استضافت وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، يوم الخميس 10 شباط/ فبراير 2022، الدكتور مهند سلوم، الأستاذ المساعد في الدراسات الأمنية النقدية بمعهد الدوحة للدراسات العليا، الذي قدّم محاضرةً بعنوان: "دراسات الاستخبارات في العالم العربي: ثغرة في الأدبيات؟"، كجزء من اهتماماته البحثية بالموضوع بوصفه أستاذ مقرر دراسات الاستخبارات في معهد الدوحة، ويعمل حاليًا على نشر مخرجات مشروعه البحثي "جهاز المخابرات العراقي: 100 عام من العمل السري".

بدأ الباحث محاضرته بالإشارة إلى أن علم الاستخبارات يُعد حقلًا فرعيًا حديث النشأة، حتى في البلدان الأنكلوسكسونية مثل الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة. وهناك عدد محدود، من الجامعات تطرح دراسات الاستخبارات في برامج الدراسات العليا. وفي هذا السياق، يُعد معهد الدوحة للدراسات العليا من بين مؤسسات التعليم العالي الأولى في دولة قطر التي طرحت مقرر دراسات الاستخبارات كمتطلب إلزامي لنيل درجة الماجستير في الدراسات الأمنية النقدية، وموضوعًا للبحث لنيل درجة الدكتوراه في الدراسات الأمنية النقدية.

وأشار الباحث إلى أن علم الاستخبارات يرتبط في كثير من الأحيان بالمعلومات، حتى إن دائرة المخابرات في بعض البلدان العربية تُسمى بدائرة المعلومات. ورغم أهمية المعلومة في العمل الاستخباري، فإنها ليست الجزء الأهم؛ فجمع المعلومات وترتيبها وتخزينها من دون تحليلها بشكل علمي وتوظيفها لتحقيق أهداف الدولة الاستراتيجية يُفقدها قيمتها، إذ إن الهدف الرئيس من العمل الاستخباري هو تقصّي المعلومات لتصويب الخطوات نحو مستقبل أفضل للدولة، وتفادي السقوط في مصائد الدول الأخرى، ومنافسة الخصم، إضافةً إلى العمل على تجنب التراخي في العمل الأمني، خصوصًا في القضايا التي لها امتدادات خارجية. وأشار أيضًا إلى أن العمل الاستخباري بشكله المهني يُركّز الموضوعات الأمنية التي لها امتدادات خارج الدولة.

وفي الإجابة عن سؤال: لماذا تلجأ الدول إلى العمل الاستخباري؟ أوضح الباحث أنه بشكل عام تلجأ الدولة إلى الدبلوماسية السرية أو العمل الاستخباري عندما تفشل الطرق الأخرى (الدبلوماسية والسياسية) في تحقيق الهدف المُراد، وعندما لا يكون فإمكان الخيار العسكري تحقيقه، أو لكي تتجنب ارتكاب جريمة يُعاقب عليها القانون الدولي في أحيان أخرى.

عقب ذلك، عرّج الباحث على العلاقة بين علم الاستخبارات وأجهزة الاستخبارات، والهدف من دراسات الاستخبارات، موضحًا أنّ هناك مدرستين رئيستين في حقل دراسات الاستخبارات. ترى الأولى أن علم الاستخبارات يُعدُ واحدًا من فروع العلوم الاجتماعية، يهتمُ بتحليل الظواهر الاستراتيجية التي تكون محط اهتمام الدولة والتي يحددها صانع القرار، وفهم هذه الظواهر وتفكيكها والتنبؤ بها. وتدعو هذه المدرسة إلى إتاحة المعلومات المتعلقة بالاستخبارات للباحثين لدراستها، وهي أقرب إلى مبادئ عولمة المعلومات والمعلومات مفتوحة المصادر. أما المدرسة الثانية، فترى أن الهدف الرئيس من دراسة الاستخبارات هو مراجعة الأرشيف الاستخباري، بهدف التعرف إلى الأخطاء وتجنب تكرار الوقوع فيها، ولتطوير العمل الاستخباري. وتدعو هذه المدرسة إلى رفع السرية عن الأرشيف الاستخباري بشكل دوري، واتباع فترات رفع حجب أقصر عن تلك التي تتبعها بعض الدول، كون المخاطر رفع السرية عن الأرشيف أقل ضررًا من الضرر الذي قد ينتج من عدم دراستها. وتتفق المدرستان في ضرورة الضبط الديمقراطي للممارسة الاستخبارية بوصفه شرطًا أساسيًا لتحقيق أهداف العمل الاستخباري، وهذا ما يؤكد ضرورة دراسة علم الاستخبارات في العالم العربي، خاصةً أن بعض الدول العربية تمر بمراحل متفاوتة من الانتقال الديمقراطي، وأخرى تراجعت فيها الديمقراطية، من أجل فهم أعمق للسلطة وتشريح مفاصلها المختلفة، والاستخبارية منها بطبيعة الحال، بوصفها إحدى أهم أذرع السلطة السياسية.

وبيّن الباحث مجموعة من التحديات التي تواجه حقل دراسات الاستخبارات في العالم العربي، منها أن هذا الحقل ومنذ تأسيس الدول العربية، أصبح منطقة محجوبة عن الدراسة، ويقتصر البحث فيه على أجهزة الاستخبارات وأمن الدولة وقيادة أركان الجيش والمراكز البحثية التابعة لهذه الدولة. ولهذا، حتى فترة متأخرة، لم تكن هناك كليات جامعية تعنى بدراسة حقل الاستخبارات. كما أن عددًا كبيرًا من المخرجات البحثية تحاول دراسة الجانب العملياتي من العملية الاستخبارية، وهي تُرسّخ ادعاءات "نظرية المؤامرة" لعدم توافر معلومات دقيقة. وثمّة نظرة سلبية إلى علم الاستخبارات والعمل الاستخباري، وفي ذلك يُخلط بين الاستخبار والتجسس، بينما هما مختلفان، فالاستخبار هو تقفي وتتبع وجمع وتحليل المعلومات المنهجي لإنتاج معلومات استخبارية تخدم الأهداف العليا للدولة، وتُسهم في تحقيق أهدافها الاستراتيجية.

وقد أعقب المحاضرة نقاشٌ ثريّ، أسهم فيه الدكتور عمر عاشور، رئيس وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إضافة إلى باحثي المركز العربي، وأساتذة معهد الدوحة للدراسات العليا وطلبته، وشارك فيه جمهور المتابعين عبر وسائط التواصل الاجتماعي.