جلسة نقاش وحدة الدراسات الإيرانية: علاقات إيران بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربيةاستضافت وحدة الدراسات الإيرانية، في 21 شباط/ فبراير 2022، مجموعة من الخبراء ضمن جلسة نقاش بعنوان "علاقات إيران بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية". شارك في الجلسة الدكتورة دينا إسفندياري، كبيرة مستشاري برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية International Crisis Group، وهوشانغ حسن ياري، أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية في جامعة السلطان قابوس في سلطنة عُمان، وإبراهيم فريحات، عميد شؤون الطلبة والأستاذ المشارك المتخصّص في حلّ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا. أدار الجلسة مهران كامرافا، مدير وحدة الدراسات الإيرانية والأستاذ في جامعة جورجتاون في قطر.

استهلّت إسفندياري الجلسة بتقديم لمحة موجزة عن علاقات إيران بدول مجلس التعاون، واستعرضت الاضطرابات المتعدّدة التي شهدتها المنطقة، ولا سيّما في فترة إدارة دونالد ترامب. وبيّنت أنّ الضغوط القصوى التي مارستها السياسة الخارجية الأميركية قد أدّت إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، واندفاع إيران لبثّ الرعب في البلدان المجاورة لها، في حين اكتفت الولايات المتحدة الأميركية بالانتحاء جانبًا، حتى بعد أن هاجمت إيران منشآت النفط السعودية. غير أنّ إسفندياري رأت أنّ المنطقة تمضي قُدُمًا نحو مرحلة البراغماتية، وقالت إنّ ذلك يعود جزئيًا إلى جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وإلى أنّ الانقسامات داخل مجلس التعاون كانت تساهم في إضعاف دول الخليج.

بحسب إسفندياري، شهدت علاقات الإمارات العربية المتحدة بإيران بعض الانفراجات، مع اعتماد الإمارات "نهجًا ذا شقّين" للتعامل مع إيران واحتوائها. وفي سياق التقدّم الطفيف في العلاقات بين إيران والإمارات العربية المتحدة، قد تكون هجمات الحوثيّين على أبوظبي عقّدت هذه العلاقات. غير أنّ الإمارات العربيّة المتحدة استبعدت، على نحوٍ براغماتي، احتمال ضلوع إيران في الهجمات، في حين نفَت إيران مشاركتها فيها. أمّا العلاقات بين إيران وقطر، فهي تتّسم عمومًا بأنها إيجابية وبراغماتية، وهي علاقة ضرورية بسبب حقل الغاز المشترك بين البلدين. ولقد تحسّنت العلاقات بين البلدين عندما رفضت قطر أن تقطع علاقتها بإيران خلال الأزمة الدبلوماسية الخليجية في عام 2017، وعندما ساعدت إيرانُ قطر لاحقًا في تجاوز فترة صعبة. وأعربت إسفندياري عن أملها في إمكانية التوصّل إلى حوار بين بلدان الخليج وإيران بوساطة بلدان مثل قطر والكويت وعُمان وأطراف أوروبيّة معنيّة.

أما المداخلة الثانية فكانت للدكتور إبراهيم فريحات الذي بدأ كلمته بطرح السؤال التالي: هل يعيد التاريخ نفسه؟ لقد قارن المرحلة الحاليّة من المفاوضات الإيرانية بالاتفاق النووي الإيراني في عام 2015؛ إذ إنّ المحادثات الحالية في فيينا تركّز، مثلما كان الحال خلال مفاوضات عام 2015، على البرنامج النووي الإيراني، متجاهلةً الأهداف الأوسع لسياسة إيران الخارجية واستراتيجياتها. غير أنّ إيران والسعودية تجريان هذه المرّة جولات من الحوار في بغداد؛ ما يتيح الفرصة أمام المزيد من المفاوضات بين البلدين. ورأى فريحات أنّ "هذه العمليّة الموازية لا تحلّ أيَّ مسألة من المسائل العالقة، بل تزيدها سوءًا؛ ذلك أنّ مفاوضات فيينا ستسمح بالتوصّل إلى حلّ، حتى لو لم يكن ثمّة اتفاق سعودي - إيراني في بغداد بشأن علاقات إيران بالمنطقة. لكنّ القوى الرئيسة لن تسمح لإيران والسعودية بالتوصّل إلى اتفاق في بغداد بمعزلٍ عن محادثات فيينا، لأنها تشكّل السقف لمحادثات بغداد. وقال فريحات إنّه لم يسجّل أيّ تقدّم حتى الآن في بغداد، وإنّ إيران روّجت لتلك المحادثات بهدف تعزيز علاقاتها العامة.

وبحسب فريحات أيضًا، لم يؤدِّ الاتفاق النووي في عام 2015 إلى تغيّرات في السياسات الإيرانية في المنطقة، بل إنّ الوضع الأمني الحالي اليوم صار أسوأ مما كان عليه في عام 2015، مع استهداف صواريخ الحوثيين الأعماق الاستراتيجية للسعودية والإماراتية. ويعتقد فريحات أنّ إيران لا تملك أيّ حافز لتغيير سياساتها الحالية؛ لذلك، وقال إنّ التاريخ ربما يعيد نفسه، لكنّ ذلك بطريقة أسوأ كثيرًا مقارنةً بما كانت عليه الأمور في الماضي. وأشار إلى أن النفوذ الإسرائيلي المتزايد يتسبّب في اختلال التوازن في المنطقة، ويقلّل من احتمال ترسيخ الاستقرار والأمن في المنطقة.

ختامًا لحلقة النقاش، رأى حسن ياري أنه يصعب كثيرًا أن تبنيَ دول الخليج الأصغر حجمًا علاقات طبيعية مع إيران؛ بسبب الضعف النسبيّ في قدراتها، وبسبب حجم إيران الجغرافي والعسكري أيضًا. وذكر أن سياسة إيران الخارجية قائمة بأغلبيتها على الأيديولوجية بدلًا من البراغماتية، لكنه يوافق على أنّ محادثات بغداد لن تأتي بالنتائج المطلوبة. ويرجع ذلك إلى أنّ الإيرانيين والسعوديين، على حدٍّ سواء، يرون أنفسهم قادة للعالم الإسلامي، وأنه لا يوجد مجال للتسوية. أما عُمان، فإنّ وضعها استثنائي مقارنةً بدول الخليج الأخرى؛ بسبب سياستها الخارجية الفريدة التي تتيح للبلاد أن تربطها علاقات إيجابيّة بإيران، في حين أنها تدعم دول مجلس التعاون في المسائل الحاسمة. ولقد أصبحت إسرائيل، إلى حدٍّ ما، بديلًا من "المظلة الأميركية"، بسبب الانسحاب العسكري الأميركي من المنطقة الذي بدأ مع إدارة باراك أوباما؛ ما مهّد الطريق لتوقيع اتفاقات "أبراهام 1" التي يتوقّع حسن ياري أن تنضم المملكة العربية السعودية إليها في نهاية الأمر.

وكان كامرافا قد أدارَ النقاش الذي أعقب الجلسة من خلال طرحه سؤالًا عن مدى أهميّة الإدارة الرئاسية الجديدة في إيران. وفي هذا السياق، أكّد حسن ياري أنّ الرئاسة الجديدة ليست مهمة؛ لأن عملية صنع القرار هي بيد علي خامنئي، وهو ما أدّى إلى عدم تمتّع الرؤساء السابقين بسلطة كبيرة. وافقت إسفندياري على ذلك منبهّةً إلى أنّ كلَّ رئيسِ جمهوريةٍ يُضفي لمسةً مختلفة على الدبلوماسية الإيرانية؛ ما يجعل الدول الأخرى أكثر، أو أقلّ، استعدادًا للتعامل مع إيران على المستوى الدبلوماسي. واتفق فريحات مع إسفندياري، مضيفًا أنّ إيران تعاني مشكلة متمثّلةً في أنها ترسل إيحاءات متضاربة لا تسهّل على المنطقة، بشكلٍ عام، معرفة ما يمكن توقّعه من الرئيس الجديد.

وعند الكلام على قدرة الرئيس إبراهيم رئيسي - بالنظر إلى أنه ينتمي إلى التيار الإيراني المحافظ - على بلورة علاقات تتّسم بالانفتاح بين إيران والدول العربية، كما فعل ريتشارد نيكسون بين الولايات المتحدة والصين خلال فترة رئاسته، ذكّر فريحات بالاتفاقات الحاسمة التي جرى إبرامها في عهد الرئيس محمد أنور السادات (مثل معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية). وخلص إلى القول إنّ رئيسي يتمتّع بفرصةٍ جيّدة للنجاح ما لم يقع في فخّ الدخول في الحوار من دون اتّخاذ أي إجراءاتٍ ملموسة لاحقًا. وقد عارض حسن ياري هذا القول، ورأى أنّ رئيسي لا يحظى بسلطة صنع للقرار مماثلة لما كان نيكسون يحظى بها، وأنه في النهاية مجرّد رئيس من دون صلاحيّات؛ فحسن روحاني كانت لديه فرصة أفضل من رئيسي لتحسين العلاقات بين إيران والدول العربية.

وبشأن سبب ثقة دول الخليج بإسرائيل أكثر من ثقتها بإيران، تعتقد إسفندياري أنه "كان هناك شعورٌ كبيرٌ بانعدام الثقة بين إسرائيل ودول الخليج، ولكنْ لديها عدوٌّ واحدٌ يسمح لها بالاجتماع علنًا لمواجهة بعض التهديدات المشتركة في المنطقة". وادّعت أنّ إيران ليست العدوّ المشترك الوحيد بين دول الخليج وإسرائيل، بل ثمّة أيضًا مسألة انسحاب القوات الأميركية من المنطقة. وقال فريحات إنّ دول مجلس التعاون ترى أنّ خطّة إسرائيل التوسّعية تقتصر على فلسطين، في حين ترى أنّ خطّة إيران تهدف إلى التوسّع على حساب أراضيها. وقال حسن ياري في هذا السياق إنّ إسرائيل ودول الخليج ترى في إيران تهديدًا وجوديًّا؛ ما يمنحها سببًا للتعاون، وإنّ إيران ترى أنّ القيادة السعودية غير شرعية، وأنها أداة تتحكّم فيها الإمبريالية الأميركية.

ثم تطرّقت إسفندياري إلى موقف إيران في العراق، مضيفةً أنّ إيران لا تنوي مغادرة العراق، وأنّ هذا البلد يدخل في قائمة أولويّات إيران - في ما يتعلّق بالدول الأجنبية - بسبب تاريخه، وحدوده المشتركة أيضًا. وافق فريحات على كلام إسفندياري، لكنه رأى أنّ الوضع يتغيّر في ظلّ تنامي الاستياء العامّ من الهيمنة الإيرانية في العراق. وشدّد حسن ياري على أنّ إيران لن تفكّ ارتباطها بالعراق لأن ذلك من شأنه أن يحدّ من نفوذها في سورية ولبنان. ولاحظت إسفندياري، أثناء تناولها نظرة إيران إلى المملكة العربية السعودية، أنّها لا ترى في المملكة مصدر قلقٍ كبيرٍ، لأنها أكثر اهتمامًا بالتعامل مع القوى العالمية؛ مثل روسيا، والصين، وحتى الولايات المتحدة. ووفقًا لفريحات، فإنّ إيران والمملكة العربية السعودية ارتكبتَا أخطاءً في استراتيجيات النزاع القائم بينهما، وعليهما إيجاد طريقة لإنهاء العداوة بينهما؛ لأنّ العداوة لا تخدم مصالح أيّ بلدٍ من البلدين.