استضافت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الأول من نيسان/ أبريل 2021، أحمد مرسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الجمعية الأميركية للعلوم السياسية American Political Science Association - APSA، والمؤسس المشارك للشبكة العربية للعلوم السياسية Arab Political Science Network – APSN، حيث ألقى محاضرة بعنوان "سياسات متعرجة: العلاقات المصرية - الإيرانية المضطربة"، أدارها مهران كامرافا، رئيس الوحدة وأستاذ الشؤون الدولية في جامعة جورجتاون في قطر.

استهل مرسي محاضرته بشرح العوامل الكامنة خلف العلاقات المصرية - الإيرانية، مثل "السياسات المرتبطة بالشخصيات" وشعور القادة بالتهديد والاعتبارات السياسية والاقتصادية المحلية والتحالفات الإقليمية والثنائية ورؤى النظام الإقليمي التنافسية". ثم ناقش العلاقات الدبلوماسية التاريخية بين البلدين التي تعود إلى آلاف السنين. وأشار إلى أنّ البلدين وقّعا، في عام 1928، معاهدة تركّزت على العلاقات الدبلوماسية وحقوق المواطنين المقيمين في كليهما.

وأدى تنامي الخطاب القومي والمناهض للاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية في كلا البلدين في أربعينيات القرن الماضي وخمسينياته إلى زيارة رئيس وزراء إيران الخامس والثلاثين محمد مصدق مصر، وذلك بعد حضوره اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نيويورك عام 1951. عند وصوله مصر، استقبلته هتافات الحشود، وأشادت التغطيات الإعلامية المصرية به، وأثنت عليه لخطوته الجريئة في تأميم صناعة النفط الإيرانية. فالتقى بمصطفى النحاس، رئيس الوزراء المصري حينها، ليبحث العلاقات بين البلدين والتعاون لمواجهة الاستعمار البريطاني، وأكّدا مجددًا التزام معاهدة 1928.

تغيرت العلاقات المصرية - الإيرانية عندما أطاح جمال عبد الناصر النظام الملكي في عام 1952 وتسلّم مقاليد السلطة في عام 1954. وقال مرسي في هذا الصدد: "أصبحت السياسات المرتبطة بالشخصيات وتصورات القيادة عناصر مركزية في هذه العلاقة". فعندما تمّت إطاحة مصدق في عام 1953 في أعقاب الانقلاب الذي خططت له المخابرات البريطانية والأميركية، شعر عبد الناصر وأعضاء حكومته، من خلال خطابهم المناهض للإمبريالية والاستعمار، بريبة تجاه الشاه محمد رضا بهلوي الذي تم تنصيبه حديثًا.

ونظرًا إلى مسارات التطور اللاحقة والمختلفة التي شهدتها مصر وإيران، فإن بناء العلاقات المصرية – الإيرانية لم يكن أولوية بالنسبة إلى عبد الناصر. وقد لاحظ مرسي أنّ "هذا الوضع استمر على حاله في ستينيات القرن العشرين عندما كانت آلات الدعاية المصرية والإيرانية تسودها حالة من العدائية الشديدة. فعبد الناصر ندّد بالشاه على أنه نموذج سيئ يجب ألّا تحتذي به الممالك العربية، مشجّعًا إيّاها على الانضواء تحت لواء توجهاته وسياساته القومية العربية". وفي عام 1960، أعلن الشاه اعتراف إيران بدولة إسرائيل ما دفع عبد الناصر إلى قطع العلاقات.

استمرت العلاقات المتوترة بين إيران ومصر حتى وفاة عبد الناصر في عام 1970، حيث أعلنت إيران الحداد مدة ثلاثة أيام في بادرة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية. بعد ذلك، أقام الرئيس المصري محمد أنور السادات علاقات وثيقة جدًا مع شاه إيران؛ وذلك لعدد من الأسباب، منها: علاقات إيران الوثيقة بالولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، واستعادة شبه جزيرة سيناء المفقودة عام 1967 والدعم المالي لبناء اقتصاد أفضل في مصر. وأوضح مرسي أنّ "السادات رأى أنّ بناء هذا النوع من التحالف مع دولٍ أخرى سيساهم في تحسين العلاقات مع الغرب، وقد يساعد بمباشرة حوار مع الإسرائيليين". وبعد أن استعادت مصر الأراضي المتنازع عليها وتمّ إطلاق مناقشة معاهدة سلام مع إسرائيل، قدّمت لها إيران المساعدة من خلال تمويل عملية تطهير قناة السويس وإعادة فتحها وإعادة بناء المدن التي دمرتها الحرب، ولا سيما بورسعيد. وبذلك، أصبحت إيران إحدى الدول الأجنبية الرئيسة الداعمة ماليًّا لمصر خلال هذه الفترة.

وفي أعقاب ثورة 1979 في إيران وإنشاء الجمهورية الإسلامية، قطعت العلاقات بين البلدين مرة أخرى بعد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل الموقّعة في العام نفسه. ووصف مرسي فترة حكم حسني مبارك اللاحقة وعلاقاته بإيران بأنها فترة "ركود طبيعي". ومع سقوط مبارك في عام 2011، وتولّي محمد مرسي الرئاسة في عام 2012، لاح بصيص من التقارب في الأفق بين البلدين: فقد قام مرسي بزيارة خاطفة لإيران، في آب/ أغسطس 2012 بعد انتخابه، وأصبح أحمدي نجاد، من جهته، أول رئيس إيراني يزور مصر منذ ثورة 1979. وختم مرسي محاضرته بملاحظة مفادها أنه بإقالة الرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013 وتنصيب عبد الفتاح السيسي رئيسًا للجمهورية، عادت مصر إلى اعتماد سياسة "الركود الطبيعي" التي اتسمت بها العلاقات المصرية - الإيرانية في عهد مبارك.