ضِمن سلسلة محاضرات "التفكير في أزمة كورونا وأبعادها"، التي يعقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وتُبثّ عبر منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقدّم فيها عدد من الخبراء والأكاديميين محاضرات علمية حول جائحة كورونا وتداعياتها على مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، قدّم الدكتور محسن بوعزيزي، يوم الأحد 7 حزيران/ يونيو 2020، المحاضرة الحادية عشرة بعنوان "الجائحة ... مخبرًا اجتماعيًا".

استهّل محسن البوعزيزي محاضرته بالإشارة إلى أنّ مساهمته تعمل بالأساس على وضع الأسئلة البحثية أكثر مما تحاول الإجابة عنها، معللًا ذلك بأننا إزاء ظاهرة قيد التشكّل تدخل ضمن إطار التاريخ الراهن. ومن هذه الأسئلة التي طرحها: أيّ جائحة نقصد؟ وهل لدينا القدرة المعرفية على التفكير فيها؟ ثم لماذا الجائحة؟ وما فائدة التفكير فيها؟ وهل يمكن أن تكون لحظةً كاشفةً لهشاشة نفسية واجتماعية وسياسية واقتصادية وأخلاقية، وفاضحة للجانب الوحشي لهذا العالم؟ ثم لماذا الجائحة بوصفها مخبرًا اجتماعيًا؟

ثم أشار الباحث إلى أنّه للإجابة عن الأسئلة التي تطرحها المحاضرة، نجد أنفسنا في مواجهة ثلاث معضلات، أولاها معضلة المرور من البيولوجي إلى السوسيولوجي، والثانية معضلة الوجود في مفترق طرق، أو ما يسمّيه "حالة الوجود فوق العتبة"؛ أي ليس قبلها أو بعدها، وهي المنطقة الرمادية، أما الثالثة فتتعلق بالجائحة بوصفها عارضًا Contingent. وفي هذا الإطار، يرى بوعزيزي أنّنا سنواجه مشكلة مقاربة العارض سوسيولوجيًا، وهي مشكلةٌ لأن العارض عادةً مطرود من المعرفة الاجتماعية، مقترحًا في هذا السياق طريقة منهجية تبدو مختلفة لمقاربة الجائحة بوصفها عارضًا.

وتطرق الباحث خلال محاضرته إلى اختبار بعض المفاهيم والأفكار والاستعمالات، بدءًا من التعقيم وما يحيل إليه من رمزية التطهير، بما فيه من إزالةٍ لواقع بيئي واجتماعي واقتصادي وسياسي. كما عمل بعد ذلك على تحسّس أثر الجائحة، بوصفها عنصرًا ضالًا، في التشكلات الجديدة للسلطة، راهنًا ومستقبلًا، معرجًّا بعدها على سؤال الفاعل الاجتماعي، السياسي أو المدني، وذلك بهدف البحث عن الفاعل الممكن فترة الهزات والمنعطفات، وصولًا إلى اختبار السلمية القيمية وإعادة ترتيب الأولويات أثناء الجائحة. وقد أفرد البوعزيزي، خلال محاضرته، مساحة للبحث في مسألة القيم، فتساءل عن القيم التي تبرز خلال الجائحة وتلك التي تنكمش، مشيرًا إلى الفردنة وقيمة المواطنة وديمقراطية الطوارئ. كما ناقش مسألتي الخوف والتخويف في أزمنة الجوائح، منوّهًا إلى أنّ الأولى طبيعية والثانية اجتماعية وسياسية.

وفي الختام، أجاب الباحث عن الأسئلة التي طرحها المتابعون عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث لقيت المحاضرة تفاعلًا واسعًا وأسئلة متنوعة ومداخلات ثرية.