عقدت وحدة الدراسات الإيرانية بالمركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات - التي أطلقها المركز في آذار/ مارس 2020، كمنصّة متخصصة تقدّم دراسات وتحليلات معمّقة عن الشأن الإيراني وصلته بالفضاء العربي من وجهة نظر موضوعية وأكاديمية، ومعرفة أكثر عمقًا وأقرب لتوصيف واقع إيران الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي، وتحليلات سياسية وملخّصات استراتيجية ذات صلة بالتطورات التي ترتبط بإيران - أولى محاضراتها ضمن سلسلة محاضرات المركز حول "التفكير في أزمة كورونا وأبعادها"، وذلك في 18 حزيران/ يونيو 2020. وقام بتقديمها الدكتور نادر هاشمي بعنوان "جائحة كورونا في إيران وسؤال الشرعية". وقد أدار الجلسة النقاشية الدكتور مهران كامرافا رئيس وحدة الدراسات الإيرانية.

تمحورت المحاضرة حول سؤال شرعية النظام الإيراني الداخلية في ظل أزمة فيروس كورونا، وأثر الجائحة في ثقة الشعب الإيراني بالنظام من جهة، وعلاقات النظام الخارجية من جهة أخرى. وبيّن هاشمي أن أزمة كورونا من أقسى الأزمات التي ضربت النظام الإيراني في الآونة الأخيرة، ولا سيما أنها اختبرت بعض الحقائق حول النظام السياسي في طهران، وكيف أدت هذه الأزمة إلى انقسام واضح بين المجتمع والدولة؛ وهو انقسام ليس حديثًا، بحسب هاشمي، لكن جائحة كورونا عززته في ظل عدم كفاءة المنظومة الصحية الإيرانية لمواجهة الجائحة، والنقص الكبير في الميزانية التي منحت للتصدي للفيروس.

فسّر هاشمي الاستياء الشعبي الإيراني بطبيعة النظام الإيراني القمعية، خاصة أن شريحة واسعة من المجتمع الإيراني لا تبدي ارتياحًا لسردية النظام القائمة في بنيتها على الأطروحة القومية والدينية التي لا ترقى أكثر من كونها تدغدغ المشاعر. وتشكّل قضية الانتخابات معضلة حالية للنظام الإيراني، فخلال السنوات الخمس عشرة الماضية، جرت انتخابات ولم يكن الشارع راضيًا عنها، الأمر الذي خلّف ضعفًا في ولاء جيل الشباب الإيراني، على وجه الخصوص للثورة الإسلامية ونظامها الحاكم. ونقص ولاء الشارع الإيراني قد يدفع النظام الحالي إلى الاستعانة بقوات خارجية هي تلك التي يدعمها في العراق وسورية ولبنان، في خطوة منه لتثبيت حكمه. وفي خطوة أخرى، عمد إلى تغيير لغة الخطاب بعد أن انتبه إلى أزمة في قيم الشباب الدينية التي بدأت تتلاشى لحساب قيم الحرية والديمقراطية، بما يهدد مبادئ الثورة الإسلامية في إيران.

وركز المحاضر على مجموعة من الأحداث شكلت أساسًا للتوتر الداخلي في الشارع الإيراني، وربطها بأزمة كورونا واستراتيجيات التصدي لها، حيث كانت مسألة الذكرى السنوية للثورة الإسلامية الإيرانية، ومن ثم موعد الانتخابات التشريعية الأشد حساسيةً بالنسبة إلى النظام الإيراني من ناحية حشد الجماهير لصالحه وتعبئة الرأي العام. ومن ثمّ، فإن أي تقصير في هاتين المسألتين الرمزيتين يعتبر ضربة في عمق النظام، خاصة بعد احتجاجات شهدها الشارع الإيراني وراح ضحيتها ما لا يقل عن 250 شخصًا، وبعد تصاعد التوتر في العلاقات الأميركية - الإيرانية الأخيرة ومقتل الجنرال قاسم سليماني على أرض العراق. وجاء الزخم الذي أعطي لتغطية الانتخابات والذكرى السنوية للثورة الإيرانية على حساب تمويل القطاع الصحي وتعزيز استراتيجيات مقاومة الفيروس، ما دفع المرشد الأعلى إلى الاستعانة بنظرية المؤامرة لتبرير فشل النظام في احتواء الأزمة، خاصة أن الفيروس كان قد أصاب بعض كبار مسؤولي الحرس الثوري الإيراني وبعض السياسيين والمسؤولين من الصف الأول.

في الشقّ الأخير من المحاضرة، أشار هاشمي إلى أنّ استراتيجية النظام الإيراني لم تكن فعالة في إقناع الشارع أن أزمة كورونا في طريقها إلى حل طالما أنه ينتهج أسلوب البروباغندا الإعلامية التي يمولها في سبيل فرض سطوة الحرس الثوري الإيراني ورفع رصيده من خلال الادعاء بأن جهاز الحرس الطبي طوّر أجهزة تكشف كورونا عن بعد مئة متر، إضافة إلى العمل على تطوير عقار مضاد للفيروس، ما تسبب، بحسبه، بموجة من السخرية اجتاحت المجتمع الرقمي الإيراني، في صورة تعكس سخط الشارع على النظام. وفي الختام، أجاب المحاضر عن الأسئلة التي طرحها المتابعون عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث لقيت المحاضرة تفاعلًا واسعًا وأسئلةً متنوعة ومداخلات ثرية.