استضافت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في 19 أيلول/ سبتمبر 2021، الباحثة بَنَفْشِه كي نوش لإلقاء محاضرة بعنوان "ديناميات إيران الأقاليمية: نفوذ جزئي". وهي باحثة في الشؤون الدولية، حرّرت كتاب: ديناميات إيران عابرة للأقاليم في منطقة الشرق الأدنى Iran’s Interregional Dynamics in the Near East (2021)، وكتاب: السعودية وإيران: أصدقاء أم أعداء؟Saudi Arabia and Iran: Friends or Foes? (2016). وقد أدار المحاضرة مهران كامرافا، مدير وحدة الدراسات الإيرانية، وأستاذ الحوكمة في جامعة جورجتاون في قطر.

استهلّت كي نوش محاضرتها بعرض موجز لعلاقات إيران بالدول المجاورة، بما فيها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول المشرق وتركيا. ورأت أن "نفوذ إيران في المنطقة مجزّأ، يُمنى بالنجاحات حينًا ويتكبّد النكسات حينًا آخر، مثله مثل أي نفوذ آخر"، وأن بلدان المنطقة، ولا سيما دول مجلس التعاون التي تعتمد إما على الولايات المتحدة الأميركية أو بعضها على بعض لتوفير الأمن، ترغب على نحو محدود في تحسين علاقاتها بإيران، فهي تخشى السماح لطهران بكسب نفوذ في بلدانها. من ناحية أخرى، تواصل تركيا التعاون مع إيران ما دام ذلك يخدم مصالحها. وكانت إيران قد حظِيَتْ بمزيد من الفرص والنفوذ في بلاد الشام والدول المعرّضة للنزاعات مثل سورية والعراق. وأضافت الباحثة أنه "حتى السياسات التي تنتهجها إيران في تلك الدول كانت محفوفة بالمخاطر ومُكْلِفة، ليس بالنسبة إلى إيران فحسب، ولكن أيضًا بالنسبة إلى الدول المجاورة لها".

ولدى تناولها علاقات إيران بدول مجلس التعاون، رأت الباحثة أن "من بين دول مجلس التعاون، تستطيع الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان وقطر أن تتبنّى مسارًا مستقلًّا نسبيًا في سياساتها الخارجية تجاه إيران؛ إذ لا تعتريها مخاوف طائفية تجاهها". وهذا لا يعني أن هذه الدول غير مدركة لبعض التحدّيات الطائفية التي قد تهدّد إما المنطقة أو العلاقات الثنائية بإيران. إن عنصرًا أمنيًا تكون فيه الاهتمامات الأساسية لهذه الدول، هي الديناميات الأقاليمية بين دول مجلس التعاون الست والولايات المتحدة، هو الذي يحدّد علاقات إيران بهذه البلدان الثلاثة. وضمن هذا العنصر الأمني، تُعَدّ إيران عاملًا ثالثًا؛ لأن لدى هذه الدول مخاوفها الأمنية الخاصّة التي تتطلّب توسيع نطاق شراكاتها، في حين أن مصالحها الاقتصادية تكمن في مكان آخر.

على سبيل المثال، بالنسبة إلى قطر، حتى في أثناء الحصار الذي فُرض عليها، وحينما أوحى التصوّر الشعبي أن العلاقات الإيرانية - القطرية ستشهد تحسّنًا اقتصاديًا، لم يكن ذلك صحيحًا، وإن كان حدث ذلك لفترة وجيزة فحسب. ذلك أنه "بغية تجاوز الحصار، كانت حاجة قطر إلى التنويع [الاقتصادي] تعني أنه كان عليها التركيز على الإنتاج المحلّي والبحث عن شركاء اقتصاديين أقوى غير إيران، مثل الصين واليابان وتركيا". ولعُمان تاريخ طويل من التعاون مع الهند ودول مجلس التعاون والغرب. ولدى النظر إلى علاقات إيران بعُمان، وجدت الباحثة أن عُمان تبدي اهتمامًا بإمكانيات إيران في مجال الطاقة، إلا أن هذه المصالح لم تتحقّق كليًا من ناحية بناء شراكة ثابتة بين البلدين في هذا المجال. وعلى الرغم من أن الإمارات تثمّن استثمارات إيران، وأن قدرة الدولة على إعادة التصدير مهمّة لإيران، فإن هذا الاعتبار ليس هو الذي يحدّد المخاوف الأمنية لدولة الإمارات تجاه بإيران، على الرغم من أهميته بالنسبة إلى التعاون الاقتصادي بين البلدين.

وتعليقًا على علاقات إيران بدول مجلس التعاون الثلاث الأخرى، أشارت الباحثة إلى وجود توتّرات أمنية كافية بين البحرين وإيران؛ ما يحول دون بلورة علاقة قوية بينهما. وترى الباحثة في هذا السياق، أن للكويت مصالح اقتصادية ضمن رؤيتها للعام 2035 التي تتضمّن بناء منطقة مستقرّة والعمل مع كل من إيران والعراق. ومع ذلك "ليس للكويت مصالح اقتصادية أو أمنية مباشرة مرتبطة بإيران، فهي معنيّة أكثر بتعزيز أمنها الداخلي، ولا سيما ضمن مجتمعها الشيعي الذي تسعى لاستيعابه في إطار الحياة السياسة الكويتية العامّة، بغية وضع حدّ لنفوذ إيران". أما بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، فقد حالت التوتّرات الإقليمية دون إقامة علاقة متوازنة مع إيران. ونتيجة لذلك، فإن أي جهد إقليمي لبناء علاقات متعدّدة الأطراف بين إيران وجيرانها العرب، بما في ذلك السعودية، قد فشل حتى الآن.

ثمّ انتقلت الباحثة إلى تناول علاقة إيران بتركيا؛ فرأت أن أنقرة لديها سياسة مجزّأة تجاه إيران. ذلك أنها "بدلًا من جعل إيران مشكلة لنفسها، تتعامل تركيا مع الدولة على المستوى الذي تحدّده هي، لا المستوى الذي تختاره إيران". ورأت أن الطرفيْن أخفقا في إنشاء شراكة استراتيجية، على الرغم من حقيقة أنهما يُدركان ضرورة الاستيعاب المتبادل إلى حدّ ما. أما في ما يتعلّق بإسرائيل، فإن المواجهات المباشرة مع إيران مُكْلِفة على الرغم من اتخاذ تدابير لاحتوائها. ولم يبلغ نفوذ إيران في الأردن وفلسطين المستويات نفسها التي ينعم بها في البلدان المذكورة أعلاه، بسبب السياسات الأمنية المشدّدة التي يعتمدها هذان البلدان.

وبحسب الباحثة، "تتبنّى إيران في العراق وسورية الدبلوماسية الموازية Paradiplomacy، وتستخدم حلفاءها؛ إذ تمنحهم دورًا يؤدّونه في المجال الدبلوماسي من خلال تمكينهم من التفاوض مع الحكومة المركزية، كما في حالة حزب الله في لبنان، أو الحشد الشعبي في العراق". وأشارت إلى أن هذه الدبلوماسية تنطوي على قصور في بعض النواحي؛ لأنها تضفي بعض الالتباس على علاقة إيران بالحكومات المركزية. صحيح أن بيروت وبغداد وحتى دمشق تدرك الحاجة إلى التعامل مع إيران، لكنها تحاول أيضًا أن تكون انتقائية في ما يتعلّق بالمدى التي تسمح فيه لإيران بالتعامل معها.

أخيرًا، وفي ما يتعلّق بالتطوّرات الأخيرة التي شهدتْها المنطقة مع تشكيل حكومة جديدة في إيران بقيادة الرئيس إبراهيم رئيسي، أشارت الباحثة إلى أن البلدان المجاورة لإيران غير متأكدة من الخطوات التي ستتّخذها طهران، ولا تعرف بعد كيف ستردّ على عدم الحسم في موضوع الاتفاق النووي؛ ما يوحي أن المنطقة لن تنفتح على إيران بطريقة تؤدي إلى إقامة علاقات استراتيجية مستقرّة في المستقبل القريب. وختمت الباحثةُ المحاضرةَ قائلة إن "المضي قدمًا في التعامل مع إيران سيظل مجزّأً، ويبقى أن نرى ما إذا كانت حكومة رئيسي ستكون قادرة على تحويل هذه السياسة المجزّأة إلى سياسة تعامل على نطاق أوسع". وترى أن إيران تتطلّع أيضًا، وبصفة متنامية، إلى الداخل أكثر من الخارج، مشيرةً إلى أنها تريد "فك ارتباط اقتصادها بمصير الاتفاق النووي".