استضافت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة في 7 شباط/ فبراير 2021، الدكتور مانوشهر دُرّاج، أستاذ الشؤون الدولية في الجامعة المسيحية في تكساس (Texas Christian University)، حيث ألقى محاضرة بعنوان "تعزيز العلاقات الصينية - الإيرانية: التداعيات الاستراتيجية". أدارها مهران كمرافا، رئيس وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة جورجتاون في قطر.

استهلّ الباحث كلمته بتقديم لمحة تاريخية عن العلاقات الإيرانية - الصينية التي تعود إلى أكثر من 2100 عام. وفي سياق تناوله فترة الحرب الباردة في الستينيات، قال الباحث: "إنّ علاقات الصين بإيران تحسّنت في الستينيات عندما أتاح الانقسام الصيني - السوفياتي فرصةً لبكين متمثّلة بتعزيز علاقاتها بالشاه، وبذلك أصبحت إيران الدولة الأولى في الشرق الأوسط التي تقيم علاقات مع الصين في عام 1972". ثم تطرّق إلى العلاقات الإيرانية - الصينية بعد ثورة 1979 في قطاعات التجارة والطاقة والأمن. وأكد أنه "في الوقت الذي كانت فيه الصين تغادر المرحلة الثورية، كانت إيران تدخل مرحلة الثورة الخاصة بها". وقال إنّ العلاقات التجارية بين البلدين شهدت تطورًا تدريجيًا خلال هذه الفترة.

قبل عام 1979، كانت الصين تمثل أقل من 1 في المئة من واردات إيران. إلا أن هذه النسبة تضاعفت بنسبة 2 في المئة في عام 1991. وبحسب الباحث فإنه بحلول عام 2009 "أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لإيران في العالم، حيث استحوذت على أكثر من 16 في المئة من إجمالي التجارة الإيرانية". فضلًا عن ذلك، عندما تخلّت أوروبا وكوريا الجنوبية والشركات اليابانية عن السوق الإيرانية، بسبب فرض عقوبات أميركية عليها، سعت الشركات الصينية لسدّ جزء كبير من الفراغ. وبحلول عام 2014، ومع فرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة على إيران، بدأت التجارة الثنائية بين البلدين تتراجع وما لبثت أن استعادت عافيتها بعد الاتفاق النووي في عام 2015، لتبلغ 52 مليار دولار أميركي. وفي عام 2016، وخلال زيارة رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ طهران لتعزيز شراكتهما الاستراتيجية الشاملة، تعهّدت كل من إيران والصين بتعزيز تجارتهما الثنائية لتبلغ قيمتها 600 مليار دولار أميركي بحلول عام 2030.

وشدد الباحث، أيضًا، على أهمية العلاقات بين البلدين في ما يتعلّق بقطاع الطاقة، مشيرًا إلى أن "الزيادة الكبيرة الأولى في تجارة الطاقة بين إيران والصين كانت في عام 1989. وبين عامَي 2006 و2007؛ إذ ارتفعت استثمارات الصين في قطاع الطاقة الإيراني لتبلغ 18 مليار دولار". وفي عام 2009، عندما غادر العديد من الأوروبيين سوق الطاقة الإيرانية، أصبحت الصين الشريك الأهم بالنسبة إلى إيران في مجال الطاقة، وذلك في عمليات الطاقة ما بين مرحلة المدخلات إلى مرحلة الإنتاج. كما تُعدّ الصين المستثمر الأول في قطاع الطاقة الإيراني على مستوى الاستكشاف والتطوير.

غير أن هذا الوضع تغيّر كثيرًا بعد أن فرضت إدارة دونالد ترامب حملة "الضغوط القصوى" في أيار/ مايو 2018. فبحسب الباحث، "عندما انسحبت شركة توتال الفرنسية من العقد البالغ قيمته 4.9 مليارات دولار أميركي من حقل فارس الغازي الجنوبي الإيراني نتيجة العقوبات الثانوية، كان من المتوقع أن تحلّ الصين محلّها. لكنها انسحبت هي أيضًا من المشروع وخفّضت حجم تجارتها مع إيران بنسبة تصل إلى 70 في المئة". ووفقًا للباحث، فإن الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إيران والصين التي أُبرمت لمدّة 25 عامًا، والتي تم الإعلان عنها في عام 2020 هي "رد فعل على سياسة الولايات المتحدة لخنق الاقتصاد الإيراني".

وفي ما يتعلق بالروابط الأمنية بين الصين وإيران، أشار إلى أن "الصين قدمت أسلحة إلى إيران والعراق خلال حربهما بين 1980 و1988، حيث بلغت قيمة صادرات الأسلحة الصينية لإيران 3.3 مليارات دولار أميركي". وذكر أن الصين كانت تزوّد إيران بالتكنولوجيا والمهارات، التي اضطلعت بدور مهم في تطوير برنامج إيران النووي المبكر وتكنولوجيا أنظمة الصواريخ. وتُعد الصين حاليًّا ثاني أكبر مزود أسلحة لإيران. ومع ذلك، فإن تجارة الصين مع إيران في ما يتعلق ببيع الأسلحة أو في مجالات أخرى في التجارة تتضاءل، مقارنةً بحجم التجارة الصينية مع إسرائيل أو المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة. وقال الباحث في هذا الصدد: "من المهم أن نفهم أنه إذا أعربت الصين عن اهتمامها بإيران في السنوات الأخيرة، فقد أظهرت أيضًا أنها مهتمة بالقدر نفسه بالعراق والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت وعمان ومصر وتركيا، فضلًا عن دول شمال أفريقيا".

ختم الباحث محاضرته قائلًا: "صحيح أن إيران والصين تحاولان تثبيت العلاقات التاريخية لإضفاء الشرعية على علاقاتهما الحالية، إلا أنّ ما يسيّر العلاقة بينهما هو الحسابات الباردة المتعلّقة بمصالحهما الوطنية"، وأشار إلى أن "هذه العلاقة ليست علاقة بين دولتين متساويتين. فالصين، كونها قوة عظمى ناشئة، تمتلك موقعًا متقدّمًا في علاقتها بإيران. ونظرًا إلى سعي طهران لفك عزلتها على المستوى الدولي نسبيًّا، ورفع الحملة الخانقة اقتصاديًا التي تمارسها الولايات المتحدة، ومواجهتها تهديدات الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية، فإنها في حاجة إلى بكين أكثر من حاجة بكين إليها".