عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مؤتمرًا أكاديميًا في تونس بعنوان: "إستراتيجية المقاطعة في النضال ضدّ الاحتلال ونظام الأبارتهايد الإسرائيلي: الواقع والطموح"، خلال الفترة 4 - 6 آب/ أغسطس 2016، وشارك فيه نخبة من الأكاديميين والناشطين في حركة المقاطعة من فلسطين والوطن العربي والعالم.

ألقى كلمةَ المؤتمر الافتتاحيةَ مديرُ فرع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس؛ الدكتور مهدي مبروك، مذكرًا أن هذا المؤتمر ينعقد بعد 70 سنة من صدور أول قرار لجامعة الدول العربية عن المقاطعة الرسمية، لكن مع مرور السنوات، اعترضت هذه البادرة منعرجاتٌ عديدةٌ أكّدت أمرًا مهمًّا؛ هو ضعف النظام الرسمي العربي، وتشتُّت النخب العربية، وبروز حالات استقطاب حادّة، وتنامي موجات العنف والتطرف، وارتفاع منسوب مناهضة الغرب، والمسلمين عامّة، وهو ما كان له انعكاس وخيم على القضية الفلسطينية.

شدّد الدكتور مبروك على حرص المركز على دعم الجهد العلمي والبحثي؛ من أجل مساندة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، عبر تعميق النظر العلمي، وضمن التزام أخلاقي؛ يكرّس حق الاختلاف والتعدد، مبيّنًا أن تنظيم مؤتمر علمي عن إستراتيجية مقاطعة إسرائيل يقع، خصوصًا، ضمن رؤية هادفة؛ تغذّي ديناميكيةَ المقاطعة، وتفعيلَ أشكالها ومضامينها؛ بوصفها جزءًا من حق الشعب الفلسطيني في المقاومة والتحرر.

وقد ضمّت الجلسة العلمية الأولى في المؤتمر مجموعة من المداخلات العلمية التي بحثت، على وجه الخصوص، موضوع "المقاطعة كإستراتيجية عمل وطني فلسطيني، والرد الإسرائيلي عليها". وفى هذا الإطار، أشار الباحث الفلسطيني ميشال نوفل إلى أن الموقف الأوروبي الشعبي كان جريئًا وأكثر انتصارًا للحقّ الفلسطيني من الموقف الأوروبي الرسمي، مشيرًا إلى مبادرات مدنية في أوروبا للمقاطعة، وفي ألمانيا وبريطانيا بالتحديد؛ لما لذلك من دلالة خاصّة، كما قارنها بالتجربة الأميركية في المجال ذاته؛ مع اختلاف الديناميكات المتبعة؛ مسلّطًا الضوء على الإستراتيجيات التي اعتمدتها الجهات المضادة لمواجهة حركة المقاطعة؛ مشيرًا، كذلك، إلى نجاح حركة المقاطعة في تعبئة قطاعات واسعة من الرأي العامّ الأوروبي ضد إسرائيل، وضد سياسات التمييز العنصري التي تتخذها في مواجهة الشعب الفلسطيني، وفي حرمانه من أبسط حقوقه الأساسية. وأوضح أن هذا الزخم أربك إسرائيل كثيرًا، ودفعها إلى إطلاق سياسات مضادة؛ للالتفاف على جهد المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية والثقافية.

من ناحيتها، بّينت الباحثة آيات حمدان في مشاركة بعنوان "المقاطعة في السياق الفلسطيني: الظروف والتحديات" أنه في غياب برنامج وطني يحظى بدعم القوى السياسية المختلفة؛ تظهر اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها؛ خيارًا وطنيًّا جامعًا، بقيادة اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل، والتي تسعى إلى مقاطعة هذا الكيان دوليًّا. وخلصت إلى أنه على الرغم من النجاح الكبير الذي حققته إستراتيجية مقاطعة إسرائيل، دوليًّا، في العقد الماضي، وعلى الرغم من الخسائر الاقتصادية والمعنوية الفادحة التي ألحقتها بها، فإن تحدياتٍ كثيرةً لا تزال تعترض طريق حركة المقاطعة داخليًا؛ تحدياتٍ أفرزتها طبيعة النظام الاستعماري الاستيطاني الذي تخضع له فلسطين، إضافةً إلى الواقع السياسي والاقتصادي الناتج من "اتفاقيّة أوسلو".

وفى مشاركةٍ بعنوان "كي تستمر النجاحات: تعديل إستراتيجية حملات المقاطعة"؛ أفاد الباحث والناشط الفلسطيني خليل جهشان أن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات تواجه اليوم تحدّياتٍ كبيرةً، وبخاصّةٍ بعد أن حشدت إسرائيل جهدًا ضخمًا لتشويهها، ومن الضروري، وفقَ تقديرِه، إعادة النظر في تكتيكات الحركة، داخل المجتمع الأميركي على وجهٍ خاصّ؛ للمحافظة على سعيها لتحقيق أهدافها، وتعزيز فاعليّتها، وضمان استمراريتها في مواجهة الحملة الإسرائيلية الساعية لتقويضها. وقال: "لا يكفي الادّعاء بأن إسرائيل غير قادرة على الانتصار على حركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، بل على هذه الحركة أن تراكم المكاسب التي حققتها، فضلًا عن النضج الذي بلَغتْه بغية تطوير إطار فكري أكثر عمقًا؛ لتضمن تفكيك العقبات والحواجز التي تعوقها".

أما الباحثة أماني السنوار فقد ذكرت في مشاركةٍ بعنوان "وسم بضائع المستوطنات فى أوروبا بين الاقتصاد والسياسة" أن قرار البرلمان الأوروبي، سنة 2012؛ وضعَ علامات خاصّةً لتمييز مصدر المنتوجات الإسرائيلية (من المستوطنات)، وهو موقف يُفهَم منه عدم اعتراف الدول الأوروبية بسيادة إسرائيل على الأراضي المحتلّة سنة 1967، مشيرةً إلى أن التطورات الإقليمية، في السنوات الأخيرة، وسّعت الفجوة بين الدّوْر والأهداف الأوروبية في منطقة الشرق الأوسط وبين علاقة أوروبا الثنائية بإسرائيل. وشدّدت على ضرورة مضاعفة الجهد والضغط إقليميًّا ودوليًّا؛ لدعم عزلة المشروع الاستيطاني، داعيةً النخبَ العربيةَ إلى تعزيز مبادرات المقاطعة العربية والعالمية لإسرائيل، وتفعيل الرؤى المتعلقة بذلك.

وقدّم الباحث طارق حمود، محاضرةً بعنوان "المقاطعة في الإجراءات الأوروبية، نصف مقاطعة للمستوطنات، ودعمٌ مطلق لإسرائيل"؛ أكد فيها أن حركة مقاطعة إسرائيل، في أوروبا، تحمل أبعادًا قانونية وحقوقية، إضافةً إلى منطلقاتها الأخلاقية، وأن هذه الحركة تنقسم إلى قسمين: الأول مدنيّ وهو الأشدّ تاثيرًا، والثاني رسمي نابعٌ من بعض الإجراءات الأوروبية الرسمية. وتابع قائلًا: "إن القراءة المتأنية للإجراءات الأوروبية الرسمية تجاه المستوطنات قد تخرج باحتمالات متعددة؛ تبدأ من الجانب القانوني والأخلاقي الذي يعيش انفصامًا واضحًا مع إجراءات رسمية أخرى تجعل إسرائيل، بوصفها نظامًا سياسيًّا بالنسبة إلى الاتحاد، حليفًا فوق القانون، وديمقراطيةً تستحق الدعم لا العكس".

اليوم الثاني

في اليوم الثاني للمؤتمر، قدم الأستاذ عبد اللطيف الحناشي، في الجسلة الصباحية، ورقة حول "مقاطعة الحركة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي: قراءة في الأبعاد التاريخية". فأشار إلى أن المقاطعة، كشكل احتجاجي ضد السياسات الاستعمارية، وُجِدت منذ العصور القديمة، وظهرت، تقريبًا، في كل الحقبات التاريخية، وفي مختلف أنحاء العالم، غير أن الدراسات المقارنة لا تكاد تذكر إلا تلك التي نشأت في العصور الحديثة؛ مثل الهند وجنوب أفريقيا والأرجنتين، مبيِّنًا أن الفلسطينيين اعتمدوا المقاطعة، في البداية، وسيلة ضغط ونضال لمواجهة تمدّد الحركة الصهيونية وتوسعها على أرضهم. وأضاف أن حركة المقاطعة عرفت الكثير من التطورات والمسارات، وأدّت، وفق الكثير من التقييمات والدراسات التحليلية، إلى تحقيق بعض النجاحات، وبخاصة بعد أن انخرطت فيها الأوساط الرسمية العربية، ومنها جامعة الدول العربية، غير أن السنوات الأخيرة، وما حملته في طياتها من متغيرات إقليمية إستراتيجية وسياسية واقتصادية، أدّت إلى حصول بعض الإخفاقات لهذه الحركة، وخصوصًا بعد اعتماد بعض الأوساط الفلسطينية والعربية سياسات التسوية مع الكيان الصهيوني.

وفي مشاركة ثانية بعنوان: "المقاطعة ومناهضة التطبيع، التراجع الرسمي العربي والاندفاع المدني الفلسطيني"، أوضح الباحث أحمد قاسم حسين أن المقاطعة كانت أحد الأسلحة التي اعتمدها الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاعتداءات الإسرائيلية، ولأن حركة التحرير الوطني الفلسطيني لم تكن معزولة عن محيطها العربي والاسلامي والإقليمي وحتى الدولي، فإنها أثرت في هذه البيئات، وتأثرت بها، واستفادت من حركات التحرر الوطني فيها، على غرار تلك الحركات التي شهدتها جنوب أفريقيا والهند وكوبا وغيرها. وفى هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى أن تجربة جنوب إفريقيا كانت الملهم الأول بماهيات حركات المقاطعة وآلياتها، والتصدي لسياسات التمييز العنصري التي تنتهجها مؤسسات الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني الأعزل. وأضاف بأن المقاطعة: "اتخذت أشكالًا جديدة ثقافية وأكاديمية ورياضية وعلمية. وعلى الرغم من أن المساندة الرسمية العربية، وكذلك دعم جامعة الدول العربية لهذه الحركة قد تراجع في السنوات الأخيرة، بفعل تغير المواقف الرسمية العربية وتداعيات الأزمة السورية؛ فإن الثابت أن حراك المجتمع المدني والشعبي الفلسطيني ضد كل أشكال التطبيع مع إسرائيل قد أعطى نتائج جد مهمة".

الباحث الفلسطيني أشرف عثمان بدر، قدّم، عبر سكايب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، مشاركة بعنوان: "حركة المقاطعة ومقاومة التطبيع: قراءة في الضغوطات وعوامل النجاح"، أكد فيها أن حركة المقاطعة الفلسطينية وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات التي تدخل اليوم عقدها الثاني، تواجه العديد من التحديات الداخلية والإقليمية، من أسبابها التطورات السياسية في المنطقة، والضغوطات الكبيرة، والأطراف المتعددة التي تعترض هذه الحركة. وفى هذا السياق سعت إسرائيل، إلى إلصاق فكرة معاداة السامية بالفلسطينيين والعرب، محاولةً التأثير في الرأي العام الشعبي والرسمي في أوروبا وأميركا، مشيرًا إلى أن الانقسام الداخلي الفلسطيني أدّى دورًا سلبيًّا في تحقيق الإجماع على برنامج وطني، أو مشروع وطني لمقاطعة إسرائيل.

وشدّد الباحث الأردني عمرو سعد الدين في مشاركة بعنوان: "حركة مقاطعة إسرائيل في محيطها العربي: قراءة في القيم والمسارات"، على أن هذه الحركة أثرت في محيطها العربي والإقليمي والدولي، وتأثرت به، فقد روّجت هذه الحركة قيمًا جديدة، ركزت، في الأساس، على إبراز الأبعاد العنصرية لسياسات الكيان الصهيوني. وخلص إلى أن حركة بي دي أس نجحت، نسبيًّا، في انتزاع تأييد قطاعات مهمة من الرأي العام العالمي، خاصة بعد أن أخذت من بعض التجارب الناجحة، في مقاومة سياسات التمييز والفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وخلال حرب التحرير الوطني الجزائرية.

وتحدث الباحث الكويتي عايد عتيق الجريد عن مبادرات الكويت شعبيًّا ورسميًّا في مقاطعة الكيان الصهيوني، منذ بدايات القرن الماضي، وقال: "لم تدخر الكويت، حكومةً وشعبًا، جهدًا إلا وبذلته لمقاطعة إسرائيل، اقتصاديًّا وعلميًّا وثقافيًّا ومؤسساتيًّا، وإن الكويتيين انحازوا، منذ اللحظات الأولى لبداية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلى جانب الفلسطينيين، ودافعوا عن قضيتهم بكل شراسة في المحافل الإقليمية والدولية". وذكر أن الكويت اتخذت العديد من الخطوات العملية لتفعيل المقاطعة، منها إنشاء مكتب مقاطعة إسرائيل، وتأميم البريد، ورفض التعامل مع الشركات الاقتصادية، وكذلك شركات الطيران والنقل البحري التي تتعامل مع الكيان الصهيوني، ملاحظًا أن هذا الحراك الشعبي والرسمي نجح في زعزعة إسرائيل، وسبب لها، وفق تقديره، مشكلات اقتصادية كبيرة. وأضاف أن هذه المقاطعة شملت، لاحقًا، الأنشطة العلمية والأكاديمية والثقافية والرياضية، وأخذت أشكالًا أخرى ومختلفة، ووجدت كل الدعم، وبخاصّة في الأوساط الشعبية والمدنية.

كما قدمت الباحثة الأردنية منى عوض الله محاضرة بعنوان: "أشكال مقاطعة الكيان الصهيوني وأساليبها في الأردن: دراسة ميدانية"، تناولت فيها بعض أوجه نشاط حملات مقاطعة الكيان الصهيوني التي بدأت في الأردن مباشرة، بعد التوقيع على اتفاقية السلام الأردنية - الإسرائيلية، من خلال تأسيس لجنة وطنية لمقاطعة إسرائيل، والتي حظيت بتأييد شعبي كبير، ومن نشاطاتها تنظيم الاعتصامات الشعبية، وبعضها دام نحو خمس سنوات، وكان من مطالبها، على الخصوص، إلغاء هذه الاتفاقية، وإغلاق السفارات، وردّت عليها السلطات الرسمية باعتقال عدد من الناشطين. كما شملت مقاطعة إسرائيل المجالات العلمية والأكاديمية، ورفض دخول الإسرائيليين الأردن، وتطوّر هذا النهج، لاحقًا، ليتحول إلى جبهة رافضة لكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني. وقالت أيضًا: "إن السلطات الرسمية تعاملت مع هذه الحركات ببعض التجاهل أحيانًا، وبعنف أحيانًا أخرى، وإن التحدي الأبرز الذي يواجهه هذا الحراك الشعبي، هو التضييقات العديدة التي واجهت بها السلطات الرسمية الناشطين، ثم إن المتغيرات الإقليمية في المنطقة، والتي قسمت نسبيًّا المجتمع الأردني، ألقت بظلالها على حركة المقاطعة، ومقاومة التطبيع في الأردن:.

أما الباحث والناشط ماكس بلومنثال، فقط تطرّق إلى موضوع الفهم المتبدِّل لمعاداة السامية الذي تزامن مع ضغط اللوبي المؤيد لإسرائيل في هيئات حكومية وجامعية، هادفًا إلى إعادة تعريف المصطلح، وفقًا لمعايير إثنو- قومية صهيونية صريحة، بعيدة كليًا عن معناه الأصلي. وشرح أسباب اهتمام المؤيدين اليهود لحركة المقاطعة أيضًا بمعاداة السامية، وأنّ هذا التكتيك قد عطّل العلاقات اليهودية البينية. وربط هذه المحاولات بالهجمات على حركة التضامن مع فلسطين، بوصفها برنامجًا موجِّهًا لعملية انقضاض أوسع على الحركات الاجتماعية التقدّمية في الغرب، محللًا قوانين الطوارئ القمعية في فرنسا، والحملة ضد زعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كوربين، والجهد المبذول لعرقلة تحالف العدالة الاجتماعية في نطاق الجامعات الأميركية.

كما أشار الباحث والأكاديمي نعيم جينا إلى أن التحدي الأبرز أمام حركة المقاطعة هو غياب التنسيق الفاعل بين التجمعات المتنشرة في دول مختلفة من جهة، وغياب التنسيق من منظمات وجمعيات أخرى تتشارك الهدف نفسه من جهة ثانية. موضحًا أن الحملة الجنوب أفريقية لفرض العقوبات التي تشمل حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات في جنوب أفريقيا ومنتجاتها، عملت في أجواء مغايرة تمامًا عن تلك التي تتحرّك فيها الحملة الفلسطينية لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عليها.

وينظر ستيفان فريدمان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جوهانسبرغ في جنوب أفريقيا، إلى نجاح استخدام المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات في هزيمة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا بوصفه نموذجًا للمحاولات الجارية لاستخدام التكتيكات نفسها لإجبار إسرائيل على الاعتراف بالحقوق الفلسطينية. وعلى الرغم من هذا، فإنّ التفسيرات بشأن أسباب نجاح المقاطعة المناهضة للفصل العنصري نادرة. مشيرًا إلى دور مجموعة واضحة من المتطلبات، وتأطير "النضال" بوصفه حملة من أجل حقوق الإنسان، والعلاقة بين المقاومة الداخلية والتضامن الدولي.

اليوم الثالث

تضمن برنامج اليوم الثالث والأخير جلسةً علميةً كان محورها "حملات المقاطعة دوليًا تجارب ونماذج"؛ إذ تم تقديم مجموعة من المداخلات العلمية تناولت بعض تجارب المقاطعة في ماليزيا وتشيلي وأستراليا.

وفي هذا السياق، أشار الباحث والأكاديمي محمد ناظري إسماعيل من ماليزيا في محاضرة بعنوان "التحديات الراهنة لحملة المقاطعة في ماليزيا" إلى أن حملة مقاطعة إسرائيل في ماليزيا تحظى بتأييد شعبي أكثر منه بين الأوساط الرسمية التي تنظر من زاوية مغايرة لموضوع المقاطعة، منها أن هذه الأخيرة قد تكون لها تداعيات سلبية كبيرة على الاقتصاد الماليزي، وبخاصة في ضوء رغبة ناشطين ماليزيين أن تشمل هذه المقاطعة الشركات التي تتعامل مع إسرائيل ومنها شركات أميركية لها استثمارات كبيرة في ماليزيا. وأضاف بأن تنامي الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين وارتفاع وتيرة الاستيطان أدت إلى زيادة التحركات الشعبية ضد المصالح الاقتصادية لتلك الشركات في ماليزيا، وتأسست لهذا الغرض عدة جمعيات وائتلافات مدنية مناهضة لإسرائيل على غرار "بي دي أس ماليزيا" و"القدس ماليزيا" لتفعيل هذه المقاطعة ودفع الأوساط الرسمية إلى اتخاذ إجراءات فعلية وعملية في هذا الاتجاه. 

ولاحظ الباحث بمركز الدراسات العربية في تشيلي كمال قمصية في مداخلة موضوعها "حملة المقاطعة في تشيلي: السيرة المختصرة والتحديات" أن علاقة تشيلي بالعرب هي علاقة بالفلسطينيين خصوصًا؛ وذلك نتيجة وجود جالية كبيرة من فلسطين وسورية ولبنان هناك، وأن حضورهم كان لافتًا، ومن ذلك أن 22 صحيفة دورية ناطقة باللغة العربية تصدر في تشيلي، وأن حراك المجتمع المدني الفلسطيني كان ذا ثقلٍ ووزنٍ أكثر من المجتمع المدني التشيلي الذي تأثر بضغوطات اللوبيات اليهودية. وأوضح أن إستراتيجية مقاطعة إسرائيل بدأت تتبلور بخاصة بعد اعتداءات عام 2006 وتنامي الوعي بحقوق الفلسطينيين لدى التشيليين الذين بدؤوا يقتنعون بأن تصرفات إسرائيل هي من قبيل التمييز العنصري، ومن ثمّ حصل تطور مهم في مواقفهم. وتعرّض إلى سلسلة حوادث شهدتها جامعة تشيلية، والتي أفرزت موقفًا يعد على قدر كبير من الأهمية؛ وهو قرار الطلبة، وبنسبة 64 في المئة، للقيام بمقاطعة الجامعات والأكاديميين الإسرائيليين.

كما قدم الفيلسوف الأسترالي بيتر سلزاك محاضرةً بعنوان "حملة المقاطعة في أستراليا: نماذج الاحتجاج السياسي الشعبي"، بيّن فيها أن اللوبيات والجمعيات الإسرائيلية تسيطر بشكل كبير على المشهد السياسي والمجتمعي في أستراليا، وهذا يجعل النشاط في هذه البيئة أمرًا صعبًا، مشيرًا إلى أن هذا الأمر لم يمنع من بروز مجموعات مساندة للقضية الفلسطينية بوجه عام ولحركة مقاطعة إسرائيل بدرجة أقل، إذ تأسست مجموعة فلسطين في مالبو وأخرى في سدني، وكذلك الشبكة الأسترالية لدعم فلسطين التي ضمت شخصيات وناشطين فلسطينيين وأستراليين، كما تشكلت شبكة الأكاديميين الأسترالية الفرنسية، وعملت على استقطاب المناصرين لحملة المقاطعة وللقضية الفلسطينية.

وتضمن برنامج اليوم الختامي للمؤتمر حلقةَ نقاشٍ جمعت جل المشاركين في هذا اللقاء العلمي الأكاديمي؛ إذ تم التأكيد على ضرورة مساندة عمل حركات المقاطعة سياسيًا وأدبيًا، وخاصة الوعي بأهمية العمل الذي تقوم به على المستوى العالمي، لا سيما بعد النجاحات العديدة التي حققتها والخسائر التي ألحقتها بالاقتصاد الإسرائيلي.