عقدت وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوم الإثنين 29 آب/ أغسطس 2022، ندوة أكاديمية بعنوان "أوكرانيا: التطورات العسكرية التقليدية وغير التقليدية والمقاتلون الأجانب"، شارك فيها نخبة من الباحثين والأكاديميين المتخصصين في الدراسات الأمنية والاستراتيجية، وهم عمر عاشور، مدير وحدة الدراسات الاستراتيجية ورئيس برنامج الدراسات الأمنية النقدية في معهد الدوحة للدراسات العليا، وكاسبر إدوارد ريكافيك، باحث ما بعد الدكتوراه في مركز أبحاث التطرف بجامعة أوسلو، وهاميش دي برتون-غوردون، زميل باحث في كلية المجدلية بجامعة كامبريدج والقائد السابق لفوج مكافحة الهجمات النووية والكيمياوية والبيولوجية والإشعاعية في الجيش البريطاني. وترأسها سيد أحمد قوجيلي، أستاذ الدراسات الأمنية النقدية في معهد الدوحة للدراسات العليا.

في المداخلة الأولى، ركّز عمر عاشور على خلفيات الغزو الروسي لأوكرانيا، مشيرًا إلى أن الحرب قائمة منذ ثماني سنوات وما يحدث الآن تصعيد مفاجئ، مثلما حدث في العملية العسكرية الروسية ذات الطبيعة الهجينة المعقدة في شبه جزيرة القرم (شباط/ فبراير 2014)، التي فاجأت الجانب الأوكراني. وإذا جرت المقارنة بين التحرّك الروسي في جمهورية القرم (آذار/ مارس 2014) والتحرك الانفصالي المدعوم روسيًا في مدينة ومقاطعة خاركيف (نيسان/ أبريل 2014)، مع الإشارة إلى أن المنطقتين تتحدثان الروسية، نجد أن ما جرى في القرم انتصار حاسم للطرف الروسي، أما ما حدث في خاركيف فهو هزيمة منكرة له.

وانتقل عاشور إلى تقييم التطورات العسكرية التقليدية والهجينة في الحرب الحالية، فأشار إلى أن الحرب في مرحلتها الأولى (شباط/ فبراير – آذار/ مارس 2022)، كانت حرب مناورات متعددة المجالات، شملت عمليات برية وبحرية وجوية واستخبارية/ معلوماتية وسيبرانية وإلكترونية، إضافةً إلى المقاتلين الأجانب، إلا أن هذه العمليات الروسية واجهت فشلًا في تحقيق أهدافها الاستراتيجية. ففي حين كان التوغل العسكري الروسي في الغرب تجاه مدينة أوديسا عميقًا وكذلك في الشرق تجاه ماريوبل، فإنه لم يتمكن من دخول العاصمة كييف، ومُني بهزيمة في الشمال والشمال الشرقي، إذ تحررت أربع مقاطعات، هي جيتومير وكييف وتشرنيهيف وسومي، إضافةً إلى أجزاء من خاركيف. وتحولت الحرب في المرحلة الثانية (نيسان/ أبريل – تموز/ يوليو 2022)، إلى حرب مخندقة تعتمد على الثبات المدفعي أكثر من المناورات، وبتركيز على الشرق والجنوب، وعلى محاولات التقدم المتدرج والحذر بالسيطرة على أجزاء صغيرة، وبذلك سيطرت القوات الروسية على مقاطعة لوهانسك بالكامل الشهر الماضي (وهي أول مقاطعة تسقط بالكامل منذ آذار/ مارس 2014)، وأكثر من نصف مقاطعة دونيتسك. أما المرحلة الثالثة (تموز/ يوليو – آب/ أغسطس 2022)، فشهدت فيها جبهة الدونباس تغييرات قليلة وليست حاسمة؛ فقد تقدم الجانبان من 5 إلى 10 كيلومترات ووقعت هجمات وهجمات مضادة متبادلة، أما الجبهة الجنوبية فآخذة في التغيّر، إذ يبدو أن القوات الأوكرانية تتحرك للقيام بهجوم مضاد في مقاطعة خيرسون، مع ملاحظة ارتفاع العمليات الأوكرانية داخل المناطق المحتلة، خاصةً مدينة ميليتوبول وعموم مقاطعة زابوريجيا وغيرها، وذلك مع زيادة حجم الدعم الغربي.

وفي المداخلة الثانية، ركّز كاسبر إدوارد ريكافيك على ظاهرة المقاتلين الأجانب الذين شوهدوا على خطوط المواجهة في الحرب الروسية-الأوكرانية منذ عام 2014، ولدى الجانبين، مشيرًا إلى أن الظاهرة ليست بالجديدة على المنطقة، إذ تعود إلى القرن التاسع عشر، حيث كانت هناك وحدات تعتمد على مقاتلين أجانب في حرب الميليشيات، توظّف على نحو رئيس لإمكانية نفي الوقوف وراء الهجمات أو الارتباط بها. على سبيل المثال، وظّف الكومونولث الليتواني-البولوني القوزاك للاعتداء على الدولة العثمانية، في المقابل كانت الأخيرة تستخدم تتار القرم والقوقاز للردّ عليهما منكرةً وجود أي صلة لها بهما. وفي عام 2014 تعاملت روسيا بالمثل، عندما صرّحت موسكو بأنها لم تجتح شبه جزيرة القرم، كونها استخدمت مقاتلين متطوعين وأجانب.

وشدد ريكافيك على أن الفرق في مسألة المقاتلين الأجانب بين حرب 2014 والحرب الحالية 2022، يتمثل في أن الحرب الأخيرة تقليدية إلى حدٍ بعيد، لكن ثمة اهتمام من الجانبين بدعوة المتطوعين للقتال، مما خلق تنافسًا في هذا المجال لكسب المشروعية دوليًا، فإثر دعوات الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي المتطوعين الأجانب للقدوم من كافة أنحاء العالم للدفاع عن أوكرانيا، عملت روسيا في المقابل، وفي خضم محاولات عزلها غربيًا، على إظهار أن لها حلفاء مستعدين للدفاع عنها أيضًا. وعلى الجانب الأوكراني، يؤدي المقاتلون الأجانب دورًا أساسيًا، إذ أحدثوا فارقًا بالفعل في الكثير من الاشتباكات، وقد أعلن مستشار الرئيس زيلنسكي أن هناك ألف متطوع قاتل في صف الجانب الأوكراني خلال الحرب الحالية. لكن تجدر الإشارة إلى أنه في حال لم يكن هناك متطوعون ذوو خبرة عسكرية مسبقة قادرون على نقل خبرتهم إلى الجنود الأوكرانيين وباقي المتطوعين، لم يجرِ الاستثمار فيهم أوكرانيًا وتوظيفهم في الأعمال الروتينية، فإن وجودهم لن يُحدث أثرًا كبيرًا.

وفي إطار الإجابة عن سؤال مصير المقاتلين الأجانب في الصف الروسي بعد انتهاء الحرب، يرى ريكافيك أن هؤلاء المقاتلين الأجانب يتسببون في عدم الاستقرار السياسي في البلدان التي يستقرون فيها، مثلما تسبب بعض المقاتلين الفرنسيين، الذين قاتلوا مع الجانب الروسي عام 2014، في إحداث أعمال شغب خلال تظاهرات حركة السترات الصفراء في باريس (أيار/ مايو 2018)، كما حاول بعض الصرب الذين قاتلوا مع الانفصاليين في الدونباس، إحداث انقلاب في مونتينغرو إلا أنهم فشلوا، إضافةً إلى أن الكثير من المقاتلين السابقين في دونيتسك عام 2014، يظهرون على شاشات التلفزيون بوصفهم خبراء في الحرب الروسية-الأوكرانية، ويقدمون وجهات نظر منحازة إلى روسيا، مثلما حدث في إيطاليا.

أما المداخلة الثالثة، فقد افتتحها هاميش دي برتون-غوردون بالقول إن نمط الحرب الروسية التقليدية على أوكرانيا بدأ في التراجع بسبب التداعي التكنولوجي والعسكري والعقيدة القتالية الروسية التي تعود إلى القرن العشرين، وتفتقر إلى مقومات النجاح في القرن الحادي والعشرين، لهذا بدأ التركيز الروسي على ما يسمّى بالحرب غير التقليدية، وهي تعني جعل السكان المدنيين في جوهر الحرب وصميمها، إضافةً إلى استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية، لهذا يكون أثرها في المدنيين أكبر، بهدف جعلهم يستسلمون حتى يحذو العسكريون حذوهم، وهو ما تفعله روسيا في أوكرانيا. فإذا لم تتوافر الضوابط الأخلاقية ولا يجري الالتزام باتفاقيات جنيف، فإنّ الحرب غير التقليدية تُستخدم من أجل البقاء في السلطة، مثلما فعل بشار الأسد في سورية وبقي على رأس النظام بعد استخدام السلاح الكيماوي (غير التقليدي) حتى الآن، على نحو شجّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تكرار التجربة السورية في أوكرانيا.

وأخيرًا، رأى برتون-غوردون أن ثمّة استهدافًا روسيًا للعديد من المنشآت والمصانع الكيميائية في أوكرانيا من دون وجود أي هدف استراتيجي من وراء ذلك، إضافةً إلى تلويح روسيا بقدراتها النووية خلال الحرب على أوكرانيا، من ذلك ادعاء أنها رفعت حالة تأهّب قواتها النووية الميدانية. وبالانتقال إلى الحديث عن محطة زاباروجيا، الأكبر من نوعها في أوروبا والتي تملك ستّة مفاعلات نووية، أشار برتون-غوردون إلى أنها فقدت الأسبوع الماضي المصدر الذي يزودها بالقوة الكهربائية، ما يعني أن وسائل الأمان وأجهزة التبريد تحولت إلى مصادر الطاقة الاحتياطية، وانخفاض درجة الأمان في مفاعل نووي يشي بطبيعة الحال، بإمكانية وقوع كارثة نووية. مع صعوبة إمكانية رصد حالة المحطة ومدى توافر الصيانة فيها، بسبب السيطرة الروسية عليها منذ ستة أشهر، مما يثير القلق حولها، تشير بعض التقارير إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية سوف ترسل مفتشين إلى محطة زاباروجيا للتأكد من الحقائق، وهو أمر ضروري، خاصةً أن ثمة تقارير تشير إلى وجود متفجرات بالقرب من المفاعلات.