في مناسبة الذكرى السنوية الأولى لانطلاقة انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر اللبنانية، طرح المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات – فرع بيروت المسألة اللبنانية الراهنة بأزماتها المختلفة في ندوة افتراضية امتدت ثلاث جلسات، عقدها عبر تطبيق "زووم" الافتراضي في ثلاثة أيام، بين 13 و15 تشرين الأول/أكتوبر، عنوانها "مستقبل الوضع اللبناني وسُبل الخروج من الأزمة". 

واستكمالا للندوة، عقد المركز جلسة نقاش رابعة، في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، بعنوان "انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر والاغتراب اللبناني: بين الواقع والمرتجى"، شارك فيها أكاديميون وباحثون. 

إمكانية تغيير

شارك في الجلسات الثلاث الأولى نخبة من المثقفين والإعلاميين والأكاديميين والخبراء في السياسة والاقتصاد، اجتمعوا لرسم خريطة طريق لولوج المسار التغييري الإنقاذي اللبناني، بين الإنطلاق من تغيير النظام الطائفي وتفكيكه، والاحتكام للمزاج الشعبي الجديد بانتخابات نيابية مبكرة، وتقديم الإنقاذ الاقتصادي ليكون مدخلًا للتغيير السياسي المتدرج.

انعقدت الجلسة الأولى في يوم الثلاثاء 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، وعنوانها "هل هناك إمكانية لتغيير النظام الطائفي في لبنان، وهل هذا التغيير هو المسار الإلزامي للخروج من الأزمة؟".

قدم للجلسة خالد زيادة، مدير فرع بيروت في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مرحبًا بالمشاركين، ثم تولى بول طبر، أستاذ علوم اجتماعية - علم بشريات مشارك في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت ومدير معهد دراسات الهجرة في الجامعة اللبنانية الأميركية، إدارة الجلسة.

بدأت الجلسة الأولى بمداخلة مستفيضة قدمها أنطوان مسرّة، العضو السابق في المجلس الدستوري في لبنان ورئيس كرسي اليونسكو لدراسة الأديان المقارنة والوساطة والحوار في جامعة القديس يوسف، قائلًا إن "الطائفية" ليست مفهومًا علميًا ولا اطارًا حقوقيًا، واثباتًا لذلك، في المادة 95 من الدستور، هناك طائفية وطائفية سياسية، ما يعني ضرورة التوضيح والتفريق بين الكلمتين. وبحسبه، ننتقد المحاصصة والفساد وفي الوقت نفسه تطالب كل طائفة بحصة وموقع وحقوق، وهذا يعني أننا مُبرمجون أيديولوجيًا على نمطية ذهنية أو على فساد فكري، وبدلاً من ذلك، يتوجب المطالبة الشاملة بتطبيق المبادئ البديهية في الدستور اللبناني والممارسة الديمقراطية.

يرى مسرّة أن الطائفية مشكلة عربية، ومشكلة صهيونية أيضًا، "ففي كل بلد عربي مشاكل مساواة ومشاركة بدرجات متفاوتة. وفي الأيديولوجيا الصهيونية، تم تجاهل التعددية بالتهجير وتوطيد هوية دينية في مساحة جغرافية. وعندما تتحقق المشاركة والمساواة في المجتمعات العربية وفي المنطقة، يزول كثير من العوائق لبنانيًا".

يتكلم مسرّة على قاعدة التمييز الإيجابي، فيرى أن تطبيق هذه القاعدة يتطوّر "بفضل تعميم المساواة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المجتمع". يضيف: "لم يكن الوضع مؤاتيًا منذ عام 1920، وتطوّر بشكل كامل لغاية اليوم، حيث تتوفر كفاءات عالية في كل الطوائف بدون استثناء. لكن يتم تطبيق القاعدة بأسوأ الممارسات الزبائنية، عملاً بمقولة أحد السياسيين: طالما أن النظام طائفي نريد حصتنا!"

يختم مسرّة قائلًا إن المعضلة الأساسية في لبنان اليوم هي السيادة، أي الدولة التي تتمتع بكامل الصفات الملكية وأبرزها احتكار القوة المنظمة. وعندما تتحقق السيادة التي توفر الأمان النفسي للجميع، يمكن اجراء تغييرات هي كلها رديفة بالنسبة إلى السيادة.

صوّبنا في الاتجاه الخطأ

ثم قدم الأكاديمي والمؤلف محمد علي مقلّد مداخلته، فقال إن مهدي عامل (حسن حمدان) هو أكثر من عبر عن رأي اليسار اللبناني في الطائفية، هذا اليسار الذي قاتل ضد الطائفية أكثر من نصف قرن وانتهى إلى ما انتهى إليه اليوم.. فهل يعني ذلك أن نضاله كان خطأ؟ أم أن النظام في لبنان أقوى من العلمانيين؟

برأيه، "كنا نصوب على عدو غير موجود، فالطائفية ليست مرضًا، بل ظاهرة تنتمي إلى تنوع المجتمع، وهذا موجود في بلدان أكثر تنوعًا من لبنان، مثل أميركا والهند، تنوع لغوي وإثني وديني، فلماذا نجحت هذه الدول في تخطي معضلة الطائفية ولم ننجح نحن؟".

يسأل مقلّد: "هل الطائفة الشيعية هي المستفيد من تسمية شيعي وزيرًا للمالية؟ كلا، بل الثنائي الشيعي هو من يستفيد من ذلك، لأن النظام لا يمثل الطوائف، بل رؤساء الطوائف هم المستفيدون، ولنتذكر أن ميشال شيحا قال قبل الاستقلال إن لا ضير ألا تتمثل الطوائف كلها في الحكوم.، فهذا النظام اليوم هو نظام محاصصة طائفية، ويمثل استمرارًا لنظام الملل العثماني، أي أن الحصص اليوم لا تتوزع على الطوائف، بل على ممثلي هذه الطوائف الذين يستخدمون المشاعر الطائفية سلاحًا".

يرى مقلّد ضرورة في الانتقال من نظام المحاصصة الطائفية إلى نظام دستوري، "فنظامنا يشكو الاستبداد، شأنه شأن أي نظام عربي، لكن الاستبداد في لبنان يكمن في التلاعب بالديمقراطية، منذ أيام المكتب الثاني. وليس الحل إلا تطبيق القوانين والدستور. دستورنا ديمقراطي لا ينص على دين الدولة، وكان أجدى وأقل كلفة لو وجهنا نضالنا لتعديل مواد معينة في هذا الدستور، تكرس المحاصصة بين الطائفيين كالمادة 95، بدلًا من المطالبة بتغيير النظام".

ويختم مقلّد بالقول إن لا إصلاح في البلاد إلا في تطوير الدستور وتطبيقه، "وهذا ما طالبت به ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر، لذا قلناها منذ البداية.. إننا ثورة تحت سقف الدستور".

المعادلة صفرية

في مداخلته، فرّق علي مراد، الناشط السياسي والأستاذ المساعد في القانون العام في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة بيروت العربية، بين ما قبل 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019 وما بعده، من خلال تحقيب مرحلي بدأه في عام 2005 حتى 2016، وهي حقبة النظام القائم على اتفاق الطائف وتعديلاته على الدستور، التي كانت معطلة في أيام الوصاية السورية. وفي عام 2016، وصل أمراء الطوائف كلهم إلى السلطة، بين فراغين رئاسيين، في خضم أزمة تعطل الديمقراطي من خلال ما سمي بحكومات الوحدة الوطنية.

يقول مراد إن القرار السياسي اللبناني ليس في المؤسسات الدستورية، فلا مجلس لوزراء لبنان، بل هناك مجلس لإدارة لبنان، والبرلمان لا يؤدي دوره التشريعي، والدليل على ذلك إقرار قانون الانتخاب في مادة وحيدة بلا نقاش. وفي عام 2016، فاز حزب الله في الانتخابات، وربح رئاسة الجمهورية، إلى أن تعمقت الأزمة في عام 2019، وحصل خلل في قبول الأطراف اللبنانية بتعديلات الطوائف على الدستور.

بالنسبة إلى مراد، لحظة "17 تشرين" مختلفة عما حصل في الدول العربية، "ففي دول الربيع العربي، أسقطت الشعوب الأنظمة بالمعنى التاريخي، أما في لبنان فقد نزل الناس إلى الشارع لأن الاقتصاد انهار، وواجه البلد أزمات مختلفة، وليقولوا إنهم شركاء في عملية تحميل المنظومة الحاكمة مسؤولية الانهيار الحاصل.

يرى مراد أن شعار "كلن يعني كلن" مأزوم، فالمنظومة فقدت شرعيتها الشعبية، لكنها ما زالت تتمسك بشرعيتها القانونية كونها حاكمة في البلد، والشعب لا يمكنه امتلاك شرعية قانونية، من هنا وصل البلد إلى معادلة صفرية.

بين طائفيتين

يرى أديب نعمة، الخبير والمستشار في التنمية والسياسات الاجتماعية ومكافحة الفقر، أن الطائفية ظاهرة متحركة ومتغيرة، فهي اليوم غير ما كانت عليه في مرحلة الميثاق اللبناني، "والاختلاف نوعي، فقبل الاستقلال وحتى عام 1975، كان النظام هو نطام كونفدرالية عائلات سياسية لها نفوذ محلي. والإطار الذي سعى إلى تجميع هذه العائلات كان الصيغة الطائفية في النظام، وكانت الوظيفة التجميعية هي الغالبة. بينما اليوم، الطائفية لها وظيفة تفتيتية، لأنها صارت أدنى من الانتماء الوطني الموحد، وانعكست الوظيفة التفتيتية هذه في تفكك النظام، وتحولت الطائفية إلى آلية تنافس داخل النظام".

يميز نعمة بين طائفية اجتماعية وطائفية المنظومة. في السابق، بحسبه، كان الزعماء يبنون مشروعيتهم على أنهم يعبرون عن الطوائف المحلية، وبعدما كانت الطوائف هي من يعطي الزعيم والمرشحين الآخرين مشروعيتهم التمثيلية، صار الزعيم اليوم هو من يعطي مشروعية للمرشحين الآخرين في سعيهم إلى التمثيل الاجتماعي.

يرى نعمة أن ثمة خطأ رئيسي في اختيار المدخل للتغيير في لبنان، "فهذا النظام يعبر عن دولة غنائمية، أي عن عصر ما قبل الدولة الحديثة، واعتبارًا من اتفاق الدوحة في عام 2008، لم يعد لدينا حكومات في لبنان، لأن مبدأ وجود مؤسسة على رأي واحد غير قائم، وبالتالي يجب العودة إلى الدولة المدنية الديمقراطية، وسيادة القانون، وبالتالي الخروج من القيد الطائفي الذي لم يعد يتلاءم مع الوضع الحالي، وأرى أن الشعب اللبناني مستعد للذهاب إلى انتخابات خارج القيد الطائفي، من ضمن المعركة لإسقاط النظام الغنائمي".

مبادرة مخطوفة

انعقدت الجلسة الثانية في يوم الأربعاء 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، وعنوانها "هل يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة والشروع في إصلاحات إنقاذية للاقتصاد قبل التغيير السياسي في طرق ونظام الحكم؟"، بترحيب من زيادة. أدار الجلسة ناصر ياسين، مدير الأبحاث في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية، التابع للجامعة الأميركية في بيروت.

يؤكد سامي نادر، مدير مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية، أنه لا يمكن الفصل بين السياسة والاقتصاد في لبنان، فالنظام الاقتصادي يعكس موازين القوى في الداخل، ولعبة الطوائف والمحاصصة، وهو الترجمة الاقتصادية لنظام توزيع حصص السلطة بين الطوائف، وللأزمة الحالية وجوه اقتصادية ومالية ومصرفية، تتطلب إعادة هندسة المصارف وإعادة هيكلة المالية العامة، لكنها تتطلب أولًا حلًا سياسيًا مستدامًا. فالسياسة النقدية كانت على قاعدة رهان سياسي في بداية التسعينيات، "نثبت سعر النقد لأن السلام آت ومعه التدفقات النقدية، لكن هذا لم يحصل، وهذا ما ساهم في تفاقم الانهيار اليوم".

يرى نادر أن انكشاف لبنان على الصراع الإقليمي وبسبب سياسات حزب الله شكل عائق أمام تشكيل حكومي أو التوجه إلى صندوق النقد الدولي، الذي يمكن أن يقدم الحل الوحيد المتاح، "فنحن بحاجة إلى ضخ سيولة غير متوافرة من دون صندوق النقد، وهذا يتطلب جهة موثوق بها تنفذ الإصلاحات، لكن الإصلاح مستحيل في نظام المحاصصة، لأنه يعني انتحار القوى السياسة المسيطرة، وتمويل هذه الأحزاب يرتكز على الاستفادة من مؤسسات الدولة، وهذا يحول دون الإصلاحات".

بحسبه، ملف ترسيم الحدود مع إسرائيل أسقط المبادة الفرنسية، أي تبدلت الأولويات من حكومة جديدة إلى اتباع الصراع مع إسرائيل من ناحية إقليمية، "فالمبادرة الأميركية خطفت المبادرة الفرنسية، لكن المفيد هنا أن الترسيم يمهد الطريق إذا وصل لخواتيمه السعيدة إلى تسهيل البرنامج مع صندوق النقد الدولي، خصوصًا أن ترسيم الحدود من الأولويات التي يتطلبها الصندوق".

حل الاقتصاد سياسي

يطلب ألبير كوستانيان، الخبير الاقتصادي ومعد ومقدم برنامج "رؤية لبنان 2030" التلفزيوني، تسييس الثورة في لبنان، وألا تقتصر مطالبها على الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، "فلدينا مشكلة عقد اجتماعي ومشكلة نظام، وعندما يكون طموحنا كشعب هو العيش المشترك، هذا لا يكفي لنرتفع إلى مستوى بلد، فهناك طموح أكبر، والحلم اللبناني لم يتبلور ولم يتقونن ضمن الدستور. نظام الطائف لم يطبق، الحديث عن الصلاحيات ليس واضحًا، أي هناك مشكلة سياسية تتعدى الإصلاحات، ومن دون حلها لن نتخطى المرحلة الراهنة".

بحسبه، يجب أن يحصل انقطاع تام بين المنظومة والاصلاح، "والدخول في المنظومة يفقدنا روحية التغيير، فالنظام الحالي قائم على الزبائنية والوساطة الطائفية بين المواطن والدولة، وهذا يقتل المواطنة. وهذا أساس الاقتصاد الريعي القائم في لبنان".

يرى كوستانيان أن فكرة الفصل بين الاقتصاد والسياسة رائجة، "لأن لبنان يواجه مشكلات تتخطى عقده الاقتصادي، كمشكلة دوره في المنطقة، ولأن الطبقة السياسية لا تملك برامج اقتصادية فعلية تقدمها، والمطلوب هو الانتقال إلى الاقتصاد السياسي، وليعرف الجميع أن الخبراء لا يحلون المشكلات، بل الخيارات هي التي تحل المشكلات، والخيارات عندنا سياسية".

يؤكد كوستانيان أن تحديد الخسائر عملية سياسية بامتياز، "وتوزيع الخسائر تأسيس لعقد اجتماعي لبناني جديد، الأصول هي ملك الشعب، ثمة من يقول إن على المصارف أن تتحمل المسؤولية. يجب أن نتوقف عن مقاربة الموضوع كموضوع محاسبي، أصول الدولة يجب أن تساهم، ويجب إشراك القطاع الخاص في توزيع الخسائر، وإعادة التوازن للثروات، وهذه بوابة لإعادة إطلاق القطاع المصرفي".

أولوية المساءلة

تشخص علياء مبيض، وهي خبيرة إقتصادية متمرّسة في صناعة السياسات والاستراتيجيات الاقتصادية والمالية، الأزمة الراهنة في لبنان بأنها "انكفاء الساسة عن الاقتصاد، أو غياب اللبنانيين عن المطالبة بسياسات اقتصادية واضحة قائمة على خبرات وتجارب، بالتالي، لا يمكن الفصل بين السياسة والاقتصاد".

تسأل مبيض: "هل ممكن أن تأتي بخبراء لمعالجة الواقع الاقتصادي المتأزم من دون أي حل سياسي؟ هذه هي مشكلة المبادرة الفرنسية، لأنها وضعت جانبًا الموضوعات الخلافية، ولنلتفت إلى الإصلاحات، لكننا جربنا هذا الأمر منذ عامين وفشلنا حينها، لأن جوهر المشكلة سياسي. طرح المبادرة الفرنسية بفصل السياسة عن الاقتصاد مشكلة، لأنها لا تبدّي مبدأ المساءلة والمحاسبة، وتذهب إلى إصلاحات تقنية في الكهرباء وإعادة هيكلة الدين، أي المشكلات الماكرو اقتصادية من دون الاعتراف بأن جوهر المسألة هو غياب المساءلة الشفافية في صوغ السياسات".

تضيف مبيّض أن غياب أولوية المساءلة عن خريطة طريق المبادرة الفرنسية مشكلة لا بد من إعادة النظر فيها، "لأن المسار الآتي المؤلم هو مسار تصحيحي سيسحق الكثيرين في المجتمع، ويهجر المزيد، ويطلب تضحيات إضافية، وهذا لا يتم إلا بعد محاسبة ومساءلة، فكيف نطالب اللبنانيين بالتضحية من دون أن نقدم إجابات حول المسؤول عن انهيار اقتصادهم؟".

برأيها، حجم الخسائر كبير، "وتخلفنا عن دفع الديون يمنعنا من ولوج الأسواق لتمويل أنفسنا، ومن مصلحتنا أن نتعاون مع الخارج لا أن نواجهه، ويجب أخذ رأي المغتربين اللبنانيين في الحل بالمستقبل، كما هناك ودائع لمغتربين أو غير لبنانيين تدخل ضمن اللعبة المصرفية اللبنانية، وهي تجبرنا على أخذ مصالح هؤلاء في الاعتبار في عملية توزيع الخسائر".

وتختم بالقول إن تفكك الموقف اللبناني عطّل المسار الطبيعي باتجاه الاستفادة من برامج صندوق النقد الدولي، "ويجب التوجه نحو الحل الشامل في السياسة والاقتصاد والابتعاد عن الحلول المجتزأة".

أي مسار للتغيير؟

يؤكد زياد عبد الصمد، المدير التنفيذي لشبكة المنظمات غير الحكومية العربية للتنمية، أننا لا نستطيع الكلام على تنمية أو رفاه أو عدالة من دون كلام على علاقات سياسية سوية في المجتمع، وهذا حسمه خطاب الأمم المتحدة؛ إذ أكد أن غياب الحرية في العلاقات السياسية داخل المجتمعات العربي هو من أهم معوقات التنمية العربية.

برأيه، تطبيق الدستور مدخل أساسي للإصلاح، ويأتي قبل الكلام عن تعديله، وهذا يمثل أحد الصراعات المستعصية في لبنان. والإصلاح الاقتصادي يتطلب استعادة الثقة بالدولة، محليًا ودوليًا، "ولا يمكنني تصور أي رفاه في غياب إدارة عامة تحمي حقوق المواطنين، كما أن ارتباط الإدارة العامة في لبنان بالمحاصصة دليل على عمق تورط السياسة في الاقتصاد".

بحسبه، لبنان يقوم على الميليشيا والمافيا والمصارف، "هذه أعمدة النظام في لبنان، والميليشيا فاوضت باسم البلد وتوصلت إلى اتفاق إطار لترسيم الحدود مع إسرائيل، والدولة غير قادة على الخروج عن هذا الاتفاق". يضيف أن السلاح في لبنان يحمي المنظومة الحاكمة، والمنظومة تحمي السلاح، مطالبًا بقيام دولة قادرة على التصرف في السياستين الداخلية والخارجية.

يسأل عبد الصمد: "ما هو مسار التغيير؟ ليس لدينا قوة عسكرية متماسكة لانقلاب عسكري، وبالتالي علينا الذهاب في مسار تغييري تراكمي، خصوصًا أن المبادرتين الفرنسية والأميركية تعيدان إنتاج المنظومة والتسويات في الحكم، وبالتالي ليستا ملائمتين للتغيير. والتنوع في الثورة جميل لكنه يعقد الوصول إلى مشروع واحد للانتقال من الحالة الاعتراضية إلى حالات معارضة، من أدواتها الضغط السياسي والضغط في الشارع والتحضر لخوض الانتخابات المقبلة".

الخروج من المأزق

انعقدت الجلسة الثالثة والأخيرة في يوم الخميس 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، وعنوانها "هل الخروج من المأزق اللبناني له شروطه الدولية والاقليمية؟"، وأدارها بول طبر.

بدأت الجلسة بمداخلة من الوزير السابق طارق متري، رئيس جامعة القديس جاورجيوس في بيروت، ومدير سابق لمركز عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، أكد فيها أن العلاقة الجدلية بين التناقضات الداخلية والمصالح السياسية في الإقليم ليس خفية على أحد، "فكثيرًا ما تستند التدخلات الخارجية على قوى داخلية، وكثيرًا ما تستعين القوى الداخلية في مناكفاتها بالقوى الخارجية".

برأيه، حولت سياسة المحاور العربية والأحلاف الدولية لبنان إلى أرض منازلة قبيل أحداث عام 1958، التي شهدت انقسامًا داخليًا حول الانحيازات الخارجية. في أيام الرئيس فؤاد شهاب، التزم لبنان الحياد نسبيًا بين الدول العربية والدول العظمى، لكن هذا لم يطل أمده، وعاد لبنان "في عصر الحروب اللبنانية والملبننة والمتلبننة إلى وضعية الساحة، وتداخلت محركات الصراعات العديدة التي دارت حول انقسام بشأن الوجود الفلسطيني وتوزيع السلطة بين الطوائف".

يرى متري أن الساحة اللبنانية لم تكن ساحة حرب مع إسرائيل فحسب، بل كانت ساحة لتسويات داخلية وخارجية، حتى تحقق توافق عربي ودولي حول دور سوريا في لبنان، لكن لم يؤد اتفاق الطائف إلى الحد من التدخلات الخارجية، وانتهاج سياسة مستقلة عن المحاور العربية، وفي عام 2005، رفض اللبنانيون أن يكون بلدهم أرض منازلة، "لكن الأمل أو الوهم لم يدم طويلًا، فسريعًا ما وجد لبنان نفسه بين معسكرين عربيين ودوليين. لكن علاقات طرفي الصراع الداخلي مع الخارج لم تكن متشابهة. اشتد الانقسام الداخلي حول الشؤون الخارجية مع الانتفاضات العربية، خصوصًا في سوريا، فلجأ لبنان إلى حيلة النأي بنفسه، فهو لم يكن مستعدًا لموالاة النظام السوري ولم يكن قادرًا على الدفاع عنه، فاستمر في هذه السياسة في الاجتماعات العربية. وصار النأي بالنفس فكرة ناظمة لسياسة الحكومة، إلا أن الحكومة وما بعدها عجزت عن التزام هذه الفكرة، بسبب هيمنة الرأي الحزبي السياسي عليها".

بحسب متري، ظهر العجز عن فصل مشكلات لبنان عن المؤثرات الخارجية بعد انضواء لبنان في محور إقليمي معين، "ما دفع بالبطريرك الماروني إلى المناداة بحياد لبنان، من دون أن يكون هذا الموقف داعيًا لتغيير موقف لبنان من الصراع مع إسرائيل، لكن مشروع الحياد بدا غير مكتمل المواصفات وملتبسًا، كان مجرد دعوة تفتح الباب لحماية لبنان من العواصف المحيطة به، ولتقبل الدعم الدولي".

هذا فتح باب السجال واسعًا، ثم ما لبث أن خمد، وبسرعة، ثم عاد بقوة مع المبادرة الفرنسية بعد انفجار 4 آب/أغسطس، لكن سرعان ما نظر البعض إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من حيث موقع المبادرة الفرنسية في الحسابات الإقليمية والدولية، "بدا أن تعيين وزير للزراعة في لبنان مرتبط بمن يختار الأميركيون رئيسًا".

الخارج لا يبالي

قالت روزانا بومنصف، الكاتبة والمحللة السياسية في الشؤون المحلية والإقليمية، إن عقوبات أميركا على جمال ترست بنك كانت لحماية القطاع المصرفي من وجهة نظر أميركية، "وانتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر أخذت طابعًا آخر هو استغلال الدعم الخارجي ضد حزب الله وداعمه الإقليمي، في موازاة ما يجري في العراق، وتحولت الانتفاضة من حماية القطاع المصرفي إلى تدميره، وهناك أخطاء كبيرة حصلت، والوضع أدى إلى تسارع الانهيار في البلد".

بحسب بومنصف، الخارج كان غير مبالٍ بعض الشيء بما يحدث في لبنان، "إلا فرنسا التي تهتم بلبنان تحت عنوان الإصلاح. هذا كان مع الانتفاضة، وحين تبنى الأميركيون الانتفاضة كان ذلك ضغطًا على حزب الله لتقليص نفوذه في السلطة السياسة. بدت الأمور أن الدفع في هذا المنحى ربما يؤدي إلى كسر حزب الله، أو يجبره ليعيد النظر في تموضعه بعض الشيء، لكن الأمور أخذت منحى آخر، أي من منطق إذا استدعى كسر حزب الله كسر لبنان فهذا مقبول".

تقول بومنصف إن الغرب أراد حلًا في لبنان، "لا إنقاذًا لحزب الله أو السلطة، بل انقاذًا من سيطرة سلاح حزب الله على البلد، والخطوة التي دفع بها الأميركيون لترسيم الحدود دليل على إعطاء أميركا دفعًا للوضع الداخلي، كما أن التسويات اللبنانية لا تحدث إلا بتدخل خارجي، في الطائف والدوحة، واليوم لا راع لأي تسوية، فالفرنسيون لا يملكون الوقت ولا الجهد لجمع اللبنانيين على طاولة مفاوضات طويلة الأمد لتغيير النظام".

لبناء دولة قوية

بالنسبة إلى قاسم قصير، الصحافي والباحث السياسي، إشكالية العلاقة مع الخارج قديمة، فالقوى الخارجية تستخدم لبنان ساحة للصراعات، والإعلام اللبناني تأسس ضمن هذا الإطار، "فالصحف اللبنانية تأسست في خدمة أطراف خارجية كانت تمولها، وعندما انتهى التمويل أقفلت الصحف".

يقول قصير إن حزب الله آخر أنموذج لعلاقة قوة لبنانية مع الخارج، وقد تم استخدام الثورة الشعبية من الخارج ضد حزب الله.

المشكلة، في نظر قصير، تتعلق ببناء دولة مدنية حقيقية في لبنان، تعيد بناء الداخل الذي يقدر على مواجهة الخارج، وتتعلق أيضًا بأن تعيد القوى اللبنانية النظر في علاقاتها بالخارج، "وحتى الحياد المطروح اليوم يتطلب دولة قوية تتعامل مع الخارج. أما التحييد، فيناقش تحت عنوان النأي بالنفس".

يطلب قصير إعادة النظر قي القانون العثماني لتأسيس الأحزاب بلبنان، فمعظم الأحزاب والمؤسسات تقوم على مساعدات خارجية، لذا يسمح قانون الأحزاب بهذا التدخل الخارجي. كما أن غياب الاستراتيجيا الدفاعية وتصرف حزب الله وحيدًا بموضوع المقاومة لا يعيدان هذا الحزب إلى الداخل، لأنه يؤدي دورًا إقليميًا ودوليًا منذ عام 2011، في ظل وجود تدخلات دولية في كل المنطقة، تجعلنا أمام سيولة دولية. وبرأيه، حزب الله تطور كثيرًا وأصبح أكثر قابلية للعلاقة مع الدولة وصار ضمن الدولة، وزاد انخراطه في الداخل اللبناني.

يختم قصير بالإضاءة على الحاجة إلى إعادة تعريف دور لبنان في المنطقة، وهذا يتطلب برأيه حوارًا داخليًا حقيقيًا لتقنين علاقة لبنان بالخارج.

إشكاليات الانقسام الداخلي

وقال زكي قاسم طه، عضو قيادة منظمة العمل الشيوعي ورئيس تحرير مجلة بيروت المساء، إن أزمات البلد تاريخ ممتد منذ ما قبل التأسيس، والخشية أن يعود الخارج إلى رسم المنطقة مرة أخرى. وتوقف طه عند انعدام المسؤولية عند قوى السلطة اللبنانية، "فتشخص أبصار اللبنانيين إلى الخارج بحثًا عن حل، فيما تتخبط الانتفاضة في أزماتها".

بحسبه، إشكالية الانقسام الأهلي هي السبب في تكرر الانحيازات في الكيان، والنظام استمر مغلقًا على الإصلاح، فبقي الانقسام معبرًا للتدخلات الخارجية. ربما يقه التخلص من قيد التدخل الخارجي الذي يمنع توحد اللبنانيين في باب المستحيل، "لأن الانقسام على الهوية والمصالح والمستقبل أفشل الوصول إلى وحدة مجتمعية لبنانية، واللبنانيون يقيمون بين خيارين: إنشاء مسار توحيدي أو الاتكال على الخارج".

برأيه، المدخل إلى هوية وطنية واستقرار وطن هو اتباع مسار تراكمي توحيدي، وهذا نقاش للمستقبل، لأن الاستهانة بالانقسام يعيق التخلص منه، وتشكل هروبًا من السعي للتخلص من قيد التدخل الخارجي.

يجب فهم الخلل في انعدام الحصانة اللبنانية، وهو خلل منذ ما قبل التأسيس، واستمر في محطات بعد تأسيس لبنان. البلد محكوم بجدلية العلاقة بين عوامل الانقسام وعوامل الوحدة، والغلبة لأي من الخيارين ترسم معالم البلد.كما أن عدم الاستقرار يتيح للخارج الاستثمار في الانقسام الداخلي، كما أن مصالح الخارج لها أولوية، لأنها تستغل ضعف الداخل اللبناني وتفككه، لذا يتعامل الخارج مع أطراف لبنانية وليس مع الدولة، لأنها الطرف الأضعف.

ويختم طه بالقول إن الاستثمار في الأزمات "هو مبرر وجود القوى السياسية، فكلها تراهن على الخارج وترتهن له كي تستمر، وبالتالي لن تقبل هذه الأطراف بإلغاء مبرر وجودها".


الجلسة الرابعة: 
انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر والاغتراب اللبناني: بين الواقع والمرتجى

استكمالًا للندوة، عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فرع بيروت، في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، جلسة نقاش افتراضية، بعنوان "انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر والاغتراب اللبناني: بين الواقع والمرتجى"، شارك فيها أكاديميون وباحثون. وهي الجلسة الرابعة ضمن الندوة التي عقدها بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لانطلاقة انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر اللبنانية.

رحّب خالد زيادة، مدير فرع بيروت، بالمشاركين وذكّر بالجلسات الثلاث السابقة بإيجاز. ثم أدار بول طبر، أستاذ العلوم الاجتماعية - علم بشريات مشارك في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت ومدير معهد دراسات الهجرة في الجامعة نفسها، فعرّف بالمشاركين، وطرح تساؤلات عدة، منها: كيف بدأت وتطورت مشاركة الدياسبورا اللبنانية في انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر؟ وما قابليتها للتصاعد بعد منح المغترب اللبناني الحق في الاقتراع في الانتخابات النيابية؟ وما مدى وعي المجموعات المنتفضة بأهمية دور الاغتراب اللبناني؟ وكيف يمكن تفعيل هذا الدور واستثماره في المشروع التغييري في لبنان؟

الاغتراب والتغيير

قدّم طنّوس فرنسيس، الناشط الاغترابي ورئيس منتدى الأستراليين اللبنانيين المستقل، الداعم لانتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر، مداخلة بعنوان "دور الاغتراب في عملية التغيير في لبنان بين الغياب والتغييب - أستراليا نموذجًا"، وصّف فيها تجاوب الاغتراب الأسترالي مع الانتفاضة قائلًا إنه بعد ثلاثة أيام من قيامها في لبنان، خرجت تظاهرة حاشدة في أستراليا دعمًا للانتفاضة، "ولم تأت الدعوة من جهات معروفة، بل من أفراد مغمورين، طلاب جامعيين، وسيلتهم الوحيدة وسائل التواصل الاجتماعي، وشارك أربعة آلاف لبناني مغترب ورفع العلم اللبناني، وكان الشعار واحد ’كلن يعني كلن‘. وبعد أسبوع اجتمع 20 ألف متظاهر، لنفس الغاية، بالتزامن مع تظاهرات في معظم عواصم العالم، وكان المشاركون من الشباب غير المسيّس".

وأضاف: "عندما سقط علاء أبو فخر شهيدًا، نظّم شباب الانتفاضة وقفة وجدانية غابت عنها الوجوه التقليدية. ثم نظمت الجالية الدرزية احتفالًا فاحتلت الوجوه التقليدية الصفوف الأولى، بينما جلس شباب الانتفاضة في الصفوف الخلفية". وتناول فرنسيس العلاقة بالاغتراب قبل الانتفاضة وخلالها وآفاق هذه العلاقة، فقال إن الاغتراب المسيحي، إبان الحقبة السورية، أدى دورًا سياسيًا بفضل ارتباطه بالبطريركية المارونية ولوجود العماد ميشال عون في المنفى، "وكان دورًا داخليًا تمّ القيام به في الخارج لاستحالة ذلك في الداخل". وقال إن الوضع بعد الانتفاضة لم يتغير كثيرًا. وأخيرًا عقد اجتماع لمجموعات الانتفاضة وقدمت بنودًا كثيرة، ليس بينها أي بند عن الاغتراب، "فالمجموعات السياسية أبقت المغتربين بعيدًا عن الساحة السياسية، لذا على قوى التغيير أن تسمح للمغتربين بأداء دورهم، فالتغيير السياسي أصبح مطلبًا من مطالب المغتربين".

صدمة وحزن وغضب

تحدّث أكرم خاطر، وهو أكاديمي يدرّس التاريخ ويشغل كرسي الدراسات الدياسبورية في جامعة ولاية شمال كارولينا، ومدير مركز خيرالله لدراسات الدياسبورة اللبنانية، عن "الصدمة والحزن والغضب والنشاط: اللبنانيون الأميركيون يتجاوبون مع تفجير بيروت"، فقال إن لبنان كان ينظر إلى المهاجرين كأنهم صندوق للمال لا أكثر، "بينما أحب المهاجرون دائمًا أن يؤدوا دورًا أكبر من الدور المالي". وقال إن الجالية اللبنانية في أميركا مشرذمة كما الداخل اللبناني. مع الانتفاضة، حصلت التظاهرات وبدأت غاضبة وعاطفية، "لكن هذا التشرذم لم يسمح بتنسيق التجاوب بشكل موحد، فالتظاهرات التي خرجت لم تؤدِّ إلى أي أمر إلا إرسال الأموال لا أكثر. ومع مرور الوقت، برد الحماس وحلّ الإحباط محلّه، لأننا لم نرَ أي تغيير، فلا محاسبة ولا شفافية ولا حكم ديمقراطي". وعندما حصل الانفجار في 4 آب/ أغسطس 2020، حلّت الصدمة وعاد الغضب، وتمّ إرسال الأموال إلى الصليب الأحمر اللبناني والمنظمات الأخرى. قال خاطر: "هناك منظمة تاسك فورس فور ليبانون، مؤلفة من وجهاء المغتربين وأغنيائهم، كان همّها توطيد العلاقة بين الحكومتين الأميركية واللبنانية، وانحصرت سياستها في دعم الجيش اللبناني، وبعد الانفجار جمعت أدوية ومعدات طبية وأرسلتها إلى لبنان، لكن ليس لها أيّ أفق سياسي".

وأضاف خاطر أن تحركًا بدأ لإنشاء منظمة أكبر، غير حكومية، تحشد الموارد اللبنانية المهاجرة، لتأسيس مؤسسة مالية تستطيع إحداث تغيير سياسي جذري وتقديم الدعم للحركات الاجتماعية في لبنان، "وهذه عملية تستغرق جيلًا أو جيلين، لنصل إلى توحيد جهود المغتربين للعمل من أجل لبنان".

الدياسبورا مرآة الداخل

قدم زياد ماجد، الأكاديمي اللبناني المقيم في فرنسا والمختص في الشأنين اللبناني والسوري ومسائل التحوّل الديمقراطي، ومنسّق قسم دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأميركية في باريس، مداخلته وهي بعنوان "الدياسبورا مرآة للداخل اللبناني". وتحدث عن موجتين اغترابيتين لبنانيتين إلى فرنسا: الأولى حصلت خلال حرب السنتين والدخول السوري إلى لبنان، والثانية مع حربي التحرير والإلغاء في الثمانينيات، وأدت إلى نزوحٍ طابعه ديموغرافي مسيحي. بين الموجتين، نوع آخر من الحضور اللبناني في فرنسا هو الحضور الجامعي بفضل منح مؤسسة الحريري. اليوم هناك موجة ثالثة، عمر المهاجرين فيها أقرب إلى الشباب يتمتعون بمستوى علمي مرتفع، يأتون إلى فرنسا بسبب توافر جنسيتين أو إقامة سابقة، بدأوا يتركون لبنان بعد انفجار المرفأ.

وأوضح ماجد أنّ الفرز السياسي الاغترابي في فرنسا مرآة للفرز في لبنان؛ ففي الثمانينيات تطور حضور التيار العوني بسبب وجود عون وأركانه هناك، وتوافر حضور يساري إضافة إلى حضور كتلوي تابع لريمون إدّه. بعد الحرب، صعدت شعبية حزب الله، ثم انقسم المغتربون بين حركتي 8 آذار و14 آذار، "فكان الخطاب السياسي الاغترابي في فرنسا استمرارًا للخطاب السياسي في لبنان بفضل البث التلفزيوني الإخباري الفضائي المستمر، وتطور هذا الأمر مع الثورة السورية، فكان لبنانيون كثيرون يسيرون في التظاهرات المؤيدة لهذه الثورة. وفي عام 2015، بدأ فرزٌ جديد، كان صدىً لإرهاصات حركات اجتماعية مثل "طلعت ريحتكن" والحركات ضد فساد السلطة السياسية. وقال ثمة شعور بانسداد الأفق السياسي وبصعوبة التغيير، "وكل طرف يحاول أن ينشئ لوبيًا للتأثير في إدارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومستشاريه للترويج لآرائه، خصوصًا بعد مبادرة ماكرون الإنقاذية إثر انفجار مرفأ بيروت".

شراكة للتغيير

ختمت رندلى بيضون، الشريك الإداري في مكتب تريبونيان الاستشاري للحقوق، وهي واحدة من خمسين إمرأة ذات تأثير في المجال المالي في الشرق الأوسط عام 2019، الجلسة بمداخلة عنوانها "الشراكة بين اللبنانيين في الداخل والخارج للتغيير السياسي"، فتحدثت عن مبادرتين مهمتين، "تشكلان الأمل لترجمة الثورة إلى ربح سياسي: الأولى، الشرعة الوطنية للإنقاذ، وهي ورقة سياسية وطنية وقّعها نحو 70 ألف لبناني حتى الآن".

وأوضحت بيضون أن ميزة هذه الشرعة تتتمثل في أن من كتبها ذو عمقٍ سياسي، كما تم صوغها بصفتها شراكة بين الداخل والخارج، وربما تكون مشروعًا توحيديًا لبنانيًا، "إضافة إلى أن خارطة طريقها واضحة: برنامج انتخابي من خلال ورش عمل ثم طاولات مستديرة في مناطق وفي دول الاغتراب، وأهميتها الفعلية أنها تؤمّن تجييشًا لمشروع انتخابي داخلي، ولا تذوّب أي مبادرة أخرى، بل تدعم كل المبادرات على قاعدة أن لا بأس بالتعددية".

وعرّجت بيضون على المبادرة الثانية، وهي التحضير للانتخابات النيابية، في شراكة بين المقيمين والمغتربين، ضمن مشروع يسعى إلى التنسيق بين المجموعات التي شاركت في الثورة حوله. وأكدت أن الدياسبورا ليست لتقديم المال فقط، "بل لتشارك في السياسة الداخلية، لذا فمبادرة "نحو الوطن" ناشطة في مدن الاغتراب، وستجري حملة إعلانية جامعة لدعم لائحة انتخابية تنبثق من إطار جامع لكل مجموعات الانتفاضة، وستؤلف ماكينة انتخابية للثورة".

ثم دار نقاش ثريّ، شارك فيه عددٌ من الحضور افتراضيًا عبر تقنية زوم.