عقدت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بالتعاون مع المركز العربي واشنطن دي سي في 2 أيلول/ سبتمبر 2021، ندوة عبر الإنترنت بعنوان "آفاق العلاقات الأميركية - الإيرانية في عهد إبراهيم رئيسي". وكان ولي نصر هو المحاضر الضيف، وهو أستاذ كرسي مجيد خدوري للشؤون الدولية ودراسات الشرق الأوسط في كلية الدراسات الدولية المتقدّمة بجامعة جونز هوبكنز، وباحث أول غير مقيم في مركز جنوب آسيا التابع للمجلس الأطلسي. وقد أدار الجلسة خليل جهشان المدير التنفيذي لـلمركز العربي واشنطن دي سي، ومهران كامرافا رئيس وحدة الدراسات الإيرانية.

استهلّ الباحث عرضه بتسليط الضوء على مركزية المفاوضات بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران في ما يتعلق بالبرنامج النووي للجمهورية الإسلامية؛ فرأى أن الجميع يراقب اليوم كيف ستسعى إدارة جو بايدن للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (Joint Comprehensive Plan of Action JCPOA). واللافت، بالنسبة إلى الباحث، أن كلًا من الولايات المتحدة وإيران لديهما حكومتان جديدتان ورثتا تركتيْن مختلفتين: انسحاب إدارة دونالد ترامب السابقة من خطة العمل الشاملة المشتركة، والمشاركة المكثفة لإدارة حسن روحاني في التفاوض بشأن الصفقة النووية الأميركية - الإيرانية. صحيح أن الرئيس إبراهيم رئيسي جديد، وأن فريقه للسياسة الخارجية أدى لتوّه اليمين الدستورية، لكنه يبدو ملتزمًا بالعودة إلى اتفاقية عام 2015. وقال الباحث إن برنامج رئيسي المحلّي يعتمد على التوافق مع إدارة بايدن؛ لأن حملة الضغوط القصوى التي شنّها ترامب قوّضت الاقتصاد الإيراني. وأضاف أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي والمحافظين يعتقدون أن هدف الولايات المتحدة يكمن في تغيير النظام. وقد حدث ذلك، وإن لم يكن في حسبان واشنطن: فإيران باتت اليوم تحت سيطرة المتشدّدين مباشرةً، ولم يعد هناك أي حيّز سياسي للمعتدلين أمثال روحاني. إضافة إلى ما سبق، صرّح الباحث أن "حملة الضغوط القصوى كانت فعالة بقدر فاعلية السكين الحاد لدى وضعه على الجلد"، ذلك أنها قضت على الطبقة الوسطى؛ فأصبح المجتمع بأكمله يواجه اليوم ارتفاعًا في معدّلات البطالة، ويعاني تضخّمًا وفقرًا مدقعًا.

وتعليقًا على قرار إدارة ترامب باغتيال قائد فيلق القدس، اللواء قاسم سليماني، رأى الباحث أن الحرس الثوري الإسلامي "خرج من تلك التجربة بعناد شديد"؛ ما ساعد المحافظين في تشويه سمعة المعتدلين لدى سعيهم لاستئناف العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب بصفة عامة. وفي الواقع، اعترف الرئيس السابق روحاني، ووزير الخارجية محمد جواد ظريف لاحقًا، أنهما كانا مخطئين بمبالغتهما في الثقة بنيات الولايات المتحدة. وفي هذا الصدد، قال الباحث: "رأى المرشد الأعلى في ذلك فرصة من أجل القضاء على المعتدلين بوصفهم قوة سياسية حقيقية في الانتخابات الرئاسية، والانتخابات التشريعية، وحتى في الخطاب السياسي في البلاد". وتوقّع الباحث أن يكون رئيسي في منافسة قوية على منصب خامنئي بوصفه مرشدًا أعلى، بعد أن تأكد خامنئي نفسه من أن جميع السلطات في الدولة (الرئاسة، ورئاسة مجلس الشورى، والجهاز القضائي) تخضع لسيطرة المحافظين. ويذهب الباحث إلى أن مثل هذا الاحتمال لا يعني أن المحافظين هم كتلة واحدة متجانسة؛ إذ هم فصائل عدة، ولكنّ تجمع سمة مشتركة بينهم، وهي عدم ثقتهم بالولايات المتحدة والغرب، وتفضيلهم - ورئيسي أيضًا - للعلاقات مع الشرق.

وعن رئيسي نفسه، وجد الباحث أن الرئيس الجديد لا يتمتع بخبرة كبيرة في السياسة الخارجية. لكنه يستطيع الاعتماد على وزير خارجيته، حسين أمير عبد اللهيان، الذي له سجل حافل من الإنجازات راكمها على مدى سنوات عديدة. وقال إنه من المؤكد أن رئيسي يعلم أن اعتماد إيران على نفسها وتمسّكها بما يسمى اقتصاد المقاومة لا يكفيان البلاد للتغلّب على مشكلاتها. وذكر أن رئيسي "يفهم أن نوعًا من الاتفاق مع الولايات المتحدة ضروري لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد، ويعتمد نجاحه الآن على ما يمكنه فعله".

وناقش الباحث التجربة الأميركية في أفغانستان؛ فرأى أن القيادات في إيران ودول الخليج العربية وإسرائيل لاحظت أن بايدن كان حازمًا في نيته الانسحاب من أفغانستان، وتمسّك بقراره على الرغم من جميع الانتقادات التي وجّهت إليه بسبب قراره إجلاء القوات الأميركية. ويعتقد أن إيران تنظر إلى موقف بايدن، بوصفه يعكس موقف الولايات المتحدة من المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني. علاوة على ذلك، يدرس رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، نفتالي بينيت، إمكانية تأثيره في قرارات بايدن، مثلما أثر رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو في قرارات ترامب. واختتم الباحث كلامه لافتًا إلى إنه إضافة إلى رغبة رئيسي في التفاوض مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي - ما سيساعده في حل مشكلات إيران الاقتصادية - فإن الرئيس الجديد مهتم جدًا بالبيئة الإقليمية لبلاده، ويرغب في التركيز على حل المشكلات مع جيرانها.