استضافت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بالشراكة مع المركز العربي واشنطن دي سي، المؤرخة الاجتماعية المتخصّصة في قضايا الشرق الأوسط والخليج، ليندسي ستيفنسون Lindsey Stephenson، في 15 تموز/ يوليو 2021، التي ألقت محاضرة بعنوان "من جيران إلى أجانب: الإيرانيون في البحرين في أوائل القرن العشرين". وقد أدار المحاضرة مدير وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي وأستاذ الحوكمة في جامعة جورجتاون في قطر، مهران كامرافا.

بعد الكلمة الافتتاحية التي ألقاها خليل جهشان، المدير التنفيذي للمركز العربي واشنطن دي سي، تناولت ستيفنسون حركة المهاجرين الإيرانيين في جزيرة البحرين والعلاقات المرنة التي كانت تربطهم بإيران وبالمجتمعات التي تركوها وراءهم، وبالمجتمعات التي انخرطوا فيها، ومع مرور الزمن، علاقاتهم بالحكومات الناشئة في كلّ من البحرين وإيران. وكانت تركيبة هذه المجتمعات وهويّاتها مرنة ومركّبة ومتعدّدة الأبعاد.

استهلّت الباحثة المحاضرة بتحديد سياق وجود الإيرانيين على شواطئ الخليج؛ وذلك بهدف شرح كيف أثّرت هجرتهم في أوائل القرن العشرين في تشكّل جغرافيا سياسية جديدة، وغيّرت تصوّرهم للهوية والانتماء والمكان. أما في ما يتعلّق بجغرافيا المنطقة، فقالت الباحثة "عندما نفكّر في منطقة الخليج اليوم، إنّ ما يتبادر إلى ذهننا ليس بالضرورة المنطقة التاريخية من ناحية الجغرافية السياسية، بل أيضًا يخطر في بالنا المنطقة من منظور الشعوب التي عاشت فعليًا على شواطئها". وكانت الشعوب قد انتقلت قسرًا إلى أسفل شواطئ الخليج أو على طولها خلال فترة ما قبل العصر الحديث، نتيجة الكوارث السياسية والبيئية والاقتصادية التي تسبّبت في قيام مدن وسقوط أخرى بفعل مرور الزمن.

وفي ما يتعلق بشبكات التفاعل ووجهة الهجرة، بيّنت الباحثة أنّ الشعوب كانت مرتبطة مباشرةً بالشواطئ المقابلة لمنطقة الخليج. وفي هذا الصدد، قالت: "كان التنقّل ذهابًا وإيابًا يتمّ عبر مسافات قصيرة، وليس على طول الطريق صعودًا ونزولًا عبر الخليج". وشدّدت على أنّ المهاجرين، القادمين من أصول ثقافية ودينية ولغويّة مختلفة، انتقلوا من إيران إلى شواطئ الخليج العربي من خلال أربع شبكات، هي: المحمرة [خُرمشهر]، وبوشهر، وبندر لِنجَة، وبندر عباس/ جاسك. وأشارت إلى أنّ هذه الشبكات مهمّة لفهم ما كان يُنقل حينما يهاجر أناس من مناطق متنوّعة في إيران إلى الشواطئ المقابلة. وبهدف توضيح تأثير هذه الحركة في مكان إقامة المهاجرين الجديد، أوضحت أنّ المهاجرين الإيرانيين القادمين من منطقة بندر لِنجَة أحضروا معهم أبراج الرياح إلى دبي، في حين أنّ الذين انتقلوا إلى الكويت قد أتوا من مناطق لا توجد فيها أبراج رياح. وهذا ما يفسّر غياب أي دليل تاريخي عن وجود أبراج الرياح في الكويت.

وترى الباحثة، أنّ هذه الشبكات الموصلة تحولّت، في القرن العشرين، إلى أصولٍ مهاجرة واسعة النطاق؛ ما أثّر في مرونة حركة المهاجرين. ففي السنوات الأولى من هذا القرن، هاجر عشرات آلاف من الإيرانيين من الجنوب عبر شواطئ الخليج. وقالت في هذا السياق، "انطلقت هذه الهجرة بفعل الضرائب الجديدة على الاستيراد والتصدير التي فرضتها الحكومة المركزية في إيران في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر". وكان فرض الضرائب محاولة لإعادة ترسيخ صدقيّة الدولة الإيرانية والاستفادة من الإيرادات من المناطق الغنيّة المحيطة، مثل بندر لِنجَة وبوشهر، اللتين كانتا المركزين الاقتصاديين لمنطقة الخليج في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وكان المهاجرون، الذين كانوا مُلمّين بالمنطقة، يعمدون إلى تجنّب مثل هذه القيود، من خلال اتّباع طرق بديلة للوصول إلى وجهتهم. ولقد أصبحت البحرين، بعد فرض الضرائب، وجهة المهاجرين الأولى. ومن ثمّ، ازداد عدد السكان الإيرانيين في البحرين، وتزامن هذا أيضًا مع تصاعد وتيرة التدخل البريطاني في المنطقة.

كان رد فعل السكان المحليين في البحرين ضد المهاجرين لأول مرة في أسواق المنامة في عام 1904، وهي حادثة وصفها البريطانيون بأنها "أعمال شغب ضدّ الفارسيين". وبعد هذه الحادثة، سيطر البريطانيون على حياة المهاجرين الإيرانيين في البحرين. فبحسب السجلات البريطانية، طلبت الحكومة المركزية في إيران من البريطانيين أن يمثّلوها وذلك بهدف تحقيق العدالة لمواطنيهم في البحرين. وأوضحت الباحثة أنّ الإيرانيين اعتبروا ذلك بمنزلة حلٍّ مؤقتٍ، بدلًا من التخلّي تمامًا عن ولايتهم القضائية لصالح البريطانيين. وقالت: "إنّ هذا الطلب ليس غريبًا من نوعه إذا نظرنا إليه من الناحية التاريخية، لأنه على مرّ القرون، كانت الأراضي الواقعة على الحدود مع الخليج موجودة ضمن مساحات متداخلة". نتيجة لذلك، يعكس هذا الطلب قناعة الإيرانيين بأنهم سيسيطرون على البحرين بسبب تداخل المناطق الجغرافية. وفي عام 1909، أقنع البريطانيون شيخ البحرين بالموافقة أخيرًا على الإشراف على المهاجرين الإيرانيين، بعد أن حاولوا لمدّة خمس سنوات إقناعه بأن الإيرانيين هم أجانب. لكن على عكس البريطانيين، الذين اعتمدوا تسميات مثل "بحريني" و"غير بحريني"، اعتبر شيخ البحرين أنّ الإيرانيين هم رعاياه وليسوا أجانب أو غرباء. كان تصوير الإيرانيين بصفتهم أجانب في حاجة إلى حماية بريطانية لبثّ فهمٍ رسمي وقانوني جديد لمفهوم الانتماء المرتبط ارتباطًا وثيقًا بإضفاء الطابع الإقليمي على منطقة الخليج.

بحسب الباحثة، أدى هذا التحول إلى تكوين هويات إقليمية؛ إذ كانت هويات المهاجرين قائمة على أساس المكان الذي أتوا منه بدلًا من معرفة هوية عائلاتهم. وشاركت الحكومة المركزية في إيران، من جهتها، في تثبيت الهويات عند الشعوب وفي الأماكن. فقد أصدر كلا الجانبين وثائق سفر متعدّدة كان يحتاجها الناس أثناء عبورهم الخليج. وشدّدت الباحثة على أنّ حصول التجار على تصاريح السفر كان أمرًا معقّدًا على نحوٍ خاص؛ فقد كانوا يحمّلون البضائع ويحتاجون إلى المرور عبر موانئ أكبر.

واختتمت الباحثة كلمتها بمناقشة قانون الجنسية والملكية لعام 1937 في البحرين، والذي يمنع "الأجانب" من التملّك فيها. وتمّ إصدار القانون ردًا على مطالبة الحكومة المركزية في إيران بوضع يدها على البحرين، والتي كانت، حتى ذلك الوقت، موطنًا لعدد كبير من المهاجرين الإيرانيين. لذلك، حاولت البحرين منح المهاجرين الإيرانيين الجنسية، بإعطائهم الجنسية البحرينية وجوازات سفر. وفقًا للباحثة "إنّ الطريقة الوحيدة للإيرانيين للبقاء في البحرين واكتساب هذا الشعور بالانتماء المحلي، هي أن يصبحوا مواطنين بحرينيين، وهم الذين كانوا في كثير من الحالات يقطنون في البحرين لأجيال". وأضافت أن جميع الإيرانيين في البحرين أو في دول أخرى من منطقة الخليج لم يكونوا قادرين على الحصول على الجنسية البحرينية. صحيحٌ أنه تمّ إصدار، بصفة مطّردة، المزيد من القوانين التي تقيّد الحركة ومنح الجنسية، غير أنّ موجات هجرة مهمة للإيرانيين إلى الخليج استمرّت في فترة حكم رضا شاه.