قدّم مصعب الألوسي الأستاذ المساعد في برنامج الدراسات الأمنية النقدية بمعهد الدوحة للدراسات العليا، والباحث بوحدة الدراسات الاستراتيجية بالمركز العربي، يوم الأحد 20 أيلول/ سبتمبر 2020، محاضرة عن بُعد، من خلال نقلٍ مباشر عبر وسائط التواصل الاجتماعي، بعنوان "حزب الله وإسرائيل: متغيرات الصراع خلال العقود الأربعة الماضية". وهي بمنزلة عرضٍ لكتابه أيديولوجية حزب الله المتغيّرة The Changing Ideology of Hezbollah، الصادر هذه السنة عن دار بالغراف ماكميلان.

استهّل مصعب الألوسي محاضرته بالإشارة إلى أنّ موضوع الصراع بين "حزب الله" وإسرائيل يندرج ضمن موضوع أوسع هو الصراع العربي – الإسرائيلي. ويثير هذا الموضوع، في رأيه، مسألة تمكّن جماعة إسلامية مسلّحة من الصمود في مواجهة جيش نظامي وتحقيق انتصارات على الأرض أمامه، من خلال الإشارة إلى حرب 2006. ويرى الباحث أنّه، منذ تأسيس حزب الله في ثمانينيات القرن الماضي، حدثت العديد من التغييرات في طبيعة الصراع بين لبنان وإسرائيل؛ حيث اعتمد لبنان على جماعة مسلّحة مبنية على أساس ديني ومسألة وجود تهديد أمني مستمر على الحدود الشمالية لـ "إسرائيل". كما يشير إلى أنّه بعد مرور ما يقارب أربعة عقود على الصراع، يمكن ملاحظة أنّه مرّ بعدة مراحل؛ ليس لناحية تطور الأسلحة والاستراتيجيات المعتمدة من الطرفين فقط، وإنّما لتحوّله إلى عاملٍ مؤثّر في سياستيهما الداخلية، وانتقال منطقة الصراع من الحدود اللبنانية - الإسرائيلية إلى مناطق أخرى في الشرق الأوسط والعالم.

قسّم الباحث تحليله للصراع إلى أربع محطّات تاريخية كبرى أثّرت في حزب الله اللبناني وإسرائيل على حدّ سواء. المحطّة الأولى هي اتفاق الطائف الذي جاء بعد الحرب الأهلية في لبنان، وأدّى إلى تشكل نظام سياسي لا يختلف، في اعتقاد الباحث، عن النظام السائد قبل الحرب. وقد أدّى هذا الاتفاق إلى قيام حكومة مركزية تزامَن نشوؤُها مع تزايد النفوذ السوري؛ ما ولّد خلافًا بين الحزب والقيادة السوريّة أثّرت في صراعه مع إسرائيل. أمّا المحطة الثانية، فهي الانسحاب الإسرائيلي من لبنان الذي يعدّه الباحث نجاحًا للحزب يتمثّل في تمكنّه من إرغام إسرائيل على الانكماش خارج الحدود اللبنانية. واعتبر الباحث أنّ انسحاب إسرائيل من لبنان بمنزلة سلاحٍ ذي حدّين بالنسبة إلى حزب الله؛ فمن جهة، أرغم الحزب إسرائيل على الانسحاب من دون معاهدة سلام، أي إنه انسحاب تحت ضغطِ الحرب. ومن جهة أخرى، نشأت حالة من الفراغ تتمثّل في عدم وجود عدوّ استراتيجي للحزب. أمّا المحطّة الثالثة، فهي حرب 2006 التي تميزّت بالأداء القتالي العالي لحزب الله الذي عمل على استهداف المجتمع الإسرائيلي في الداخل؛ ما جعله يشكّل ضغطًا قتاليًّا عاليًا على الجيش الإسرائيلي. في حين تتعلّق المحطة الأخيرة بالحرب الأهلية في سورية وانخراط حزب الله فيها. وفي هذه الصدد، ينبّه الباحث إلى أنّ تسلّح الحزب عرف تحت تأثير الحرب في سورية قفزة لناحيتَي النوعية والكثافة.

ويذهب الباحث إلى أنّ الصراع بين حزب الله وإسرائيل تتحكّم فيه مجموعة من المتغيّرات الاستراتيجية، يمكن إجمالها في حالة الردع القائمة بينهما، والتي لا تتعلق بكمية الصواريخ التي يملكها فقط، وإنّما بقدراته على إحداث ردع بري وبحري؛ فقد استطاع أن يستهدف سفينة إسرائيلية سنة 2006، إضافة إلى تهديدات الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله باستهداف موانئ إسرائيلية في حال استهداف ميناء بيروت. وإلى جانب متغيّر حالة الردع، حلل الباحث متغيّر توسيع رقعة الصراع بينهما، مشيرًا إلى محاولة حزب الله بعد اغتيال عماد مغنية سنة 2009 نقل المعركة إلى خارج منطقة الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، مستدلًّا في ذلك بمحاولة استهداف سفارة إسرائيل في أذربيجان، واتهامه بمحاولة استهداف السياح الإسرائيليين في بلغاريا. أما المتغيّر الآخر الذي تناوله الباحث، فهو تأثير هذا الصراع في السياسة الداخلية لكلّ من لبنان وإسرائيل. فمن جهة، تنامى تيّار معارض داخل إسرائيل ضغط نحو خروجها من لبنان. ومن جهة أخرى، نشأ صراع داخل لبنان تمثّل في الخلاف الذي نشب بين رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري والحزب؛ ما جعل الحريري يطلب وساطة سورية لحل الخلاف، ولكن من دون جدوى.

وفي ختام المحاضرة، أشار الباحث إلى أنّه من المستبعد حدوث تغيّر في العلاقة بين حزب الله وإيران، وذلك بسبب قوّة العلاقة بينه وبين الحرس الثوري الإيراني. وركز على الأهمية الاستراتيجية للاحتكاك الحاصل بين روسيا وحزب الله في سياق الحرب الأهلية في سورية، وما سيكون له من تأثيرات في قدرات الحزب القتالية والمخابراتية.

أعقب المحاضرة نقاش ثريٌّ، شارك فيه عن بُعد الباحثون في المركز العربي، وأساتذة معهد الدوحة للدراسات العليا وطلبته، وأساتذة باحثون من الوطن العربي وخارجه، كما شارك فيه جمهور المتابعين عبر وسائط التواصل الاجتماعي.