استضافت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات روزبه بارسي الذي يشغل رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد السويدي للشؤون الدولية، في 13 كانون الأول/ ديسمبر 2021، لإلقاء محاضرة بعنوان "سيف دموقليس: التداعيات الداخلية لمسلسل المفاوضات النووية في إيران". أدار المحاضرة مدير وحدة الدراسات الإيرانية وأستاذ القضايا الحكومية في جامعة جورجتاون في قطر، مهران كامرافا.

استهلّ الباحث محاضرته بالحديث عن تطوّر برنامج إيران النووي. وقال إنّ مشروع إيران لامتلاك الطاقة النووية يعود إلى أيّام النظام الملكي، وإنّ هذا البرنامج كان جزءًا من محاولة تبيين الشاه للعالم والمجتمع الإيراني أنّ إيران لم تَعُد تنتمي إلى العالم الثالث. وقد أُوقف البرنامج النووي الإيراني فترةً مؤقتة بعد ثورة 1979. وبحسب الباحث، لم تكن إيران تملك في ذلك الوقت محطّة للطاقة النووية جاهزة للتشغيل، بل كان لها مفاعل بحوث في طهران فحسب. غير أنّ هذا المفاعل لم ينتج طاقة نووية، ولم يخصّب اليورانيوم؛ لأنّ "[عمليّة] التخصيب تتطلّب إتقان دورة الوقود كليًّا وامتلاك القدرة الصناعية لإنتاج كلّ ما تتطلّبه الطاقة النووية".

أُعيدَ إحياء فكرة البرنامج النووي في التسعينيات، مع بعض الدعم من كوريا الشمالية. وقال الباحث في هذا السياق: "يشير هذا الأمر إلى أنّ البُعد الذي تتخذه الأسلحة، بوصفه بُعدًا محتملًا يلوح في الأفق، لا يحتاج بالضرورة إلى التشغيل. لكنّ حقيقة أنْ تصرّ الدولة على التخصيب على أرضها، تعني أنه يجب إتقان دورة الوقود؛ ما يفسح المجال أمام عملية التخصيب في ما بعد". ولاحظ الباحث أنّ هذه المشاريع تتّخذ طريقًا مستقلًّا خاصًّا بها، وأنّ لها تداعيات كثيرة، وأنّ مشروع البرنامج النووي كانت له تأثيرات مدمّرة على تطوّر إيران، بلدًا ومجتمعًا، ثمّ إنه قد كان ثمرة جهود مكلفة جدًّا، قابله مردود ضئيلًا حتى الآن.

وبحسب الباحث، بات البرنامج النووي، إلى حدّ بعيد، منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مشكلة أكبر؛ إذ أصبح ما يميّز إيران داخليًّا وخارجيًّا. وبعد اكتشاف البرنامج النووي الإيراني عام 2002، اختلفت إيران مع الدول الأعضاء الخمس الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وكان التفاوض يدور حول مشروعيّة البرنامج النووي، وما إذا كان التخصيب مسموحًا به بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية Non-Proliferation Treaty التي وقّعتها إيران. وبحسب الباحث، فإنّ الأهم من ذلك هو: "أن تصبح المفاوضات أيضًا جزءًا من المناورات السياسة الداخلية الإيرانية. وتستخدم التيارات المختلفة هذه المفاوضات بوصفها تعبّر عن السياسة الخارجية المناسبة. ولقد أصبحت أيضًا اختبارًا لقدرة أي طرف على بناء علاقة خاصة به بالعالم الغربي". وأشار الباحث أيضًا إلى أن هذا يحدث في وقت مرور إيران بمرحلة انتقالية سريعة إلى مجتمع ما بعد الثورة، وهو مجتمع مكوَّن من الشباب.

خلال إدارة محمود أحمدي نجاد، أصبح البرنامج النووي مشروعًا يحظى بمكانة عالية؛ ما جعل من الصعب عليه التفاوض، لأن أيّ تنازلٍ من شأنه أن يعرّض مكانة المشروع للخطر، وهي مشكلة لا تزال تواجهها إيران اليوم. وإضافة إلى ذلك، توجد عقبةٌ أخرى، بحسب الباحث، ألا وهي أنّ إيران لديها نظام سياسي حافل بالاقتتال الداخلي بين مختلف التيارات؛ ومن ثمّ فإن المشكلة لا تكمن في أنْ لا أحد يريد التفاوض، بل في أنّ التيارات إنّما تريد التفاوض بهدف التغلّب على التيارات الأخرى. ويضيف الباحث قوله: "ترجع حالة الغموض التي وجدت إيران نفسها فيها، في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إلى حقيقة أنّ أولئك الذين يُجرون المفاوضات كانوا يعملون على تخريب محاولات الإدارات السابقة في إنجاح التفاوض؛ ما شكّل تكلفة مرتفعة دفعتها البلاد".

ثم ناقش الباحث كيف أنّ المفاوضات في عامي 2013 و 2014 أسفرت عن إيجاد حلٍّ لبرنامج التخصيب الإيراني. وقال إنّ "السبب وراء جدّية المفاوضات ونجاحها هو أنه كان على الجميع التمعّن في نقاط قوتهم، ومدى مبالغتهم في تقدير نقاط ضعف نظرائهم". وفي حين كان للعقوبات تأثير في إيران، أدركت إدارة باراك أوباما، من جهتها، أنّ هذه العقوبات لم تكن فعّالة في وضع حدّ لبرنامج إيران النووي. وقال الباحث: "أدركت إدارة أوباما أن شرطها الأساسي لإجراء المفاوضات (أي عدم التخصيب) لم يكن لينجح، وأنّها - بدلًا من ذلك - كان يجب أن تهدف إلى المطالبة بتخصيب صفريّ Zero Enrichment في نهاية المفاوضات". وأدرك المرشد الأعلى لجمهورية إيران، خلال الأيّام الأخيرة من إدارة أحمدي نجاد، أنّه كان يجب التوصّل إلى حلّ مع الأميركيين في هذه المسألة تحديدًا؛ لأن الاقتصاد الإيراني ونظام الحكم لم يشهدا النموّ المطلوب.

تمكّنت إيران والولايات المتحدة من التوصل إلى اتفاق في عام 2015، وهو اتفاق صبّ في مصلحة كلّ منهما. غير أنّه لم يتسنَّ للحوافز الاقتصادية التي دفعت إيران إلى توقيع الصفقة أن تؤتي ثمارها؛ وذلك في إثر انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النووي في أيار/ مايو 2018. وأكّد الباحث أيضًا أنّ إيران، نظرًا إلى عدم قدرة الأوروبيين على ملء الفراغ الذي تركه انسحاب ترامب، استطاعت شنّ حملةَ ضغوطٍ خاصة بها، رفعت خلالها نسبة التخصيب، وخرجت عن الاتفاقية.

أخيرًا، سلّط الباحث الضوء على أنّ أيًّا من الجانبين لم يحرز تقدمًا؛ وذلك لأنّ "التدبير الذي اتّخذه ترامب قضى على الموقف السياسي لأولئك الذين هم في إيران؛ الذين رأوا أنه كان يمكن التوصّل إلى اتفاق يُعمل به مع الولايات المتحدة. أما المشكلة الأخرى، فهي أنّه يبدو أنّ إدارة جو بايدن نسيت الخلاصة التي توصّلت إليها إدارة أوباما، والتي مفادها أنّ هذه المسألة لن تلقى حلًّا من خلال الضغوط فحسب؛ لأنّ الإيرانيين، إن لم يكونوا محصّنين، فهم، على الأقل، محصّنون ضد الضغوط الأميركية إلى حدٍّ ما".