عقدت وحدة الدراسات الاستراتيجية بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات - التي أطلقها المركز في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وهي مكلَّفة بإنجاز دراسات وأبحاث معمقة حول القضايا الاستراتيجية والأمنية الحساسة في المنطقة العربية والعالم من منظور نقدي - أولى محاضراتها ضمن سلسلة محاضرات المركز حول "التفكير في أزمة كورونا وأبعادها"، وذلك في 28 حزيران/ يونيو 2020. وفي هذا الإطار، قدم الدكتور حسن البهتيمي والدكتور عبد العزيز اقزيّز، محاضرة بعنوان "الأمن الصحي الدولي وتطبيقاته في العالم العربي"، وأدار الجلسة النقاشية الدكتور عمر عاشور رئيس وحدة الدراسات الاستراتيجية.

استهل حسن البهتيمي المحاضرة ببيان أهداف حقل الدراسات الأمنية، مشيرًا إلى أنه الحقل الأكثر عبورًا للتخصصات؛ على اعتبار أنه يتدخل في العسكرة والصحة والغذاء والبيئة وغيرها من المجالات. وهو يرى أن مجال الأمن الصحي يُعدّ من أكثر المجالات حيوية في هذا الحقل؛ لارتباطه بقرارات سياسية وعسكرية وبيئية، ولأنه وضع جميع سياسات دول العالم على المحك بعد أزمة جائحة كورونا. وقد تطرّق البهتيمي إلى المدارس التي ركزت على مفهمة الأمن في الدراسات الأمنية، وبيّن أن هذه الدراسات انتقلت من مجرد السعي وراء الدراسات العسكرية ودراسات الحروب إلى دراسة مجالات أخرى، كالأمن السيبراني، وخاصة بعد حقبة الحرب الباردة.

كما بيّن البهتيمي أنّ حقل الدراسات الأمنية طوّر مدارس نظرية رائدة، أشهرها مدرسة كوبنهاغن ومدرسة أبيريستويث؛ كما أسس نظريتين أساسيتين في العلاقات الدولية هما النظرية البنائية الاجتماعية، والتي تتركز أبحاثها حول القدرات الأمنية والعسكرية للدول، ونظرية الأمننة التي تدرس كيفية تشكيل أمن الدول عبر تحليل معطيات القوة الشاملة لجميع جوانب الحياة في هذه الدول، خاصة بعد تسييس مفهوم الأمننة ونقله من الإطار السياسي المحلي إلى الإطار السياسي الدولي. وناقش البهتيمي مفهوم الصحة العامة من منظور جديد مرتبط بالأمن الدولي في ظل انتشار أمراض عابرة للحدود، كما الحال في مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) الذي تم تصنيفه ضمن مهددات السلم الدولي، لتنتقل بعدها منظمة الصحة العالمية إلى تصنيف الأمراض بحسب خطورتها على الأمن الصحي العالمي.

عقب ذلك، تناول عبد الكريم اقزيّز أهمية دور المنظمات غير الحكومية في مسألة الأمن الصحي العالمي، وقال إن مبادرة "مؤشر الأمن الصحي العالمي" تعّد من أهم المبادرات في هذا الحقل، ولا سيما أنها أُسست بالاشتراك مع مجلس الأمن الدولي ومنظمة الصحة العالمية. ويرى اقزيّز أن هذه المبادرة خلصت إلى تقييم حدّة الأمراض بحسب ستة محددات رئيسة وهي: منع الظهور، والاكتشاف والإبلاغ دوليًا، ومدى الاستجابة السريعة، وقوة النظام الصحي القائم على بنية تحتية صحية فعالة، والقدرة على الالتزام بالمعايير الدولية، وقدرة الدول على مواجهة التهديديات البيولوجية. ولكن في عام 2019، نحو 60 في المئة من العالم لم يكن ليتمتع بقدرة وجاهزية عالية على احتواء الأمراض. على الصعيد الدولي، بيّن الباحث أنّ الأمن الصحي العالمي يشمل ثلاث ركائز تتضمن النظر في الأمراض السارية والمُعدية والتي تعدّ عابرة للحدود، والنظر في مآلات استخدام الأسلحة البيولوجية والكيماوية، والتركيز على الصراعات الإقليمية وأثرها في الوضع الصحي في الدول المجاورة كما الحالتين السورية والليبية.

وفيما يخصّ العالم العربي، بين اقزيّز أن الحالة السورية هي الأبرز حاليًا؛ إذ إن حالة الحرب أثرت في أولويات البلاد وقدراتها الصحية في ظل زيادة الضغط على القطاع الصحي. وبعد عام 2011، شهدت المنظومة الصحية دمارًا كبيرًا لحق المنشآت الصحية بما نسبته 60 في المئة من البلاد، وهي المناطق التي كانت قد سيطرت عليها قوات المعارضة السورية. أما الحالة الفلسطينية، فإن ما يعرقل بناء منظومة صحية متكاملة في رأيه، هو ضعف الحوكمة الاقتصادية الناجم عن فصل القطاع الصحي وتقسيمه إلى قطاع غزة والضفة الغربية والداخل الفلسطيني. وبالنتيجة، أدى هذا إلى زيادة الضغط على قطاع الصحة في الأراضي الفلسطينية بالمجمل، خاصة أن أذونات المرضى وتصاريح انتقالهم داخليًا أو خارجيًا بيد الاحتلال الإسرائيلي الذي يوافق فقط على 64 في المئة منها. وخلص اقزيّز إلى أن أزمة كورونا مسألة حيوية في العالم العربي؛ نظرًا إلى سرعة انتشارها في ظل ضعف الإمكانات، وعدم تقاسم الموارد، وغياب الشفافية لدى الحكومات، ووجود غموض في البيانات الصادرة عنها. ومن ثمّ، فإنه على الدول العربية اليوم أن تعمل على رسم أجندة جديدة للأمن الصحي، ورسم توجهات تتناسب مع توجهات النظام الصحي العالمي.

وفي الختام أجاب المُحاضران عن الأسئلة التي طرحها المتابعون عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث لقيت المحاضرة تفاعلًا واسعًا وأسئلة متنوعة ومداخلات ثرية.