ضمن سلسلة محاضرات "التفكير في أزمة كورونا وأبعادها"، التي يعقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وتُبثّ عبر منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقدّم فيها عدد من الخبراء والأكاديميين محاضراتٍ علميةً حول جائحة كورونا وتداعياتها على مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، قدّم الدكتور رجا الخالدي، يوم الأحد 21 حزيران/ يونيو 2020، المحاضرة الخامسة عشرة بعنوان "جدوى الاقتصاد الفلسطيني على المحك: بين مطرقة كوفيد-19 وسندان النظام الاستعماري".

استهل الخالدي محاضرته بالإشارة إلى أنّ عام 2020 يشهد تحولاتٍ اقتصاديةً وسياسيةً أطاحت فكرة وجود اقتصاد سياسي فلسطيني مستقل، خاصة في ضوء تبعات الأزمة المالية العامة الناجمة عن مواجهة اقتصادية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وفي ضوء انتشار كبير لفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية. يرى الخالدي أن الحقائق والحلول الاقتصادية كانت تاريخيًا أبسط قبل أوسلو وقبل ظهور الاقتصاد الليبرالي، وبالنتيجة قبل ظهور "دولة إسرائيل" ككيان يعترف به دوليًا على أنه دولة ذات اقتصاد متكامل. في سبعينيات القرن الماضي، كانت فكرة التعايش السلمي بين جميع الأراضي الفلسطينية والأجزاء الواقعة تحت سلطة الاحتلال واردة. ومن ثم ظهرت فكرة إقامة دولة فلسطينية، واستندت إلى افتراضات حميدة حول الوظائف الاستعمارية الاقتصادية، إلا أن هذه الافتراضات أثبتت زيفها خاصة بعد أن ثبت زيف وتضليل الاقتصاد السياسي الإسرائيلي الذي يروّج لذاته على أنه اقتصاد سياسي تنموي، ومن هنا بدأ الحديث عن عدم جواز حصول تنمية اقتصادية في ظل الاحتلال.

وتطرق الخالدي، في سياق تحليله للاقتصاد الفلسطيني، إلى حالة الكساد والانكماش الاقتصادي التي بدأت قبل انتشار فيروس كورونا في عام 2019 بعد خلاف السلطة مع إسرائيل فيما يخص أموال المقاصّة المتعلقة بأموال الضرائب التي جنتها إسرائيل بموجب قانون تل أبيب في مكافحة الإرهاب. تبع هذه المشكلة سياسات كينزية مبسطة من أجل ضمان القدرة على صرف فواتير الموظفين الحكوميين. ومع وصول فيروس كورونا المستجد إلى الضفة الغربية وفي الداخل الفلسطيني، بدأ في شباط/ فبراير 2020 إغلاق جغرافي وقطاعي وشامل، مع وجود ضعف في التقديرات بخصوص الأضرار المتوقعة لهذا الإغلاق. وأشار الخالدي إلى أن الناتج الإجمالي المحلي الفلسطيني قد تراجع بنسبة 10 في المئة في الأشهر الأربعة الأخيرة الماضية، متأثرًا بقرارات الإغلاق، بينما يقدر معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطينية (ماس) أن الناتج الإجمالي المحلي قد انكمش بنسبة 21 في المئة عن مستواه في عام 2019، بعجز تجاوز 3 مليارات دولار. ويرى تقرير المعهد، بحسب الخالدي، أن الإنفاق الحكومي قد انخفض بنسبة 39 في المئة نتيجة الإجراءات الحكومية للتصدي للجائحة؛ وهذا يعد الأقسى منذ الانتفاضة. أما عن الصناعات التي تأثرت، فيرى الخالدي أن الأثر الأكبر كان في القطاع السياحي وقطاع صناعة التعدين والصناعات الغذائية والكيماوية الخفيفة، وكانت هذه الصناعات شهدت عودة جزئية، إلا أنه مع عودة انتشار الجائحة في الأيام الماضية أعيد إغلاقها. ومن ثم، فإن الخسائر ستتجاوز أي تقديرات متفائلة بتحسن الوضع الاقتصادي.

إضافة إلى ما سبق، تناول المحاضر التداعيات الناجمة عن الرؤية الأميركية - الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية، والتي كان آخر نتائجها استعداد إسرائيل لضمّ أراضٍ جديدة من الضفة الغربية. وهذه المسألة تجعل من حجم الكارثة الاقتصادية أكبر؛ إذ إن السلطة ستكون غير قادرة بعدها على القيام بإجراءات من شأنها استدامة حل سلمي، ولو كان وهميًا، وينجم عنه نهج إسرائيلي يكرس الخطاب الاستعماري الذي ينفي حق تقرير المصير. وبناء عليه، تكون النتيجة الحتمية لهذه الرؤية هدم الاقتصاد الفلسطيني، خاصة أن هذه الورقة تحمل شقًا استثماريًا استعماريًا يفرض قيودًا احتلالية على الاقتصاد الفلسطيني، لها القدرة على تدمير القاعدة الإنتاجية الفلسطينية.

أخيرًا، بيّن الخالدي أن الانفكاك التدريجي عن التبعية الاقتصادية الاستعمارية أهم خطوة في مواجهة هذه السياسة، مع اتخاذ خطوات من الاقتصاديين العرب في إطار النضال التحرري ورسم خطوط المقاومة الجديدة. وأشار الخالدي إلى أهمية دعم صمود الأهالي في الأماكن المهددة بالضمّ، خاصة في ظروف مثل هذه، إلا أنه لا يمكننا التنبؤ بمدى قدرة الحكومة الفلسطينية على تحمّل عبء الإجراءات العقابية الإسرائيلية. يمكن أن يكون هناك حديث عن رهان أخير حول إمكانية إجبار إسرائيل على التراجع عن فكرة الضمّ، في خطوة على طريق التنمية الاقتصادية الحقيقية في البلاد. وما يجعل السلطة الفلسطينية عاجزة عن القيام بذلك هو عدم توافر مصداقية وتكتيك سياسي يضمن وجود دولة ذات مؤسسات تخوض نضال تحررٍ وطني، خاصة أن الجائحة أظهرت تصدعاتٍ كبيرةً على مستوى العلاقات العامة الداخلية والخارجية من جهة، وعلى مستوى ثقة الشعب بالسلطة الفلسطينية من جهة أخرى.

وفي الختام أجاب المحاضر عن الأسئلة التي طرحها المتابعون عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث لقيت المحاضرة تفاعلًا واسعًا وأسئلةً متنوعة ومداخلاتٍ ثرية.