ضمن سلسلة محاضرات "التفكير في أزمة كورونا وأبعادها"، التي يعقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وتُبثّ عبر منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقدّم فيها عدد من الخبراء والأكاديميين محاضرات علمية حول جائحة كورونا وتداعياتها على مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، قدّم الدكتور نواف التميمي، يوم الأحد 5 تموز/ يوليو 2020، المحاضرة السابعة عشرة بعنوان "الإعلام في مواجهة كورونا".

استهّل نواف التميمي محاضرته بالإشارة إلى أنّ جائحة فيروس كورونا أعادت طرح الأزمات التي تعيشها صناعة الإعلام العالمي منذ ما يزيد على عقدين من الزمن؛ وتخصّ هذه الأزمات مختلف مناحي البيئة الإعلامية، سواء على مستوى الممارسة المهنية أو تحوّل البنى التحتية للمؤسسات الإعلامية نحو العصر الرقمي وفشل النموذج الاقتصادي التقليدي. وأشار المحاضر إلى أنّه - منذ لحظة اكتشاف الفيروس وسقوط أوّل ضحاياه، وحتّى لحظة انتشار الجائحة في 213 دولة، ووصول عدد الإصابات إلى نحو 10 ملايين شخص، ووفاة نحو نصف مليون - اتضّح تباين وسائل الإعلام في معالجة الجائحة باعتبارها أزمة عالمية؛ ويجمل الباحث هذه التباينات في ثلاثة توجهّات هي: أوّلًا، المعالجة المثيرة، والتي تميل في تغطيتها إلى التهويل والمعالجة السطحية، وينتهي اهتمامها بالأزمة فور انتهاء الحدث؛ أي أنّها، بحسب الباحث، معالجة مبتورة تتسبب في تضليل وعي الجمهور وتشويهه. ثانيًا، المعالجة الناقصة، والتي لا تقوم في نظره على التهويل بل على التهوين، وبذلك قد تقلّل من المعلومات والأخبار التي تكتسي أهمية قصوى بالنسبة إلى المجتمع. وأمّا التوجّه الثالث والأخير، فيسميّه الباحث المعالجة المتكاملة، وهي المعالجة التي تتعرّض للجوانب المختلفة، وتتسّم تغطيتها بالشمولية والعمق والمتابعة الدقيقة، وتحترم موضوعها ومتلقيها.

عقب ذلك، انتقل الباحث إلى تحليل المناهج التي تبنّتها المؤسسات الإعلامية في تغطيتها لأزمة جائحة كورونا؛ والتي تباينت تمامًا مثلما تباينت معالجات وسائل الإعلام لها. فحدّد ثلاثة مناهج رئيسة، هي: منهج الإعلام الهادئ والمسؤول، ومنهج إعلام الإثارة الأصفر، وأخيرًا، منهج إعلام الإنكار.

يرى الباحث أن الإعلام الهادئ والمسؤول هو ذلك الإعلام الذي يتبّع في تغطيته مسارًا لم يتجاهل الخطر الآتي، من دون الذهاب إلى حد التهويل والترهيب؛ كما يرى أن هذا الإعلام يتماسك أمام إغراءات السبق الصحافي وسخونة الأخبار، ويتمسّك بأخلاقيات المهنة والمسؤولية الاجتماعية للإعلام. وأشار كذلك، في هذا السياق، إلى أنّ الإعلام التقليدي المهني التزم القواعد المهنية والأخلاقية التي تنظم الأداء الإعلامي، ولا سيما أثناء الأزمات المهدّدة لأمن المجتمع وسلامة أفراده؛ وقد بقيت المؤسسات الإعلامية التقليدية في اعتقاده راسخة التقاليد والمهنية، مستدّلًا في ذلك بأداء هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

أمّا إعلام الإثارة الأصفر، فيقع على الطرف المقابل من المعادلة. ويرى الباحث أنّ هذا النوع من الإعلام قد سقط مع الإعلام الإلكتروني في مستنقع التهويل وإرهاب الرأي العام بسيلٍ من الأخبار السلبية التي فاقمت الأزمة عبر ترهيب الناس، ودفعهم إلى حافة أمراضٍ لا تقّل خطورة عن كورونا مثل الهلع والاكتئاب. كما أشار الباحث إلى أنّ هذا الإعلام لم يلتزم أبسط قواعد المهنية، ويقوم عبر تغطياته بخرق كل قواعد المسؤولية الأخلاقية للإعلام وواجباته في الحفاظ على أمن المجتمع وسلامة أفراده. ويذهب الباحث كذلك إلى أنّ الإعلام الذي يتبّع منهج الإثارة أحدث أضرارًا نفسية في معنويات المتلقين، تفوق الأضرار التي خلفتها الجائحة. وتُمثّل هذا الإعلامَ صحفٌ صفراء كثيرة تروّج لنظرية المؤامرة، وتسعى وراء الإثارة والتهويل، وذلك بهدف رفع رصيدها من المتصفحين، من دون مراعاة لأدنى مسؤولية اجتماعية، متنصلّةً بذلك، بحسب الباحث، من أيّ قواعد مهنية وأخلاقية.

أما إعلام الإنكار، فإنّه ينزع إلى دفن الرأس في الرمل؛ وذلك بإنكار خطورة الوباء، أو بالهروب إلى الأمام مستخفًّا بالجائحة ومقلّلًا من مدى خطورة الوباء، إلى حد التعامل الكوميدي مع الفيروس. وقد أشار الباحث إلى بروز الإعلام الصيني ثم الإعلام المصري مثالَين على هذه الشريحة من الإعلام غير المسؤول، ولا سيما وهو يفتح شاشاته لضيوف يزعمون الخبرة والمعرفة، بينما هم ينشرون الترهات والسخافات التي لا تليق بمنابر إعلامية. كما يعتقد الباحث أنّه كان الأحرى بهذين النموذجين الاجتهاد لاستضافة كفاءات قادرة على تقديم المعلومات الصحية والطبية والوقائية التي من شأنها أن ترفع مستوى وعي المتلقي، وتساعده في الوقاية من الإصابة بوباء كاسح، يستهدف البشر جميعًا.

أشار الباحث إلى أنّه بسبب الإرباك الذي وقعت فيه الكثير من المؤسسات الإعلامية عبر العالم، دعا الاتحاد الدولي للصحافيين الإعلامَ إلى تجنب إحداث حالة من الذعر غير المبرر، خلال تغطية الأخبار المتعلقة بجائحة كورونا، وتجنب ما قد يؤدي إلى تفاقم الوضع، مع التحلي بالمسؤولية في تزويد المواطنين بتقارير موثوقة، ودقيقة، وحقيقية، وتجنب تقارير الإثارة التي يمكن أن تؤدي إلى بث الذعر والخوف بينهم.

وفي نهاية محاضرته، خلُص الباحث إلى أنّ جائحة كورونا كشفت عن الكثير من جوانب التقصير في الخدمات الصحية في معظم دول العالم، فأظهرت أمراضًا مستشرية في الإعلام العالمي، وبيّنت مدى حاجة الإنسانية إلى "وسائل إعلام تثبت أنها في خدمة الجمهور أولًا بتقديم معلومات جديرة بالثقة، مستندة إلى أخلاقيات المهنة"، كما يقول أنتوني بيلانجي، الأمين العام للاتحاد الدولي للصحافيين.

وفي الختام، أجاب المحاضر عن الأسئلة التي طرحها المتابعون عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث لقيت المحاضرة تفاعلًا واسعًا وأسئلةً متنوعة ومداخلات ثرية.