عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالتعاون مع معهد عصام فارس للسياسات العامة والعلاقات الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت ندوة بعنوان "خمس سنوات على الثورات العربية: عسر التحوّل الديمقراطي ومآلاته" في الفترة 21 - 23 كانون الثاني/ يناير 2016.

ألقى كلمتي الافتتاح كل من طارق متري عن معهد عصام فارس ومحمد المصري عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. أشار متري إلى أهمية نقاش تعريفات التحول الديمقراطي والتباساته وسياقاته في بلدان متميزة. كما أوضح سعي المؤتمر إلى تعزيز روح التأمل الهادئ في دوافع التحول والعوائق التي وضعت في طريقه، ولاحظ أن الأوراق لم تجازف في الحديث عن المآلات وحاذرت أن تقع في "القراءة القيامية" لاضطرابات لم ينجل غبارها، على الرغم من أن هذه الأوراق لم تخف انحيازها للثورات. ونبّه متري إلى ما في برنامج المؤتمر من أولوية للداخلي والإقليمي على الدولي، دحضًا للمزاعم بأن مصائرنا يصنعها الآخرون، "فمعظم الأوراق ينكب على فهم أوضاع بلداننا في جوانب ثلاثة، هي: ما خلفه الاستبداد من خراب وعنف، والمشكلات البنيوية في بلداننا خصوصًا تأجيج العصبيات دون الوطنية، وإدارة المرحلة الانتقالية نفسها".

أما محمد المصري فقال إن عام 2011 كان تاريخيًا، "إذ أطاح مقولات الركود والاستثناء وعدم انخراط الأجيال الجديدة وسواها الكثير من الموروثات والمسلمات". كما أشار إلى أن الثورات العربية أذهلت العالم والمراقبين والسياسيين في رقيّها ونجاح سلميتها - في أكثر من موضع - في إدخال الأنظمة في مأزق وتحقيق أهداف المواطنين، على الرغم من بعض الفشل الناجم عن عنف الأنظمة المفرط. ورأى المصري أن عقد المؤتمر تأكيد على أن مرحلة تاريخية جديدة في طور التأسيس من منطلق الانحياز للانسان ورقيه وسيادته، ومن منطلق دولة المواطنة وحق المواطن في الحرية والرفاه والاستقرار.

وقدّم المصري عرضًا سريعًا عن نتائج المؤشر العربي لعام 2015. وكشف أن أغلبية الرأي العالم العربي لا تزال تؤيد الثورة رغم تدني نسبة التأييد مع مرور الأعوام، وأن الرأي العام العربي يرى أسبابًا متعددة للثورات، بتعدد المستجوبين.

ولفت المصري إلى أن تدني نسبة تأييد الثورة بعد مرور 5 سنوات تتصف بتركز هذا التقويم السلبي عند الفئات العمرية المتقدمة، في حين يتركز التقويم الإيجابي بازدياد التعليم وفي الريف قياسًا بالمدن. ولفت أيضًا إلى أن هذا التقويم السلبي لم يمنع المواطنين من أن يكونوا متفائلين، ويروا أن الربيع العربي يمر بحالة تعثر، وسيحقق أهدافه في نهاية المطاف، وأن أسباب هذا التعثر تتوزع على التدهور الأمني والتدخل الخارجي والتدهور الاقتصادي والحركات المتطرفة وفلول الأنظمة وسلوك الاسلام السياسي والعلمانيين.

إعادة قراءة

بعد الافتتاح، جرت جلستان متوازيتان، الأولى هي الحلقة الأولى من عنوان "الثورات العربية بعد 5 سنوات؛ إعادة قراءة وطرح أسئلة"، فيما جاءت الثانية بعنوان "حركات الاحتجاج في سياق الثورة العربية".

في الجلسة الأولى، قدّم الباحث مولدي الأحمر دراسة بعنوان "الثورة التونسية والتحوّل الآخر: الموارد والاعتبارات والقيم"، قارن فيها بين مفهوم الحالة الانتقالية في الكيمياء والعلوم السياسية. ففي الكيمياء، يشير هذا المصطلح إلى سلسلة عمليات تسير سببيًا مفضية إلى وضعية جديدة إيجابية لا تترك إمكانًا لفكرة التراجع. أما في العلوم السياسية، فثمة احتمالات للنكوص والثورة المضادة، واحتمال ألا تؤدي الحالة الانتقالية إلى الديمقراطية، واحتمال قيام حالة كيفية جديدة. 

جاءت المساهمة الثانية من دينا الشرنوبي من مصر، بعنوان "ثورة مصر وأثرها في تكوين ذوات شابة جديدة". وعرضت مراحل استيقاظ الشباب على السياسة في مصر، وبداية أول حركة شبابية مستقلة في 2008، بينما كانوا قبل ذلك يلتحقون بأحزاب الكهول.

جاءت المداخلة الثالثة بعنوان: "الربيع العربي والتحول الديمقراطي: ملاحظات حول التجربة الليبية"، لمصطفى التير، عرض فيها تطورات ما جرى في ليبيا من خروج الشباب ثم الكبار، ورد النظام العنيف على نحو يختلف عن تونس ومصر، مع إشارة إلى أن الثورة الليبية لم تكن صناعة ليبية خالصة.

وأشار التير إلى أن القمع أدى إلى عكس المرجو منه، إذ ازداد اشتعال الانتفاضة، لافتًا إلى دور الجزيرة ودور القوات الدولية وإلى ما تكوّن بعد انتهاء الحرب من جمعيات مجتمع مدني قبل نشر قانون ينظم هذا المجال، وإلى انتشار الكيانات السياسية بأسماء متقاربة وأحزاب مغرقة في محليتها من دون أيديولوجيا تميزها من غيرها.

كانت خاتمة الجلسة مع حمزة المصطفى، بمداخلة عنوانها: "الثورة السورية من المدنية إلى النزاع المسلح"، أشار فيها إلى حيرة المراقب في توصيف حصيلة 5 سنوات من الثورة السورية، حيث نجد أنفسنا أمام نظرات عديدة إلى الحدث، وكل له ما يبرره. فثمة من يراها ثورة، ومن يراها حربًا أهلية طائفية، وأزمة جهادية، وساحة صراع إقليمي مع تدخلات مباشرة، وأزمة دولية ذات شقين، أولهما اللجوء والثاني التدخل العسكري.

ورأى الباحث أن استخدام عنف سياسي يستبطن العنف الطائفي كان سياسة اتبعها النظام طلبًا لمزيد من العنف والتمرد المسلح، الذي يؤدي إلى الزج بالجيش ويبرره. ورأى أن النظام هو المسؤول الحقيقي والأول عن العنف، على الرغم من وجود أسباب عدة أخرى، مثل النخب المعارضة المأزومة، وعدم ردع النظام بتدخل خارجي، وغياب سلطة الدولة عن كثير من المناطق وما أثاره ذلك من فوضى وعمليات إجرامية.

أما الجلسة الثانية الموازية، فقد تحدث فيها حيدر سعيد من العراق عن "حركات الاحتجاج في عراق ما بعد الاستبداد: تحدي الدولتية"، متابعًا موجات الحركة الاحتجاجية التي اندلعت في العراق بعد الاحتلال الأميركي وسقوط نظام صدام حسين في عام 2003، وأهمها تظاهرات 17 و25 شباط/فبراير 2011 في السليمانية وبغداد على التوالي، ثم في مدن أخرى كثيرة، تأثرًا بالربيع العربي. 

وفي دراسة الخوف من التغيير السياسي في الجزائر، حاول عبد الناصر جابي معرفة الصعوبات التي تواجه التغيير السياسي في الحالة الجزائرية التي عرفت كيف تتجنّب موجات التغيير العربي العاتية في سنة 2011، "وهي الصعوبات التي كانت حاضرة كذلك قبل هذا التاريخ بمناسبة أحداث أكتوبر 1988، والتي أنتجت نوعًا من التغيير في واجهة النظام السياسي، من دون المس بالدولة العميقة التي بقيت بعيدةً عن تأثير هذه الأحداث التي أنجزت، على الرغم من ذلك نوعًا من التعددية الحزبية والإعلامية، وفتحت مجال العمل الاقتصادي الحرّ بدل الخيار "الاشتراكي" الذي كان سائدًا، من دون أن تمسّ أساسيات قواعد اللعبة السياسية الأساسية التي بقيت من دون تغيير، ما جعل الحالة الجزائرية تبدو حالة مستعصية مقارنةً مع محيطها المغاربي.

وتناول الدكتور عبد الهادي العجمي من الكويت، في ورقته "الحراك الكويتي والربيع العربي - ديناميك الإيحاء الجمعي والخروج من البراغماتية"، مدى تأثّر الكويت بالإيحاء الجمعي لحراك دول الربيع العربي، وأسبقية الحراك الكويتي على حالة الربيع العربي. وقدم في ورقته فرضية أنّ الحراك السياسي في الكويت خسر الكثير على المستوى الفعلي والواقعي، نتيجة لآثار الربيع العربي الإيحائية التي قادت إلى ارتفاع سقف المطالب مدعومة في فترة من الفترات بالنجاحات التي يحقّقها الربيع العربي. لكنّها اليوم ومع ما تعانيه دول الربيع، وجدت نفسها في مواجهة أمام ما تملكه من قدرات واقعية؛ فقوة السلطة، وموجة الثورة المضادة للربيع العربي في العالم العربي، أنتجتا مشهدًا بدت فيه المعارضة عاجزة عن خلق واقعٍ جديد أو بديل يعيد إليها ما فقدته".

وختامًا، تناولت كارمن جحا من لبنان في ورقتها "أخطبوط الطائفية: ديناميكيات التعبئة والشرذمة في نظام تقاسم المحاصصة الطائفية اللبناني"، التحديات التي تعترض التعبئة الجماهيرية في مواجهة حركات الاحتجاج غير الحزبية؛ أي الحركات التي لا تقودها أو تنظمها الأحزاب أو الائتلافات السياسية. 

شهدت أعمال المؤتمر في الفترة المسائية من يومه الأول جلستين متوازيتين، أولاهما بعنوان "الثورات العربية بعد 5 سنوات: إعادة قراءة وطرح أسئلة"، بتناول فيها حفيظ هروس من المغرب، في مداخلته "سجال الهوية وأثره في عسر الانتقال الديمقراطي في المرحلة الانتقالية - حالتا مصر وتونس: دراسة مقارنة"، مآلات الحراك العربي بعد مرور خمس سنوات على انطلاقه، فوجدها محيِّرة، إذ آل بعضها إلى صراعات داخلية أهلية، أو قبلية، أو طائفية، "بينما نجحت التجربة التونسية في تحقيق قدرٍ من الانفراج نحو تحقيق التحول الديمقراطي، وانتهى الوضع في التجربة المصرية إلى الانقلاب على التجربة الديمقراطية الوليدة والتقهقر إلى عهد التسلط والاستبداد".

وقدمت ليندا مطر ورقة بعنوان "سورية: السياسات الاقتصادية في زمن الصراعات"، فرأت أن الحرب مزقت الاقتصاد السوري من دون أي بوادر لحل سياسي، مع عدوانية عسكرية متصاعدة. وأدت المخاطر العالية وعدم اليقين اللذان يرخيان بظلالهما على الاقتصاد السوري إلى صعوبة تنفيذ الحكومة السورية أي نشاط أو تعامل اقتصادي بيسر وعلى نحو مجدٍ كما في الظروف الطبيعية. 

وفي مداخلة بعنوان "ثورة وإعادة انبعاث في سورية"، قالت ويندي بيرلمان إن التعريفات التقليدية بين الثورة واستبدال الشعب تساوي نظامًا سياسيًا معيّنًا بآخر، لكن هذا المنظور قلل من قيمة ركائز الهيمنة النفسية والثقافية والعاطفية.

وشارك في الجلسة الثانية "الاتصالات والإعلام والثورات العربية"، عمر البزري بمداخلة عنوانها "أي دور للعلوم والتكنولوجيا والابتكار في بلدان الربيع العربي؟ أي ملجأ بعد فشل الخطط القديمة؟"، قدم فيها أطروحات عدة، أولها التسليم بسوء أوضاع الشعوب في بلداننا، وثانيها أن أحد الأسباب الرئيسة لذلك هو الفشل الفادح في نقل واستخدام وتوطين المعارف، خصوصًا العلمية والتكنولوجية، وثالثها أن الاحتجاجات في سورية بدأت في الجزيرة خصوصًا بسبب الجفاف الشديد على مدى سنوات، والتي رافقته ملوحة الأرض، ما أدى إلى تعطيل عدد كبير من المشروعات الزراعية، الأمر الذي أحدث هجرة إلى حواشي المدن الكبيرة، وانهيار شبكة الدعم الاجتماعي، ما أدى إلى زيادة استعداد الشباب للتسلح مقابل المال، ما يعني صلةً متينة بين المعرفة وما نعانيه اليوم، ويمكن أن نعانيه في المستقبل.

وأتت المداخلة الثانية بعنوان "تطور الإعلام حول سورية: الوجه المزدوج للمساعدات الخارجية"، قدمتها بيلي جاين براونلي، وتناولت فيها، بالإشارة إلى سورية، ما يعنيه التطور الإعلامي، وكيف جرت مساعدة التطور الإعلامي في الشرق الأوسط من الخارج، وبنية المعونة الإعلامية التي قدمت في سورية وبخصوصها، وذلك في محاولة للإجابة عن أسئلة تتعلق بما جرى في سورية من تحولات، وما إذا كانت المساعدة الخارجية في المجال الإعلامي ساعدت في صناعة الانتفاضة في سورية.

وقدمت سالي حمارنة مداخلة بعنوان "ظاهرة التواصل الجماهيري في الحواضر العربية: الوسائل والتحديات"، تناولت فيها الربيع العربي بوصفه ظاهرة تواصل جماهيري متبادلة، مثلها نزول الشباب إلى الشوارع بأعداد كبيرة. وعرضت لدور الإعلام في نحت البيئة المدينية في التاريخ الحديث، خصوصًا دور الصحافة والبث في خلق الصالونات والمقاهي وإغناء الحياة الاجتماعية العامة، ونشوء الأيديولوجيات الحضرية، واختطاف الحياة الاجتماعية من خلال ظواهر مثل الأوتوستراد وسواه، تلغي الفراغات في المدينة.

ديمقراطية يتيمة

وتابع المشاركون في المؤتمر وجمهوره بثًا لمحاضرة غسان سلامة المصورة، الذي لم يتمكن من الحضور، بعنوان "ديمقراطية يتيمة" أشار فيها إلى أنّ هنالك شعور في بلاد العرب أن الديمقراطية يتيمة، تكاد تكون بلا أهل، على الرغم من اتجاه العرب فصيلًا بعد فصيل إلى الدعوة إليها وإدخالها في صلب إعلاناتهم، سواء كانوا شيوعيين أم قوميين أم من الإسلام السياسي.

لكنّ قصة الديمقراطية، كما يوضح سريعًا، ليست قصة تبنٍّ شكلي، بل قصة إقامة مؤسسات ديمقراطية، وليست مجرد طريقة وصول إلى السلطة بل إصرارٌ على العيش في الشرعية الدستورية وتداول السلطة وضمان الحريات. وبذلك تكون هدفًا لا وسيلة، ويكون أهلها قليلين وهامشيين كما كانت على الدوام في بلاد العرب.

قدّم سلامة بعد ذلك نوعًا من السرد التاريخي لحضور الديمقراطية في التاريخ العربي الحديث من العثمانيين وإصلاحاتهم حتى اليوم، مرورًا بإيران ومشروطتها والخديوي إسماعيل ولحظة الليبرالية بعد الاستقلال وانقلابات العسكر وأنظمة الحزب الواحد. وهي مراحل غالبًا ما كان فيها مناصرو الديمقراطية رهطٌ من الوجهاء الذين يقلّدون أوروبا تقليدًا فارغ المضمون. وبهذا المعنى فإنّ أهل الديمقراطية كانوا أقليّة بخلاف أهل القومية أو الإسلام أو الاشتراكية، فما بالك بأهلها في عهد الجمهوريات الوراثية ونُخبها الجديدة باستحواذها الفئوي على الدولة التي باتت إرثًا خاصًّا يُورَّث.

هكذا تراكمت العقبات التي منعت من اللحاق بالموجة الديمقراطية التي بقيت محلّ خوفٍ من الإسلاميين ومحل إرجاءٍ لها بدل أن يكون الإلحاح عليها أهم من المخاوف التي قد تأتي بالإسلاميين إلى سدّة السلطة. وبذلك ربما كان حضور الديمقراطية في المنطقة لا نتيجةَ المطالبة بها بل نتيجة الحاجة إليها لحلّ أزمات قائمة، أي أنها ديمقراطية بلا ديمقراطيين. ديمقراطية بلا أهل. ديمقراطية يتيمة.

وكان ختام اليوم الأول مع الشيخ عبد الفتاح مورو، أحد أبرز وجوه الحركة الإسلامية التونسية، مقدمًا محاضرة بعنوان "من إطاحة الاستبداد إلى حماية التحول الديمقراطي: قراءات في النموذج التونسي". يرى مورو أن خمس سنوات ليست كافية للتقييم، وقال إن الإسلاميين هم أول متهم بالسعي إلى نقل الحراك الشعبي إلى العالم العربي بعد الثورة في إيران، لذا عطّل حراكهم، وما حصل في الجزائر في التسعينيات خوّف الناس من الإسلاميين.

رأى مورو أن الطبقة المثقفة كانت ضمانًا للحراك الثوري الذي تفادى الصدامات الدموية، من أجل ألا يصل الشعب إلى تقويض الدولة والتقاتل على الطريق. وأضاف: "بدأ الإسلاميون يتحدث عن قضية لم تطرح مسبقًا في تونس، وهي مسألة تطبيق الشريعة، والدستور هو ما وضع حدًا للجدال حول أي مجتمع يريده التونسيون".

اليوم الثاني

انطلقت أعمال اليوم الثاني بجلستين متوازيتين جاءت واحدةً بعنوان "التيارات السياسية والثورات العربية: أدوارٌ واتجاهات" شارك فيها سلامة كيلة بمداخلة عنوانها "اليسار العربي في الثورات العربية وتطوراتها"، ونجوان الأشول بورقة بعنوان "حركات الإسلام السياسي والعملية الديمقراطية". وقدم خليل العناني المداخلة الثالثة بعنوان "محدّدات نجاح الحركات الإسلامية في الثورات العربية".

كانت الجلسة الأخرى بعنوان "التيارات السياسية والثورات: أدوار وتحولات"، وتحدث فيها زولتان بال، فقدم ورقة بعنوان "كيف يؤسس سلفيو لبنان سيطرتهم الدينية في مرحلة ما بعد الثورات العربية؟".  وتكلم محمد علي عدراوي عن "السياسات الخارجية للحركات الإسلامية"، فعرض كيف تفهم الحركات الإسلامية العلاقات الدولية وكيف تمارسها. 

جاءت الجلستان المتوازيتان التاليتان بعنوان واحد هو "الدولة والثورات: مواجهة واحتواء". ترأس إحداهما بشار حيدر وألقى فيها مهدي مبروك مداخلة بعنوان "الدولة العميقة والتحوّل الديمقراطي في تونس: افتراضات أوليّة". ألقى بعد ذلك ولد باهي بون مداخلة بعنوان "محنة الربيع العربي: الدولة ضد التغيير". وجاءت بعد ذلك مداخلة محمد العجاتي "بنية الدولة العربية والتحول الديمقراطي: نماذج تونس ومصر والمغرب".

وقدمت في الجلسة ذاتها مليكة الزخنيني مداخلة بعنوان "أزمة الدولة الوطنية ومآزق الديمقراطية في تجارب ما بعد الحراك: الدول المغاربية نموذجاً".

ترأست منى حرب الجلسة الأخرى، وشارك فيها مايكل هدسون، الذي تساءل: "هل تصمد الدولة العربية بعد الثورات؟ بحث في أزمة الدولة". وتحدث محمد الشيوي عن "مصر والتحول من داخل الإستبداد". وختم الجلسة دانييل براون، متسائلًا: "إلى أيّ حد تستطيع الملكيات العربية النأي بنفسها عن الثورات؟" فرأى أن الرؤساء لا يبنون علاقات مع المواطنين، وأن البعض يظن أن الأنظمة الملكية أفضل من أنظمة أخرى، فالأردنيون يفضلون بقاء الملكية على أن تتحول بلادهم إلى سورية جديدة.

وقال إنّ كلا النظامين الجمهوري والملكي يكشفان عن نماذج متشابهة من آليات التعبئة الشعبية، أو المؤسسية أو الثقافية، ويبرز نموذج العمل الجماعي المشاكس في الأردن، على الرغم من أنه لم يؤد لتغيير النظام، فإنه أكثر استدامةً، ويستند إلى شبكات ناشطين أكثر كثافةً ممّا كانت عليه الحالة في عامي 2010 و2011 في تونس.

آخر جلستين متوازيتين أخريين في اليوم الثاني من الندوة، كانت أولاهما بعنوان "الجيش والثورات: إعادة رسم الأدوار" والجلسة الموازية تحت عنوان "التحول الديمقراطي: مقاربات وأسئلة". 

تلت جلسات اليوم الثاني حلقة نقاشية مع شباب شاركوا في الثورات العربية، قدّم فيها هؤلاء الشباب شهادات عن الثورة ولكن أيضا قراءاتهم لتحولات الثورات ومآلاتها. وكان ختام اليوم الثاني مع جيلبير الأشقر، الذي حاضر تحت عنوان: "هل يستطيع الشعب إسقاط النظام والدولة لا تزال قائمة؟ تأمل في المعضلة الرئيسية للانتفاضة العربية". وأشار إلى أن الانتفاضات انطلقت في مصر وتونس، وميزتهما أنهما بلدان "نيو ميراثيين" يقعان في منزلة بين المنزلتين، فلا هما دولتان ميراثيتان، ولا حديثتان بالمعنى القانوني والديمقراطي، لكنهما تتميزان عن سورية وليبيا بأن لجهاز الدولة استمرارية، ولم يقم الحكام بإعادة تركيبه عن بكرة أبيه. وهذا ما سمح في مصر وتونس بإسقاط النظام وبتمييز هذا النظام عن الدولة، الأمر الذي لم يكن ممكناً في سوريا وليبيا بطريقة سلمية.

ولإسقاط النظام من دون انهيار الدولة، يقترح الأشقر إستراتيجيا تقوم على الهيمنة المضادة من داخل جهاز الدولة. ويرى أن هذا يتطلّب تشخيصاً دقيقاً للنظام، وتكنيساً للأوهام، وتشخيصاً لآليات النظام وأدواته داخل الدولة، وتوحيدًا للقاعدة الاجتماعية من أجل عدم ذهاب القوى المرشحة للثورة إلى الطائفية والقبلية.

مآلات الربيع العربي

قدمت في اليوم الثالث من الندوة محاضرتان عامتان. ألقى الأولى الناشط المصري خالد العلي من مصر بعنوان "التحديات التي تواجه الربيع العربي"، وقال فيها إن المنطقة تمر بوضع إنساني عبثي ومرعب ليس له ما يبرره فالصراع أنتج موجة من اللجوء علينا البحث في حلول جذرية لها، ومعالجة تداعياتها. وأكد انحيازه إلى الرأي القائل إن الثورات لم تتوقف، وإن التحركات الجماهرية ستنفجر ثانية.  واعترف بأنه فوجئ بشخصيات اتخذت بعد الثورة مواقف معارضة لكل ما كانت تقوله قبل الثورة، فتراجعت الثقة بها وبشخصيات كانت تسير في الثورة فوصلت إلى السلطة وصارت تمارس ممارسات نظام مبارك. وقال إن تسمية "المرحلة الانتقالية" خاطئة لأنها مرحلة تأسيسية تنقل البلاد من مرحلة الثورة إلى مرحلة تثبيت الشعارات، بينما رأيناها مرحلة لوأد شعارات الثورة. ووصف ميدان التحرير اليوم بالثكنة العسكرية، خوفًا من روح ثورة 25 يناير.

وألقى المحاضرة الثانية أحمد دلّال من لبنان بعنوان "اللاهوت السياسي لتنظيم داعش"، بدأها بالقول إن الخوف حلّ محلّ الأمل في ثورات الربيع العربي، وإنَّ داعش جسّدت هذا الخوف كقوة ثورة مضادة. وتطرّق إلى عدم دقة ترجمة "ثيولوجيا" بـ "لاهوت" في السياق الإسلامي، ورأى أن لدى داعش سردياتها الثيولوجية السياسية التي تبني وتشكّل تدخلاتها في العالم. وتناول إسلاميّة داعش، وأشار إلى أنه لا يمكن إنكارها، مبيّنًا في الوقت ذاته أنّ الانتماء إلى الإسلام هو أمرٌ محلّ جدال ونزاع، وأن إسلام داعش يجسّده مسلمون محدّدون لا يشاركهم جميع المسلمين قِيَمهم وفهمهم. والتفت الباحث بعد ذلك إلى الطرائق والمفاهيم التي تستخدمها داعش: ممارساتها النوعية أيديولوجيًا وسياسيًا وعسكريًا، واقتصاداتها، وعلاقاتها مع المجموعات الأخرى، واستخدامها للتقنية ومنتجات الحداثة، واستخدامها للعنف. وحاول أن يستشف مشروع داعش من مرجعيّاتها وإصداراتها مثل أعمال أبي مصعب السوري ولسان حالها "دابق"، وكتب مثل "إدارة التوحش" و"المذكرة الإستراتيجية". وتوصّل في النهاية إلى أنّ لداعش مشروعًا ليس نقده بالأمر البسيط، إذ لا يكفي مجرّد نقد العنف والقسوة، ولا بدّ من تبيّن الثيولوجيا السياسية التي أقامتها ولوَتها باتجاه معيّن.

وعقدت جلستان صباحيتان متوازيتان، جاءت أولاهما بعنوان "من الثورة إلى مأزق التحوّل الديمقراطي"، ترأسها سعود المولى وألقى فيها ريموند هينبوش من إسكتلندا محاضرة بعنوان "في تفسير المسارات والتطورات المتباينة للانتفاضات العربية وفهمها في سورية ومصر وتونس". وجاءت المداخلة الثانية لمراد المهني من تونس بعنوان "القوى الثورية في مواجهة التحوّل الديمقراطي: قراءة سوسيوسياسية للمثال التونسي"، والثالثة لمحمد عزت رحيّم من بعنوان "خمس سنوات على الثورة: مجالٌ عامّ جديد في مصر؟".

وكانت الجلسة الأخرى بعنوان "في معوقات التحول الديمقراطي في الدول العربية"، برئاسة حازم الأمين، تحدثت فيها ليلى قبلان وعمرو قطب في ورقة مشتركة عنوانها "التحالف بين القوى العلمانية والإسلامية في مرحلة ما بعد الثورة: حالتا مصر و تونس". وقدّم عبد الوهاب أفندي ورقة بعنوان "حالة مناعة مرتدّة: تجليات المرض العربي في تنازعات ما بعد الربيع العربي"، ,اردفه الحسن بن نجيم بورقة عنوانها "قراءة حول عسر التغيير داخل الفضاء العربي"، وتلاهكا جوهر الجمّوسي بمداخلة عنوانها "العنف السياسي الممنهج عبر الشبكات الإلكترونية ومعوقات التحول الديمقراطي في بلدان الثورات العربية".

ثم انعقدت جلستان متوازيتان جديدتان تحملان العنوان نفسه: "مأزق الانتقال الديمقراطي: دور البنى الاجتماعية". ففي الجلسة الأولى، التي رئسها ناصر ياسين، قدمت هبة رؤوف عزت ورقة عنوانها "بين صحوة القبيلة وسطوة المدينة: قراءة في مشهد القرون الوسطى الجديدة". وقدم مازيار غيابي دراسة بعنوان "دول بلا شعوب: الحرب الأهلية ونزوح السكان في الشرق الأوسط". كما قدمت ريهام خفاجي ورقة بعنوان "الهويات الفرعية في المجتمعات العربية، الغياب المتوهم والحضور المؤلم".

ترأس الجلسة الأخرى شارل حرب وشارك فيها نعيم شلغوم من الجزائر بمداخلة عنوانها "تأثير السياق الاجتماعي في مسار التحول الديمقراطي في ظلّ تحولات الحراك العربي الراهن: قراءة سوسيولوجية في واقع التجربة الجزائرية"، وعصام الخفاجي من العراق بورقة عنوانها "المدن والبلدات والمهمّشون في السباق إلى دمشق"، ورباب المهدي من مصر بمداخلة تحت عنوان "الانتقال الديمقراطي وخواص الطبقة الوسطى العربية".

في الجلسة الأخيرة في المؤتمر التي حملت عنوان "مسارات الثورات العربية: الاستقطابات الإقليمية والدولية"، وترأسها رامي خوري، قدم ياسر جزائرلي المداخلة الأولى بعنوان "احتواء الثورات العربية والحفاظ على النظام الدوليّ"، ثم قدّمت فيليسيا براتو وفؤاد بوزين الدين مداخلة مشتركة بعنوان "التهديدات الخارجية للانتفاضات العربية: مفارقات بين رؤى العالم المستقر وغير المستقر". وأتت بعد ذلك مداخلة موريل أوزبورغ "الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: المتفرّج العاجز والدور غير الفعّال في نشر الديمقراطية أو تحقيق الاستقرار". أما المداخلة الأخيرة في المؤتمر فكانت لنتاليا برينكوفا بعنوان "المقاربة الروسية للفاعلين غير الحكوميين في المشرق العربي خلال الربيع العربي"، تناولت فيها نهج روسيا حيال منظمات غير دولتيّة، مثل حزب الله وحماس، وتغيّر سياسة روسيا في الشرق الأوسط وموقفها من الربيع العربي، مع الإشارة إلى أنّ موسكو تُبدي ارتياحًا أكبر عند التعامل مع الدول والحكومات.