ضمن سلسلة محاضرات "التفكير في أزمة كورونا وأبعادها"، التي يعقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وتُبث عبر منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقدم فيها عدد من الخبراء والأكاديميين محاضرات علمية حول جائحة كورونا وتداعياتها على مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، قدمت الدكتورة نصاف بن علية، يوم الخميس 11 حزيران/ يونيو 2020، المحاضرة الثانية عشرة بعنوان "جائحة كوفيد-19 في تونس: الواقع واستراتيجية المواجهة والاحتواء".

استهلت بن علية محاضرتها بالإشارة إلى ظروف إنشاء "المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة" بتونس؛ وهو مرصد متخصص في علم الوبائيات تم تأسيسه سنة 2005 على إثر جائحة "سارس" التي انطلقت من الصين وتفشت في العالم سنة 2003. وقد كانت تونس بحسب المحاضرة من البلدان السباقة إلى استحداث أطر مؤسسية كجزء من استراتيجية وطنية استباقية لمواجهة الأمراض والأوبئة؛ حيث أدى هذا المرصد دورًا مهمًا في إعداد استراتيجيات وخطط وطنية للتصدي لجائحة إنفلونزا الخنازير (H1N1) التي ظهرت سنة 2009. وأضافت المحاضرة أن المرصد الوطني للأمراض لا يضطلع بأدوار تونسية محلية فقط، وإنما يشارك في تدريب فرق االتدخل السريع وتحضيرها للتصدي للأوبئة في العالم، كما يساعد هذه الفرق في وضع الاستراتيجيات الوطنية التي تتعلق بالمواجهة والاحتواء.

وبعد المقدمة المركزة الخاصة بالمرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة، عكفت المحاضرة على دراسة النظام الصحي القائم بتونس وتحليله، مشيرةً إلى أنه يقوم على ثلاثة عُمُد رئيسة: العماد الأول هو منظومة يقظة صحية تبدأ من المستوى المحلي وصولًا إلى المستوى الوطني؛ والعماد الثاني هو نظام تكوين لمقاومة الأوبئة والجوائح، يختص بتكوين كوادر صحية، ولجان مساندة متعددة الاختصاصات والمهمات، بهدف توفير خدمات صحية فعّالة في حالات الاستثناء لناحية التقصّي والتتبع والوقاية ومنع الانتشار؛ وأما العماد الأخير الذي يقوم عليه النظام الصحي في تونس، فهو شبكة من المخابر الوطنية، التي تعدّ بحسب الباحثة مخابر ذات سمعة عالمية، وقد وصل عددها حاليًا إلى 7 مخابر تضطلع بمهمات التحليل والتشخيص.

كما أفردت بن علية مساحةً معتبرة، في محاضرتها، لتحليل "الخطة الوطنية للوقاية والرصد والاستجابة لخطر انتشار فيروس كورونا المستجد في تونس"؛ والتي تم إطلاقها منذ منتصف كانون الثاني/ يناير 2020، عبر إعادة تفعيل عمل اللجنة الوطنية متعددة القطاعات المتخصصة في مكافحة الجوائح، تحت إشراف وزارة الصحة التونسية. وقد تم دعمها بعدة لجان فرعية، بهدف التكفل بحالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). ومن الاجراءات العملية التي أطلقتها وزراة الصحة بحسب المحاضرة: وضع نظام للتقصّي في جميع مناطق العبور البرية والجوية والبحرية، ووضع نظام يقظة، وكذا وضع المؤسسات الاستشفائية في حالة تأهّب لاستقبال الحالات وعزلها. وقد أُرفق الإجراء الأخير باجرءات صحية تتعلق بالوقاية من كل ما هو تعفنات والتهابات قد تصيب المواطنين والوافدين.

إضافة إلى ما سبق، وضعت الاستراتيجية التونسية لمواجهة جائحة كورونا مهمة تعزيز دور المخابر أولويةً؛ خاصة درو المخبر المرجعي بمستشفى شارل نيكول بالعاصمة تونس، والذي يعود تأسيسه إلى أواخر ثلاثينيات القرن الماضي. وتتميز هذه الاستراتيجية، بحسب المحاضرة، بكونها استراتيجية دينامكية استطاعت التطور والتأقلم مع انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19) في تونس، حيث مرت بأربع مراحل رئيسة: المرحلة الأولى هي مرحلة منع دخول الوباء إلى تونس، وذلك عبر إطلاق نظام يقظة بهدف السيطرة على حدود الدولة؛ المرحلة الثانية هي كيفية تقليص أعداد العدوى الداخلية، وذلك بعد اكتشاف حالات إصابة بتونس؛ والمرحلة الثالثة حماية المنظومة الصحية التونسية من السقوط عبر وضعها في حالة جاهزية قصوى؛ وأخيرًا، مرحلة الحجر الصحي العام الذي هدف إلى السيطرة على الوباء، ومنع استوطانه وتفشيه بوتيرة أكبر بتونس. ويعدّ الحفاظ على ما تسميه المحاضرة "الحالة الوبائية الحاليًة" هدفًا استراتيجيًا للدولة التونسية، حيث أن تونس لم تسجل أي حالة جديدة منذ 2 حزيران/ يونيو 2020.

وفي تقييمها لحالة المخاطر في تونس، أفادت بن علية أن تونس انتقلت من حالة "مخاطر مرتفعة جدًا" إلى حالة "السيطرة"؛ مشيرة إلى أن عدد الإصابات لم يتعدَ 1087 إصابة (286 حالة مستوردة، مقابل 801 حالة محلية)، وقد سجلت تونس 141 إصابة في أوساط أعوان الصحة (10 حالات مستوردة، مقابل 131 حالة محلية)؛ ومن أصل 1087 حالة المسجلة في تونس توجد 982 حالة شفاء يقابلها 49 حالة وفاة، والحالات الباقية تخضع للعلاج في مراكز الإيواء التي خصصتها الدولة لغرض مواجهة الجائحة.

وعلى الرغم من الوضع الإيجابي في تونس، نفت المحاضرة نهاية الخطر، مشيرةً إلى أن العديد من الدول تعرف انتكاسات تتعلق بانتشار هذا الفيروس، وأن الخطر يبقى قائمًا ما لم يتم اكتشاف لقاح أو دواء فعّال ضده. والمتاح بحسب بن علية من إجرءات احترازية في المرحلة الراهنة هو المثابرة على سلوكيات التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات، وغسل اليدين وتعقيمهما. كما ذكّرت في الأخير بالتحدي الذي تواجهه تونس، والذي يتمثل في الحفاظ على الوضع الراهن، وتقصي الحالات الوافدة، ومواصلة جهود إجلاء التونسيين من الخارج بطرائق سليمة؛ وذلك تفاديًا لأي انتكاسة.

وفي الختام أجابت المحاضرة عن الأسئلة التي طرحها المتابعون عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث لقيت المحاضرة تفاعلًا واسعًا وأسئلةً متنوعة ومداخلات ثرية.