نظّمت دورية "تبين"؛ وهي الدورية الفصلية المتخصصة في الدراسات الفلسفية والنظريات النقدية التي يصدرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا؛ يومي السبت والأحد 14-15 أيار/ مايو 2022، ندوتها السنوية الثانية، والتي كانت تحت عنوان "الفلسفة السياسية المعاصرة: القضايا والتحولات".

اليوم الأول

ترأّست الجلسة الأولى أمل غزال، عميدة كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بالمعهد، وقدّم فيها عبد الله الجسمي ورقة عنوانها "أزمة الديمقراطية في الفلسفة السياسية المعاصرة"، متناولًا أزمة الديمقراطية وفقًا لآراء وتصورات بعض المفكرين الذين حمّلوها أسباب الأزمة، بينما قلة قليلة تناولت جوانب الأزمة الفعلية للديمقراطية. وركز الباحث على اعتبار أن الأزمة ليست في حقيقة الأمر متعلقة بالديمقراطية تحديدًا، لكنها أزمة النظام الرأسمالي وغياب الأطروحات الفكرية المناهضة والبديلة له، علاوة على تراجع الثقافة المدنية وبروز الشعبويات وتراجع النخب التقليدية في المجتمع، والآثار التي تركتها وسائط التواصل الاجتماعي، والاعتماد على اقتصاد السوق الذي لا يُقيم وزنًا للقيم والإنسان.

وشارك زواوي بغورة بورقة عنوانها "مسألة الشرعية في الفلسفة السياسية المعاصرة: تشارلز لارمور نموذجًا"، قام فيها بمناقشة وتحليل مقاربة الفيلسوف الأميركي تشارلز لارمور لماهية الفلسفة السياسية. وذلك بالاعتماد على النصوص التي قدّمها في هذا المجال، ومنها كتابه: "ما الفلسفة السياسية؟" (2020)، الذي تضمّن التمييز بين الفلسفة السياسية وفلسفة الأخلاق، وتأسيس منظور واقعي يناسب الليبرالية السياسية بما هي نظام شرعي ومحايد، يقوم على مجموعة من المبادئ منها: أخلاق الحد الأدنى، وذلك بهدف تجاوز الصراع والخلاف القائم بين التيار الليبرالي الفردي والتيار الجمَعاتي.

أما الجلسة الثانية فترأستها إليزابيث كساب، أستاذة الفلسفة بالمعهد، وتحدث خلالها رجا بهلول، رئيس برنامج الفلسفة بالمعهد، عن "العقل العام، الهوية والدين"، مناقشًا أطروحات كل من إيمانويل كانط وجون رولز؛ هادفًا إلى معرفة وجاهيتها، وإذا ما كانت منصفة حقًا تجاه الدين، وتجاه المواطنين المتدينين. وبحث أيضًا في مفهوم العقل العام عند رولز ومفهوم الاستخدام العمومي للعقل عند كانط. وكان مطمحه في ذلك التوصل إلى فهم أفضل لإشكاليات العلاقة بين الدين والسياسة والعقلانية، تلك الإشكاليات التي لا تزال مثيرة للجدل حتى في أزمنتنا الراهنة. وإثر ذلك قدم أدونيس العكرة ورقة بعنوان "المواطنية تضمن مكانة الدين في الفضاء العمومي داخل الدولة الديمقراطية".

واختتم اليوم الأول بجلسة ثالثة ترأسها محمد حمشي، الباحث في المركز العربي، قدّمت فيها يمنى طريف الخولي ورقة عنوانها "الفلسفة النسوية ضدّ الاستعمار والإمبريالية"، تناولت فيها "الفلسفة النسوية" عام 1970، التي ظهرت في أعقاب ما سُمّي الموجة النسوية الثانية، وفي قلب فوران ما بعد الحداثة، التي هي ذاتها ما بعد الاستعمار. فكانت من أقوى تجليات الفلسفة بعد الحداثية، وأعنف تمثيلات ما بعد الاستعمارية، وأشدها إصرارًا على فضح جرائم الاستعمار واستئصال شأفته.

اليوم الثاني

بدأت أعمال اليوم الثاني بجلسة أولى ترأسها رشيد الحاج صالح، مدير تحرير دورية "تبيّن"، وشارك فيها محمد الأشهب بورقة عنوانها "النظرية النقدية للعدالة في سياق التبرير، نموذج راينر فورست"، أبرز فيها مساهمة النظرية النقدية في صيغتها الجيدة مع فورست الذي يعدّ أحد طلبة يورغن هابرماس الذين طوروا النظرية النقدية في سجال نقدي مع أستاذه. فإذا كان هابرماس طور النظرية النقدية في إطار نقد علاقات التواصل المشوه، فإن فورست ينطلق من فكرة مفادها أن المجتمع هو مجموع علاقات التبرير الموزعة على نحوٍ غير متكافئ. وبناء عليه، فالنظرية النقدية التي قدمها الباحث هي محاولة لنقد علاقات التبرير في المجتمع باعتبارها علاقات غير متكافئة. فالظلم ليس هو مجرد توزيع غير عادل للخيرات الاقتصادية، بل هو أيضًا إقصاء للمعنيين بقواعد التوزيع من الحق في مناقشة هذه المعايير، أو بلغة فورست هو أقصاء للحق في التبرير.

وشارك منير الكشو بورقة عنوانها "الفلسفة المحافظة والنقد الراديكالي للحداثة السياسية"، دافع فيها عن الرأي الذي يعتبر الفلسفة المحافظة جزءًا من حركة نقدٍ ومراجعة لفكر التنوير، وتشترك مع الاتجاهات القومية والاشتراكية والدينية في نقدها للحداثة والتنوير والليبرالية. لكنها تختلف عنها في حدّة التحفّظات التي تبديها تجاهها والمشروع البديل الذي تطرحه للخروج مما أصطلح على وسمه بدرب الحداثة. لذلك عمل الباحث على تحديد أهم مبينات الفكر المحافظ الديمقراطي، ورصد ما يميزه من اتجاهات فلسفية تتداخل وتتراكب معه، في حين أنها تستند إلى مواقف وأفكار لا تنسجم دومًا مع التصورات والمقاربات التي تشكل النواة الصلبة لهذا الفكر والاتجاه الذي خطّه للممارسة السياسية للأحزاب المتبنية له، ونعني بذلك اختلافه عن النزعة المحافظة الرجعية والنزعة المحافظة الراديكالية.

وقد ترأس الجلسة الثانية والختامية من الندوة رجا بهلول، وقدّمت فيها إليزابيث كساب ورقة بعنوان "الفكر العربي السياسي ’المعاصر‘ ومحاولة تحقيب جديد له"، اعتبرت فيها أن الفكر السياسي العربي اليوم، بعد اندلاع الثورات، أصبح يركز على بناء الدولة الديمقراطية على أنقاض دولة ما قبل الثورات؛ فنحن اليوم على عتبة حقبة جديدة في الفكر السياسي العربي. وتساءلت الباحثة: ماذا بقي لنا من العقود الثلاثة التي سبقت الثورات في الفكر السياسي العربي؟ وما المواضيع التي استمرت أو تراجعت أو استجدت؟

واختتم الجلسة محمد الرحموني بورقة عنوانها "أنطولوجيا الإسلام الليبرالي أو الإسلام الأخير"، تناول فيها أنطولوجيا الإسلام الليبرالي، وذلك بالنظر في الجدل الذي أثير منذ عصر النهضة العربية الحديثة بشأن علاقة الإسلام بالحداثة عمومًا وبالليبرالية تحديدًا. وهو الجدل الذي ظل مرتهنًا في جزء كبير منه بتقلبات علاقة المسلمين بالغرب.