ضمن سلسلة محاضرات "التفكير في أزمة كورونا وأبعادها"، التي يعقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وتُبثّ عبر منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقدّم فيها عدد من الخبراء والأكاديميين محاضرات علمية حول جائحة كورونا وتداعياتها على مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، قدّمت الدكتورة أسماء الفضالة، يوم الأحد 12 تموز/ يوليو 2020، المحاضرة الثامنة عشرة بعنوان "التعليم وأزمة كورونا: التحدّيات والفرص".

استهلّت أسماء الفضالة محاضرتها بالإشارة إلى أن منظمة الأمم المتحدة وصفت تعطّل التعليم في سياق جائحة كورونا بأنه أزمة لا مثيل لها؛ وذلك يعود إلى العدد الكبير للطلاب الذين وجدوا أنفسهم خارج المدارس، ويقدّر بأكثر من مليار طالب حول العالم. وتعتبر الباحثة أن الظروف التي أنتجتها الجائحة وضع غير مسبوق في تاريخ التعليم؛ وفي هذا السياق، يحاول مسؤولو التعليم والمدارس وأولياء الأمور الحفاظ على استمرار تعلّم الطلاب وتفاعلهم من المنزل عبر طرق التعلّم الحديثة التي تعتمد على التقدّم التكنولوجي. وأشارت الباحثة كذلك إلى أن الانتقال من التعليم التقليدي إلى التعلّم عن بعد سبّب اضطرابًا كبيرًا للمؤسسات التعليمية وكذا أولياء الأمور وصنّاع القرار وقادة التعليم، ليس في دولة قطر فقط، وإنما حتى في الدول المتقدمة؛ وعلى الرغم من هذا الاضطراب، ترى الباحثة أن العديد من الأنظمة التعليمية استطاعت إيجاد حلول لمواجهة هذه الأزمة وتداعياتها.

في المحور الأول من المحاضرة، تناولت الباحثة مراحل تأثير أزمة كورونا في التعليم منوّهةً إلى أنه من غير الصائب وصف التدابير التعليمية المتخذة في بداية الأزمة بأنها تعليم عن بعد؛ ذلك أن التوصيف الصحيح هو "تعليم الطوارئ"، الذي يعدّ أسلوبًا للتعليم في حالات الاسثناء، يتمّ استحضاره في إطار استجابة آنية لعملية غلق المدارس التي جرى العمل بها في 191 دولة عبر العالم. وفي تحليلها لمراحل تأثير جائحة كورونا في التعليم، أشارت إلى أربع مراحل هي؛ الأولى هي مرحلة الطوارئ، وتتعلق بتوفير المنصّات الإلكترونية ووضع الخطط، إضافة إلى إطلاق عمليات التواصل مع أولياء الأمور. والمرحلة الثانية يجري فيها إيجاد بدائل جديدة تتناسب مع الوضع الجديد. أمّا المرحلة الثالثة، فهي مرحلة الإنعاش، ويجري خلالها الاستفادة من المرحلتين الأولى والثانية للتخلّص من الطرق التقليدية للتعليم، وإيجاد بدائل جديدة وتدريب الطلاب عليها. والمرحلة الرابعة والأخيرة، تتعلّق بالنظرة المسقبلية، والتي يكون فيها صناع القرار والأنظمة التعليمية جاهزين للاستفادة ممّا سبق من مراحل لاكتساب مهارات تعليمية تتلاءم مع تطوّرات القرن الواحد والعشرين.

وفي المحور الثاني، تناولت الباحثة التحديات التي تواجهها المدارس في سياق جائحة كورونا. ومن جملة هذه التحديات تباين المدارس في جاهزيتها لتطبيق التعليم عن بعد، إضافةً إلى استحداث منصات وبرامج جديدة. واعتبرت أن طبيعة الدروس التي يوفّرها نظام التعليم عن بعد تعدّ كذلك تحدّيًا؛ حيث أنّها لا تتيح أي تفاعل في أوساط الطلاب، مقارنةً بالتعليم في قاعات التدريس. كما طرحت مسألة عدم شمول الدروس المصّممة للتلقين عن بعد لكل الفئات: كطلاب رياض الأطفال، وأولئك الذين يعانون صعوبات التعلّم، وكذا فئة ذوي الاحتياجات الخاصّة. ومن التحديات الأخرى التي عددتها الباحثة، عدم جاهزية بعض المعلمين، والقلق من الوضع الصحي، إضافة إلى صعوبة التوازن بين تعليم الأطفال في المنزل ومتطلبات العمل في أوساط أولياء الأمور، وعدم تحكّم بعضهم في تقنيات الاتصال الحديثة المستعملة في التعليم عن بعد، من دون إغفال فكرة أن الجدول اليومي للطفل في الظروف العادية يركز على الكتاب المدرسي والواجبات، وليس على المهارات التكنولوجية المتقدمة.

وفي المحور الثالث والأخير، تطرّقت الباحثة إلى الحلول والفرص الممكنة لتخطّي الجائحة. وتعتقد أنها تختلف بحسب المراحل الأربع المذكورة سابقًا (مرحلة الطوارئ، ومرحلة البدائل الجديدة، ومرحلة انعاش التعليم، ومرحلة التوجّه المستقبلي والدروس المستفادة). وفي هذا الإطار، خلصت إلى أنه لا يوجد أي تدريب سابق للمعلمين على التعامل مع الجوائح؛ لذا يجب إعطاء المدرسة فرصة لتكون جزءًا من الحل، وليس منفّذًا له.

وقدّمت الباحثة مقاربة إيجابية حول التعليم في سياق جائحة كورونا؛ تتعلق بإعادة التفكير في نماذج التعليم التقليدية، وتقديم حلول مبتكرة لتخطّي تداعيات هذه الأزمة على التعليم حاليًا ومستقبلًا. وأشارت إلى أنه بعد عشرين سنة من الآن، لن يتذكر الطالب المعلومات التي قام بحفظها وتكرارها وحل الواجبات التي لا تنمي أي مهارة لديه؛ وإنما سيتذكر الدعم المعنوي والمهارات التي تعلمها لمواجهة هذا الوباء كفرد فعّال في المجتمع.

وفي الختام أجابت الباحثة عن الأسئلة التي طرحها المتابعون عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث لقيت المحاضرة تفاعلًا واسعًا وأسئلةً متنوعة ومداخلات ثرية.