تتعلّق بغسل اليدين بالماء والصابون، والوقاية المجتمعية التي تتعلّق بـ "مناعة القطيع" والتباعد الاجتماعِي. يُضاف إليهما ما سمّاه الغلق الدولي، أي منع انتقال الناس عبر الحدود الدولية. وبحسبه، فإن هذا الفيروس سينتشر عبر موجات تتحكم فيها عوامل مناخية وبيولوجية، وستكون مسألة القضاء عليه إما طبيعيًا وإما عبر اكتشاف لقاح مضاد وانتشاره عبر العالم. وتستعمل في العالم حاليًا علاجات عديدة تتعلّق بالأدوية والمصل، إضافة إلى علاجات طبيعية تتعلّق بالمكملات الغذائية والفيتامينات إضافة إلى الرياضة، مشيرًا إلى أنّ جميع العلاجات المتوافرة لم تثبت نجاعتها بسبب صغر حجم الفيروس من جهة، وبساطته من جهة أخرى.

وفي ختام محاضرته، أجاب شيخوني عن الأسئلة التي وردت من المتابعين عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث لقيت المحاضرة تفاعلًا واسعًا وأسئلةً ومداخلات ثرية.