معتز الخطيب محاضرا عن أخلاقيات الوباءضمن سلسلة محاضرات "التفكير في أزمة كورونا وأبعادها"، التي يعقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وتُبثّ عبر منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقدّم فيها عدد من الخبراء والأكاديميين محاضرات علمية حول جائحة كورونا وتداعياتها على مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، قدّم الدكتور مُعتز الخطيب، يوم الأحد 14 حزيران/ يونيو 2020، المحاضرة الثالثة عشرة بعنوان "أخلاقيات الأوبئة: التعليل الأخلاقي وسؤال المنهج".

استهّل المحاضر مداخلته بالإشارة إلى أنّ جائحة كورونا أدّت إلى بروز عديد النقاشات نظرًا إلى تأثيراتها الواسعة التي شملت معظم دول العالم؛ وتتميز هذه النقاشات بتعدّد أبعادها ومواضيعها، حيث شملت المسائل الطبية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والدينية والأخلاقية. وقد كان للفلاسفة نصيبهم من هذا النقاش، على الرغم من كون الفلسفة، بحسب المحاضر، لا تنشغل بالمسائل والنقاشات العلمية المباشرة. وأشار كذلك إلى أنّ الطبيعة العامّة للوباء فرضت على الباحثين التوسّع والتنوع في تناوله، حيث تعكف العديد من الحقول المعرفية على البحث فيه وفي المسائل المتعلقة به، بما في ذلك حقل الأخلاق التطبيقية الذي يعتبره المحاضر حقلًا معرفيًا متعدد التخصصات. ويُعدّ هذا الحقل من الحقول التي تنشغل بالأوبئة، خاصّة في فرع "الأخلاق الطبية"، مع التنويه بالإرث التاريخي الذي نملكه خاصّة في ما يتعلّق بالطواعين، والتي تمّت مناقشتها من زوايا لاهوتية وطبية وفقهية وتاريخية وكذا نصية.

ناقش الدكتور الخطيب الأسئلة الأخلاقية التي يثيرها الوباء، واصفًا إياها بالغزارة وبطبيعتها العملية (التطبيقية)؛ ذلك أنّها تتناول كلًا من الأفراد والدول لناحية أفعالهم وسلوكياتهم، إضافة إلى حياتهم وكلّ ما يتصّل بحفظ الصحّة العامّة والسياسات، والتدابير الواجب اتخاذها لهذا الغرض. ويرى الباحث أن السياسات والتدابير الاحترازية، التي تقرّها الدول في زمن الأوبئة، تثير العديد من الإشكاليات الأخلاقية نظرًا إلى اتّصالها بالحقوق والحرّيات الفردية ومسائل الخصوصية وتقييد حرّية الحركة والتنقل، كما تتّصل بواجبات الدولة لتأمين الحاجات الضرورية للفئات الضعيفة.

وانتقل المحاضر إلى سؤال "الأحقية بالعلاج"، والذي يبدو للبعض من الأسئلة ما قبل الحديثة، مشيرًا إلى أنّه ساد الظنّ حول تجاوز هذا النوع من التساؤلات لصالح التوغّل أكثر في الأزمنة الحديثة، ويتصاحب هذا "الظنّ" مع ظنّ آخر سائد حول اعتبار أنّ الأوبئة غدت من ظواهر المجتمعات التقليدية، وأنّها لا توجد في المجتمعات الحديثة التي توغلت في الحداثة والتقدّمين العلمي والتقني. ويذهب الخطيب إلى أنّ الوباء عبّر تاريخيًا عن قلّة الحيلة ونقص المعلومات وضعف الإمكانات؛ ومع تراجع فاعلية العلم والطب، اتسعت بحسب الباحث فاعلية التصوّرات اللاهوتية والدينية، ولكن مع عودة الأوبئة على شاكلة كورونا في الزمن الراهن، تمّ استعادة التساؤلات عن الحدود التي يتحرّك فيها العلم والإيمان، وعن وظيفتيهما ووجه العلاقة بينهما، وأثر ذلك في أفعال النّاس وتصرفاتهم. ونوّه الباحث كذلك إلى أنّه على الرغم من التقدّم العلمي والتقني الذي زوّدنا بإمكانات هائلة للمعرفة والفعل، يبقى السؤال الأخلاقي حول التقويم المعياري للممكن بتحويله إلى واقع مسألة نقاش فلسفي وأخلاقي.

وفي سياق حديثه عن أخلاقيات الأوبئة، أشار المحاضر إلى أنّها تعالج أسئلة عملية من قبيل: من الأحق بالعلاج في حالة نقص المعدّات؟ وإذا تعارضت القيم والحقوق، فأيهما نقدّم؟ الحقوق الفردية أم الصحة العامّة؟ وأشار الباحث إلى أنّ هذه الأسئلة وغيرها، والتي تتناول الدولة والفرد والجماعة، ترجع إلى أمرين رئيسين؛ الأوّل "الأخلاق المعيارية" التي تقوّم الأفعال بغضّ النظر عن فاعلها. والثاني "أخلاق الفضيلة" التي تركّز على الفاعل نفسه وفضائله، وهي في نظر الباحث مرحلة سابقة عن الأفعال ومتجسدة فيها في الوقت نفسه.

أمّا الشقّ الأخير من المحاضرة، فأشار خلاله الباحث إلى أنّ التساؤلات من النوع أعلاه تتصل بسؤال المنهجية والأسس النظرية التي استنادًا إليها تتّم عملية التعليل الأخلاقي اللازم لإضفاء صفة أخلاقية/ لا أخلاقية على فعل أو ممارسة سياسية ما؛ ذلك أنّ كل حكم أخلاقي يفتقر إلى التسويغات والحجج اللازمة لتبرير نفسه. وهو الأمر الذي ينقلنا، بحسب الخطيب، إلى مسألة التقويم النقدي لبعض الفتاوى الدينية الصادرة بشأن الوباء، ومناقشة تعليلاتها والحجج التي قامت عليها.

وفي الختام أجاب المحاضر عن الأسئلة التي طرحها المتابعون عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث لقيت المحاضرة تفاعلًا واسعًا وأسئلةً متنوعة ومداخلات ثرية.