ندوة وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي تناقش السياسة الخارجية الإيرانيةعقدت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ندوة بعنوان "الاستمرارية والتغيير في السياسة الخارجية الإيرانية"، في 19 حزيران/ يونيو 2023، شاركت فيها أنيسه بصيري تبريزي، باحثة وزميلة أولى في قسم دراسات الأمن الدولي في المعهد الملَكي للخدمات المتحدة Royal United Services Institute (RUSI)، وزكية يزدان شناس، باحثة وزميلة أولى، ومديرة مشروع الصين ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط في إيران. وأدارها الدكتور مهران كامرافا، مدير الوحدة، وأستاذ الشؤون الحكومية بجامعة جورجتاون، قطر.

استهلّت الباحثة يزدان شناس الندوة باستعراض الأولويّات العامة للسياسة الخارجية الإيرانية في ظلّ إدارة رئيسي، وبيّنت مواطن الاختلاف بينها وبين أولويّات سلفه الرئيس حسن روحاني. فرأت الباحثة أنّ الأولويّة الرئيسة للحكومة الحالية تكمن في "سياسة التطلّع شرقًا". إضافة إلى ذلك، هناك مسألة أخرى مهمّة تثير اهتمام رئيسي، وهي برنامج إيران النووي. وذكرت الباحثة أنّ جهاز السياسة الخارجية الإيرانية غالبًا ما يتمّ وصفه بالجهاز المتجانس، ويعتقد الكثيرون أنّ المرشد الأعلى هو من يتّخذ قرارات السياسة الخارجية في أغلب الأحيان. صحيح أن شناس أيّدت هذا الرأي إلى حدّ ما، إلّا أنها رأت أنّ كل إدارة تستطيع أن تترك بصماتها الخاصة على سياسة إيران الخارجية بناءً على توجّهاتها الأيديولوجية والسياسية.

ووفقًا للباحثة، تتأثر سياسة إيران الخارجية بعاملَيْن: العامل الداخلي (بما في ذلك الاقتصاد الإيراني والرأي العام وقدرة الإدارة على بلورة إجماعٍ يتعلّق بأولويّات السياسة الخارجية لدى مختلف المؤسسات والأفراد)؛ والعوامل الخارجية التي تدور حول هيكل القوة على المستويين الإقليمي والعالمي. وبالنظر إلى هذين العاملين، ترى الباحثة أنّ هناك عناصر تغيير واستمرارية في السياستين الخارجيتين لرئيسي وروحاني. فقد سعت إدارة روحاني إلى إحياء الاتفاق النووي، بينما قال رئيسي مرارًا إنّ مصير سياسة إيران الخارجية لا يعتمد على الاتفاق. وترى حكومة رئيسي في سياسة إيران في التطلّع شرقًا، سياسةً تعتري أهمية أكبر على المستوى الاستراتيجي، إذ تعتمد خيارات السياسة الخارجية الأخرى على هذه الاستراتيجية. أما الرئيس روحاني، فكان يرتئي أن البرنامج النووي الإيراني يشكّل العقبة الرئيسة التي تقوّض عملية تعزيز العلاقات بالقوى الكبرى، بخاصةٍ الصين. وأوضحت شناس أنّ إدارة روحاني كانت تولي عمليّة تحقيق التوازن في العلاقات مع جميع القوى الصاعدة، أي الصين والقوى الغربية، أهمية مماثلة.

اتفقت شناس وتبريزي على أنّ المحرّك الرئيس للسياسة الخارجية في ظلّ إدارة رئيسي هو استراتيجية "التطلّع شرقًا"، لكن تبريزي زعمت أنّ هذه السياسة تأتي على حساب علاقات إيران بالغرب. وفي ما يتعلّق بالوضع الحالي لمفاوضات الاتفاق النووي الإيراني، أشارت تبريزي إلى أنه جرى تعطيلها منذ صيف عام 2022، عندما اختارت حكومة رئيسي عدم المضيّ قدمًا في إبرام مسودة الاتفاق. وحينها افترضت الولايات المتحدة، أنّ هذه الخطوة هي بمنزلة قرار بالانسحاب من الاتفاق. وكان هناك وراء هذا القرار، عوامل أكبر في إيران، مثل التفاوض من موقع القوّة، والقبول باتفاق يخدم مصالح إيران. وقالت تبريزي: "نشهد حاليًا مستوى مرتفعًا من التوترات بين إيران والغرب نتيجة انسحاب إيران من اتفاقٍ حتمي، والقمع الداخلي في التظاهرات الأخيرة، وتزويدها روسيا بطائرات مسيّرة في حربها على أوكرانيا". وقد استؤنفت مؤخرًا، بعيدًا عن الأضواء، محادثات تناولت المسألة النووية، وعملية تجميد الأصول الإيرانية وتبادل الأسرى بين الطرفين. وقد لاحظت تبريزي تحوّلًا في حسابات الولايات المتحدة ومجموعة الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، واهتمامها باستئناف المناقشات مع طهران.

أما بشأن تصريحات خامنئي الأخيرة عن التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فأضافت الباحثة أنّ ذلك قد يشكّل خطوة جيّدة، إذ أبدى المرشد في الماضي تردّده بشأن تعاون إيران مع الغرب، بخاصةٍ مع الولايات المتحدة. وبحسب تبريزي، كان لافتًا خلال العام الماضي حفاظ إيران على علاقاتٍ دبلوماسية مع المجتمع الدولي من خلال التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وأضافت أنّ إيران ترى نفسها اليوم في موقع قوّة، ما يتيح لها اكتساب النفوذ والاستفادة من المفاوضات مع الغرب.

فاقمت النزاعات الحدودية والنزاع بشأن حقوق الاستفادة من المياه مؤخرًا، التوترات بين إيران وأفغانستان. وأشارت شناس إلى أنّ إيران اتّبعت نهجًا عمليًا مع حركة طالبان، حتى قبل أن تتسلّم هذه الأخيرة زمام السلطة عام 2021. ووفقًا للباحثة، كانت إيران واحدة من الدول القليلة التي استأنفت العلاقات الدبلوماسية مع البلاد بعد استيلاء طالبان على السلطة. وقالت في هذا السياق "لقد أدّى الخلاف بشأن حقوق الاستفادة من المياه والمضاعفات جرّاء تنفيذ معاهدة نهر هلمند بين أفغانستان وإيران إلى تأجيج النزاع بين البلدين". وحذّرت أيضًا من أنّ تغيّر المناخ وندرة المياه أدّيا إلى إضفاء طابع أمني على هذا النزاع أكثر من أي وقتٍ مضى. وتابعت قولها إنه بناءً على سياسة "حسن الجوار" المعتمدة في إيران، فإن الجمهورية الإسلامية قد تتردّد في خوض حربٍ مع جيرانها. أما أولويّة حركة طالبان الحالية فتكمن في إرساء الاستقرار داخل أفغانستان. وأكدت أنّ الطرفين سيتباحثان، في النهاية، بخصوص تخفيف التوتر.

أخيرًا، بحثت تبريزي في علاقات إيران بالدول العربية، ولا سيّما علاقتها بالعراق. إذ رأت أنّ نفوذ إيران وقوتها في البلاد بدآ يتراجعان، بعد الانتخابات البرلمانية العراقية عام 2021. ومع انتخاب محمد السوداني رئيسًا جديدًا للحكومة في العراق، زعمت تبريزي أن إيران تبدو أقلّ قلقًا، لأنها لا تعتقد أن الإدارة الجديدة ستقوّض قدرتها على فرض نفوذها وتحقيق أهدافها الاستراتيجية في العراق. ولا شكّ في أنّ العراق أدّى دورًا مهمًا في المحادثات بين إيران والسعودية، إلّا أنّ الصين هي التي توسّطت للتوصّل إلى الاتفاق السعودي - الإيراني. ينظر الطرفان إلى الصين بوصفها وسيطًا نزيهًا. إذ إن السعوديين تساورهم الشكوك في ما يتعلّق بصلات العراق بإيران. عمومًا، تشعر إيران الآن بثقةٍ كافية تتيح لها التفكير في إعادة العلاقات بالدول الإقليمية الأخرى في محاولة لتعزيز التهدئة.