استضافت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أمين صيقل، الأستاذ المشارك في العلوم الاجتماعية بجامعة أستراليا الغربية، في 29 نيسان/ أبريل 2021، الذي ألقى محاضرة بعنوان "إيران وأفغانستان: علاقة قائمة على المصالح المشتركة والمعقّدة"، أدارها مدير الوحدة وأستاذ الشؤون الدولية بجامعة جورجتاون في قطر، مهران كامرافا.

استهلّ صيقل محاضرته بتسليط الضوء على التعقيدات التي تشوب العلاقة بين البلدين المجاورين؛ فرأى أنه على كلّ من إيران وأفغانستان أن تضمنا التعاون بينهما وتحافظا على التعايش السلمي، نظرًا إلى الروابط الثقافية واللغوية والإثنية والمذهبية والأمنية المشتركة والمتبادلة عبر الحدود. إنّ حتمية التعاون، تاريخيًا وحتى هذا اليوم، قد تجلّت بصورة دورية ودائمة مقابل الرؤى المتباينة المرتبطة بالسياستين الداخلية والخارجية والوضع الأمني. ولكل بلد أولوياته الوطنية والإقليمية. وإن الاختلال في العلاقة بين إيران ذات الموارد الغنية وبين أفغانستان الفقيرة نسبيًّا والتي مزّقتها الحرب، يعزّز القوّة التفاوضية لإيران.

وتناول صيقل أيضًا المصالح المشتركة والمتباينة التي تركت بصماتها على العلاقة بين البلدين، ولا سيّما في أثناء التدخّل العسكري في أفغانستان بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. وقد حلّل العلاقات الإيرانية - الأفغانية من المنظور الإيراني من خلال التركيز على ثلاث مسائل، هي: أهداف سلوكيات السياسات الإيرانية تجاه أفغانستان، ونطاق نفوذ طهران في أفغانستان والوسائل المتاحة لديها لفرض المصالح الإيرانية، وموقع إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من أفغانستان. وقد شدّد على أنّ "سياسة إيران الخارجية هي في الأساس انعكاس لسياساتها الداخلية" ولتلاقي العوامل الداخلية والخارجية، والتي تؤثر بصورة استثنائية في سلوك إيران تجاه البلدان المجاورة لها. ومثّل اندلاع الاضطرابات في أفغانستان، التي تزامنت مع صعود الجمهورية الإسلامية، مصدر قلق لطهران.

ورأى صيقل أنّ التدخل العسكري في أفغانستان بقيادة الولايات المتحدة في تشرين الأول/ أكتوبر 2001 تمخّض عن نتائج متناقضة بالنسبة إلى إيران. فقد أطاح من جهة، نظام طالبان السني الإسلامي المتطرّف والمعادي لإيران الذي تدعمه باكستان والسعودية، وشتّت قيادة تنظيم القاعدة وأفراده. غير أنه دفع من جهة أخرى، عدوّ إيران الرئيس إلى بناء قواعد عسكرية في الجهة المتاخمة لها، أي القريبة كل القرب من الحدود الإيرانية.

أتاح إقصاء طالبان عن السلطة الفرصةَ أمام الرئيس محمد خاتمي ليعزز تأييده لمفهوم "حوار الحضارات". فسعى خاتمي إلى الحدّ من التوترات مع الولايات المتحدة الأميركية، وشاركت إيران في مؤتمر بون في كانون الأول/ ديسمبر 2001 بشأن أفغانستان، الذي نظّمته الولايات المتحدة بدعم من الأمم المتحدة. أضفى هذا المؤتمر الشرعية على التدخل الأميركي العسكري، ووضع خطة لبناء دولة أفغانستان في مرحلة ما بعد طالبان. ودعمت طهران أيضًا المرشح المفضل لدى واشنطن للإدارة المؤقتة، حامد كرزاي. وترأس جواد ظريف، الوزير الحالي لخارجية إيران، الوفدَ الإيراني حاملًا رسالة عن استعداد حكومة خاتمي للدخول في حوار مع الولايات المتحدة الأميركية. غير أنّ الرئيس الأميركي جورج بوش الابن تجاهل هذه الرسالة، واصفًا إيران بأنها عضو في "محور الشر".

اعتمدت سياسة طهران تجاه أفغانستان على تحقيق أهداف أيديولوجية وجيوستراتيجية مترابطة، هي: تعزيز الاستقرار داخل أفغانستان ودعم الجماعات الشيعية وتلك التي تتكلّم اللغة الفارسية، وذلك للحدّ من امتداد الاضطرابات في أفغانستان إلى داخل الحدود الإيرانية. وقد دعمت إيران تعزيز بناء دولة قادرة على القيام بمهماتها لتستطيع بسط المزيد من نفوذها عليها. وسعت للحؤول دون أن تشكّل الجهات الفاعلة المنافسة مثل الولايات المتحدة والسعودية وباكستان تهديدًا للجمهورية الإسلامية فتقوّض مصالحها الأمنية على الصعيدين الوطني والإقليمي. وأرادت إيران تحسين علاقاتها بأفغانستان كونها ربما تستفيد من عملية إعادة بناء البلد الذي دمّرته الحرب من الناحية الاقتصادية وعلى صعيد البنية التحتية. ورأى صيقل أنّ الجمهورية الإسلامية اعتمدت أساسًا على القوّة الناعمة من أجل تحقيق هذه الأهداف، ولكنها قد تلجأ، عند الضرورة، إلى وسائل "أشد صلابة" لتبسط نفوذها في أفغانستان. وفي هذا الصدد، ذهب صيقل إلى أنه: "بشكلٍ أو بآخر، كانت ممارسات طهران في أفغانستان مماثلة لتلك التي اعتمدتها في بعض الدول الإقليمية المجاورة الأخرى. فكانت تسعى إلى رعاية المجموعات المخادعة ودعمها بوصفها وكلاء فعليين أو محتملين، بينما تشارك في الوقت نفسه، وبشكلٍ فعّال، في إعادة إعمار أفغانستان خلال مرحلة ما بعد طالبان".

ولاحظ صيقل أنّ العلاقات الإيرانية - الأفغانية، على الرغم من الإيجابية التي اتّسمت بها، لم تخلُ من بعض التحدّيات. فمنذ القرن التاسع عشر، مثّلت المنازعات حول نهر هلمند مصدر توتّر بين البلدين. ورأى صيقل أنه "بما أنّ الدولتين تعانيان نقصًا في المياه، ستبقى هذه المسألة نقطة خلاف أساسية".

كان اللاجئون الأفغان في إيران نقطة خلافية أخرى بين البلدين. فحتى السنوات الأخيرة، سمحت إيران للاجئين الأفغان بالاستفادة من برامج الضمان الاجتماعي. غير أنّ الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها إيران في ظلّ العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة قد أثرت كثيرًا في اللاجئين الأفغان خاصة. وتابع صيقل "استغلّت إيران أيضًا، وبانتظام، قضية اللاجئين الأفغان إما لكسب نفوذٍ سياسي لدى الحكومة الأفغانية، وإما للعمل على إعادتهم قسرًا إلى أفغانستان". إن تجنيد طهران اللاجئين الأفغان لنشرهم في سورية وتهريب المخدرات عبر الحدود وانعدام ثقة طهران بباكستان النووية، عوامل من شأنها أن تفاقم التعقيد في العلاقات الإيرانية - الأفغانية.

وبحث صيقل في موقف إيران في ما يتعلق بوضع أفغانستان ما بعد الولايات المتحدة الأميركية مع انسحاب القوات العسكرية الأميركية المقرر في 11 أيلول/ سبتمبر 2021 من أفغانستان، تزامنًا مع حلول الذكرى العشرين لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001. ورأى أنه لا بدّ من أنّ الانسحاب العسكري الأميركي يرضي المتشدّدين في الحكم في إيران. غير أنّ أفغانستان تواجه خطر الانزلاق في موجة أكبر وأعمق من الاضطرابات، لأن هذا الانسحاب يحدث في غياب وقف إطلاق نار شامل وتسوية سياسية من شأنها إرساء الأسس لترتيب يتيح اقتسام السلطة، بين طالبان والأطراف المتنازعة الأخرى على المدى الطويل. يبدو أن طهران لديها ما يكفي من المقوّمات للدفاع عن أهدافها، في حال استعادت طالبان هيمنتها على البلاد. وخلص إلى القول إنّه "مهما كان المنحى الذي قد تتخذه أفغانستان، لا يجب الاستهانة بقدرة إيران على العمل عن كثب مع كلّ من روسيا والصين وربما الهند أيضًا لدعم مصالحها الجيوسياسية الإقليمية".