ضِمن سلسلة محاضرات "التفكير في أزمة كورونا وأبعادها"، التي يعقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وتُبثّ عبر منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقدّم فيها عدد من الخبراء والأكاديميين محاضرات علمية حول جائحة كورونا وتداعياتها على مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، قدّمت الدكتورة مروة فرج، يوم الأحد 17 أيار/ مايو 2020، المحاضرة الثامنة بعنوان "النظم الصحية العالمية في مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد: كيف كان أداؤها؟ وما التحدّيات المستقبلية؟".
استهلّت مروة فرج محاضرتها بالإشارة إلى أنّ جائحة فيروس كورونا المستجد لا تزال تلقي بظلالها على العالم عبر تأثيراتها الصحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وأنّ الحرب على الفيروس في أوجها؛ حيث إنّ العالم معتكف على البحث عن الطرق الأمثل للتعامل مع الجائحة واحتوائها. وأوضحت المحاضِرة أنّ مداخلتها ستسلّط الضوء على استجابة النظم الصحية في سياقات مختلفة لمواجهة الفيروس، والتحدّيات التي تواجهها.
قامت المحاضِرة بتحليل العوامل السياقية المؤثرة في أداء النظم الصحية؛ وترى فرج أن أهمّها التركيبة العمرية للسكّان، حيث أظهرت الإحصائيات التي تمّ عرضها خلال المحاضرة أنّ الوفيات الناجمة عن الفيروس تتركّز في الفئات العمرية الأكبر؛ وقدّمت فرج إحصائيات تتعلّق بحالة إيطاليا التي تنتمي 95 في المئة من الوفيات فيها إلى الفئة العمرية 60 سنة فما فوق. واستنادًا إلى هذه الإحصائيات وغيرها رأت فرج أنّ الدول التي تحتوي نسبًا أعلى من كبار السّن مرشحة لأن تشهد المزيد من الوفيات. وفي ما يخصّ العالم العربي، فسّرت فرج قلّة الوفيات فيه بنسبة كبار السنّ من إجمالي عدد السكّان؛ حيث إنّ نسبة السكّان الذين تبلغ أعمارهم 65 سنة فما فوق تساوي 5 في المئة فقط، في مقابل 20 في المئة في دول الاتحاد الأوروبي. إضافةً إلى عامل الفئة العمرية، أشارت مروة فرج إلى عامل التفاوت الطبقي؛ حيث إنّ التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية تؤدّي دورًا مهمًا في تحديد ضحايا الوباء؛ وقد استدلّت الباحثة بإحصائيات تخصّ حالة الولايات المتحدة الأميركية، حيث تمّ تسجيل معدّل وفيات أكبر بـ 2.6 في المئة في أوساط الطبقات المتوسطة والفقيرة.
وفي ما يخصّ تقييم طريقة تعامل الدول مع أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد، ألمّت المحاضِرة بجانبين مهمّين؛ يتمثل الجانب الأوّل في سياسة إدارة الأزمة، والتي تتعلق بخصائص الاستجابة من حيث سرعة التدابير المتخذة وقوتها لمنع انتشار الفيروس أو إبطائه. وقد لاحظت فرج في هذا الإطار أنّ الدول التي تفاعلت قياداتها بصورة أسرع حققت نتائج أفضل من الدول التي تباطأت في اتخاذ التدابير الوقائية؛ كما قامت خبرات الحكومات في التعامل مع الأوبئة السابقة، كوباء سارس، بدور مهمّ في استعدادها للتعامل مع وباء فيروس كورونا المستجد. أمّا الجانب الثاني، فيتمثّل في تقييم بنية النظم الصحية التي كانت تعاني ضعفًا قبل الأزمة، والتي انهارت أمام الجائحة؛ وقد لاحظت المحاضِرة أنّ التمويل العام للنظام الصحّي وتوافر الموارد الصحية يعدّان من أهمّ العوامل المحددة لنجاح تعامل النظم الصحية مع الوباء؛ حيث إنّ تجارب النظم الصحيّة لدولٍ مختلفة أظهرت أنّ تخفيض التمويل الخاص بالرعاية الصحية أدّى إلى إرهاق النظم الصحية، وجعل قدرتها الاستيعابية محدودة.
في القسم الأخير من المحاضرة، رصدَت مروة فرج مستقبل النظم الصحية في ضوء أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد، مشيرةً إلى أنّه في الإمكان افتراض أنّ النظم الصحية ستركز اهتمامها مستقبلًا على تحسين استعداداتها للتعامل مع الأوبئة، مع الإبقاء على فرضية عدم قيامها بتغييرات وإصلاحات هيكلية جذرية. وختامًا، أجابت المحاضِرة عن الأسئلة التي طرحها المتابعون عبر منصّات التواصل الاجتماعي، حيث لقيت المحاضَرة تفاعلًا واسعًا وأسئلةً متنوعة ومداخلات ثرية.