عقدت وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوم الخميس 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، ندوة عن بُعد بعنوان "الانتخابات الأميركية: احتمالاتها وانعكاساتها عربيًا وإقليميًا"، شارك فيها مجموعة من باحثي المركز، وهم خليل جهشان، المدير التنفيذي للمركز العربي – فرع واشنطن؛ وجو معكرون، زميل مقيم في المركز العربي – فرع واشنطن؛ ومهران كامرافا، أستاذ الحكم في جامعة جورجتاون بقطر ومدير وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي؛ وأسامة أبو ارشيد، باحث غير مقيم بالمركز العربي – فرع واشنطن. وقد تطرقت الندوة إلى حيثيات الخريطة الانتخابية، واحتمالات حصول تغيرات في السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة العربية والإقليم، ولا سيما تجاه إيران ومنطقة الخليج والقضية الفلسطينية.

السباق الرئاسي الأميركي وتحولات السياسة الخارجية

ناقشت الجلسة الأولى، التي ترأس أعمالها مروان قبلان، مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي، الخريطة الانتخابية، والتحولات المحتملة في السياسة الخارجية الأميركية بين الرئيس الحالي والمرشح عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب، ومرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن. وقدّم جهشان مداخلة قال فيها إن الانتخابات التاسعة والخمسين المقررة يوم الثلاثاء 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، تحظى بأهمية خاصة بسبب خمس قضايا مرتبطة بالبيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل الولايات المتحدة وخارجها، هي: أولًا، تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وتخوف الناخب الأميركي من التداعيات المحتملة للجائحة على المستويات الصحية والاقتصادية والاجتماعية. ثانيًا، الركود الاقتصادي الناجم عن فشل الولايات المتحدة في مكافحة تفشي الفيروس. ثالثًا، الاستقطاب السياسي الحاد الذي رافق ترامب منذ وصوله إلى سدة الرئاسة قبل أربع سنوات. رابعًا، التوتر الحاصل في النظام الدولي بسبب تخبط السياسة الخارجية الأميركية وصعود الشعبوية في الولايات المتحدة وخارجها. خامسًا، شعور الناخب الأميركي بأن أسلوب حياته الديمقراطي يواجه تهديدًا غير مسبوق. ثم انتقل جهشان إلى الحديث عن تحولات السياسة الخارجية الأميركية في حال فوز ترامب أو بايدن، وشدد أنه في حال فوز ترامب فإنه يتوقع الاستمرار في نهجه الانعزالي من دون تغيير، إلى جانب الاستمرار في شخصنة قراراته السياسية، ولا سيما تجاه قضايا المنطقة العربية والإقليم. أما في حال فوز بايدن، فيتوقع جهشان أن يتم التعامل مع المنطقة العربية والإقليم، بوصفهما منطقة أخرى في العالم من دون إعطائهما الأولوية التي يعيرها ترامب لأسباب شخصية.

في حين ركّز معكرون في مداخلته على الخريطة الانتخابية وانعكاساتها على السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة العربية والعالم. وجادل بأن التحولات الديموغرافية هي ما ينبغي التركيز عليه لفهم المشهد السياسي الأميركي الراهن، مثل توسع المدن وانكماش الأرياف وتنامي تأثير الناخبين من غير البيض. وقال معكرون إن الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، حوّل ولايات فيرجينيا وكارولينا الشمالية وكولورادو، عام 2008، للتصويت لصالح الديمقراطيين بسبب توسع المواقع الحضرية، وإن بايدن يفعل الشيء نفسه اليوم بفعل التغيرات الديموغرافية، حيث يرجح أن تتحول ولايات جديدة للتصويت له. ويرى معكرون أن مشكلة ترامب هي عدم محاولته توسيع قاعدته الانتخابية أو تأقلمه مع القاعدة الانتخابية المتحولة. أما بايدن فيأتي ليرث الخريطة الانتخابية لأوباما مع تعديلات. وعن العوامل الحاسمة في الانتخابات، عدّد معكرون مجموعة من العوامل، هي: أصوات المهاجرين، ووجود نحو 3 في المئة من الناخبين المترددين، والتصويت عبر البريد، والصوت الكاثوليكي، ونسبة الإقبال على التصويت في المدن. واختتم معكرون مداخلته بالمقارنة بين ما فعله ترامب في المنطقة وبين ما يمكن أن يفعله بايدن، حيث من المتوقع أن يستمر ترامب في نهجه، في حين يُتوقع أن يستأنف بايدن سياسات أوباما مع تعديلات.

انعكاسات انتخابات الرئاسة الأميركية على إيران والخليج وفلسطين

ناقشت الجلسة الثانية التي ترأس أعمالها حيدر سعيد، رئيس قسم الأبحاث ورئيس تحرير دورية "سياسات عربية" في المركز العربي، انعكاسات انتخابات الرئاسة الأميركية على إيران ومنطقة الخليج وفلسطين. وفي مداخلته، شدد كامرافا على أن إيران تتابع عن كثب انتخابات الرئاسة الأميركية، وأنها قلقة جدًا من إعادة انتخاب ترامب مرة ثانية، بسبب سياسة "الضغط الأقصى" التي طبّقتها إدارته على إيران طوال السنوات الثلاث الماضية، والتي تعدّ، وفقًا لكامرافا، الأقسى والأكثر شمولية منذ عام 1979، ولا سيما أنها تمسّ تجارة إيران مع الصين والهند والاتحاد الأوروبي، فضلًا عن تأثيرها في كل من يتعامل معها. وتوقّع كامرافا أنه في حال فوز ترامب، فإنه سيستمر في سياسة "الضغط الأقصى" على إيران من دون التوجه إلى خوض حرب معها، والحال نفسه مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فمن المرجح أن يستمر في الضغط عليها للاعتراف بإسرائيل. أما في حال فوز بايدن، فمن غير المرجح أن نرى تغييرات جوهرية في سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران، ولا سيما أن الأخيرة مقبلة أيضًا على انتخابات في الصيف المقبل. وعن سياسة بايدن تجاه مجلس التعاون، رجّح كامرافا أن من غير المحتمل أن يضغط بايدن من أجل تطبيع دول الخليج مع إسرائيل.

واختتمت الندوة بمداخلة قدّمها أسامة أبو ارشيد، ركز فيها على ثلاثة محاور رئيسة، ناقش في الأول الإطار العام للسياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية، وأشار إلى أن جميع الإدارات الأميركية منذ إدارة الرئيس الأميركي وودرو ولسون (1913-1921) التي مهدت الطريق لإصدار وعد بلفور، منحازة إلى إسرائيل، وأن كل إدارة من هذه الإدارات عملت على تهيئة الطريق للإدارة التي تعقبها لتكريس الانحياز لإسرائيل. وأشار أبو ارشيد في المحور الثاني إلى التغييرات التي أدخلها ترامب على السياسة الأميركية، وقال إن إدارة ترامب تبنت كليًا الأجندة والقناعات اليمينية الصهيونية. وأخيرًا، توقّع أبو ارشيد أن بايدن في حال فوزه سيكون أقرب إلى سياسة أوباما، وأنه سيسعى إلى إعادة طرفي الصراع إلى طاولة المفاوضات، مع التشديد على حل الدولتين وتجميد الاستيطان وإعادة الدعم للشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من ذلك، فإن بايدن لن يغير الحقائق التي قام ترامب بتغييرها على الأرض مثل نقل السفارة الأميركية.