عقدت وحدة الدراسات الإيرانية ندوة بعنوان: "إيران واليمن والنظام الإقليمي المتغيّر"، وذلك في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في 15 أيار/ مايو 2023. شارك فيها الدكتورة ندوى الدوسري، باحثة غير مقيمة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن وباحثة زميلة في مركز دراسات الجماعات المسلّحة في جنيف، وتوماس جونو، أستاذ مشارك في كليّة الدراسات العليا للشؤون العامة والدولية بجامعة أوتاوا. أدار الندوة الدكتور مهران كامرافا، مدير وحدة الدراسات الإيرانية وأستاذ الشؤون الحكومية بجامعة جورجتاون، قطر.

استهلّت الدوسري الجلسة باستعراض الوضع الحالي في اليمن، والهدنة التي توصلت إليها المملكة العربية السعودية والحوثيون من خلال المفاوضات في نيسان/ أبريل 2022، وما أسفرت عنه عملية وقف إطلاق النار من تخفيف للقيود على حركة الطيران في مطار صنعاء، إضافة إلى فتح ميناء الحديدة. ومنذ التوصّل إلى الهدنة، عزّز الحوثيون إنتاجهم من الأسلحة، وجنّدوا المزيد من المسلّحين، وسعوا إلى التقدّم نحو محافظتَي مأرب وشبوة، وشنّوا هجمات بطائرات مسيّرة ضد القوات اليمنية. وتناولت الدوسري أيضًا الوضع الإنساني، مشيرةً إلى أنّ 70 في المئة من سكان اليمن يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، فضلًا عن تشرّد أربعة ملايين شخص، وهم يعيشون في ظروف متردّية، ولا يحظون بأيّ دعمٍ من المجتمع الدولي.

أما جونو فقد تطرّق إلى الاتفاق السعودي الإيراني الأخير وتأثيره في اليمن، قائلًا: "أعطى التقارب متنفّسًا للمحادثات السعودية الحوثية. لا تتعلّق هذه المفاوضات بالسلام، بل بانسحاب السعودية من اليمن وإضفاء صفة الشرعية على الحوثيين". فقد فشل السعوديون في تحقيق أهدافهم المتمثلة في إعادة حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والحدّ من النفوذ الإيراني في اليمن. تسعى السعودية للحدّ من خسارتها، فهي لا تتمتّع حاليًا بأي نفوذ، والحوثيون هم الجهة الفاعلة المهيمنة في اليمن، نتيجة لذلك، لن تعود هذه المفاوضات بالفائدة على اليمن بأي شكلٍ من الأشكال. وقال جونو إنّ إيران، التي استثمرت بشكلٍ أقل نسبيًا في اليمن مقارنةً باستثمارها في دولٍ أخرى مثل لبنان وسوريا، هي مهتمة أيضًا بهذه المفاوضات. غير أنّ هذا الاستثمار المحدود كان مثمرًا، لأنّ الحوثيين قد هزموا السعوديين.

أما فيما يتعلّق بوضع الإمارات العربية المتحدة في اليمن وعلاقاتها بكلّ من السعودية وإيران، فأوضحت الدوسري أن التوترات السعودية الإماراتية مستمرّة في الجنوب، إذ يحاول السعوديون تعيين وكلاء لهم في هذه المنطقة، بينما تدعم الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي. وقد بدأ هذا الأخير محادثاته التي أتت ردًّا على إقصاء فصائل أخرى عن المفاوضات السعودية الحوثية.

وتحدّثت الدوسري بإسهاب عن طبيعة العلاقات الإيرانية الحوثية، ووافقت مع جونو قوله إنه على الرغم من استثمار إيران المحدود في الحرب على اليمن، فقد أدّت دورًا فعّالًا في تسليح الحوثيين وتدريبهم منذ ثمانينيات القرن العشرين. إنّ الحوثيين متمسّكون بعقيدة الجمهورية الإسلامية، ويشكّلون جزءًا من "محور المقاومة" التابع لإيران، ومع ذلك، فهم يتمتعون باستقلالية ولا يخضعون لسيطرة إيران.

وزعمت الدوسري أنّ الحوثيين يصنعون أسلحة داخل اليمن، بمساعدة قادة من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، الذين يساعدونهم أيضًا في الحملات العسكرية وعمليّات التجنيد ونشر العقائد الطائفية من خلال المناهج المدرسية. وأضاف جونو أن ما يشهده العالم الآن هو إضفاء الطابع المؤسسي على اليمن بوصفه "دولة مجزأة". وسيحاول الحوثيون تحقيق مزيد من التوسّع، وسيواجهون معارضة من الفصائل المسلّحة الأخرى. ولا سبيل إلى موافقة الجنوبيين على الانضمام من جديد إلى السياسة الوطنية اليمنية وإعادة الاندماج فيها، و"لن يتم التوفيق بين عملية تجزئة سياسات البلاد ومصالح إقليمية وسياسية متعدّدة لمجرّد انسحاب المملكة العربية السعودية".

كما أوضحت الدوسري أنّ اليمن عانى سابقًا من اختلافات طائفية طفيفة، لكن تصاعدت موجة الطائفية في الآونة الأخيرة؛ إذ يحاول الحوثيون تلقين العقيدة الطائفية للسكان في منطقة الشمال، فعلى سبيل المثال، تهدف المخيّمات الصيفية إلى استقطاب جيل الشباب، وقد مدّ السعوديون والإماراتيون السلفيين بالسلاح في منطقة الجنوب. وحدد جونو ثلاثة أبعادٍ للطائفية: البعد الإقليمي والدولي والمحلي. فعلى المستويين الإقليمي والدولي، تُستخدم الطائفية بوصفها أداة تعبئة، عندما تتفق مصالح الجهات الفاعلة المعنيّة. وقال: "إنّ ما دفع إيران في البداية إلى اختيار الحوثيين بوصفهم شريكًا محتملًا، ليس البعد الديني فحسب، بل التقارب الأيديولوجي المشترك والحسابات البراغماتية". أما على الصعيد الداخلي، فوافق جونو الدوسري قولها إنّ الحوثيين يؤسسون دولةً قمعيةً، مضيفًا أنّ مفهوم المجتمع والدولة الذي يتطلّع الحوثيون إلى إرسائه في اليمن لا يسعى إلى تحقيق المصالحة، كما أنه ليس منفتحًا على تقاسم السلطة.

ورأت الدوسري أن النزاع القادم في اليمن سيكون حربًا أهلية بين الحوثيين واليمنيين. ووفقًا لجونو، يتّخذ النزاع بُعدًا آخر ألا وهو المنافسة السعودية الإماراتية؛ فصحيحُ أنّ الإمارات كانت، في البداية، ضمن التحالف، إلّا أنه سرعان ما تبيّن أنها تسعى إلى تحقيق أهدافٍ مختلفةٍ من خلال دعمها الانفصاليين في الجنوب، ما يتعارض وهدف التحالف الذي يسعى إلى إعادة الحكومة المعترف بها دوليًا. وعلى الرغم من صعوبة التنبؤ بما سيحدث في اليمن، قالت الدوسري إنّ الحوثيين لن يتمكنوا من السيطرة، وإنّ استخدامهم المفرط للقوّة ستُقابله مقاومةٌ؛ ما يزيد زعزعة استقرار البلاد، و"لن تؤدي أي مفاوضات إلى إرساء السلام في اليمن، طالما أنّ الحوثيين أقوياء على الصعيد العسكري". وتوقّع جونو تفاقم الأزمة الإنسانية، واستمرار انقسام الفصائل اليمنية المختلفة، مؤكّدًا ضرورة مراقبة الوحدة داخل جماعة الحوثيين.