عقدت وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوم الخميس 6 نيسان/ أبريل 2023، محاضرة بعنوان "استراتيجية الصين في منطقة الخليج"، شارك فيها عبد الله باعبود، أستاذ كرسي قطر لدراسات المنطقة الإسلامية في جامعة واسيدا باليابان، وآلان تشونغ، زميل أول في مركز دراسات التعددية في جامعة نانيانغ التكنولوجية بسنغافورة. وأدار الجلسة عماد منصور، أستاذ مساعد في برنامج الماجستير في الدراسات الأمنية النقدية بمعهد الدوحة للدراسات العليا.
في المداخلة الأولى، ركّز عبد الله باعبود على العلاقات بين بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية والصين، مشيرًا إلى أنها ليست حديثة العهد، وقد أعاقت القوى الاستعمارية في المنطقة العربية تطوّرها خلال القرن العشرين، فضلًا عن تردد الدول الخليجية في إقامة علاقات مع الصين بسبب دعم الأخيرة للحركات اليسارية. لكن مع ثمانينيات القرن العشرين، بدأت بلدان الخليج العربية تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين، كانت آخرها المملكة العربية السعودية في عام 1990. وأشار باعبود إلى أنّ العلاقات الاقتصادية تُعدُّ الركيزة الرئيسة للعلاقات الخليجية - الصينية، فبعد أن كانت تتجه معظم صادرات النفط والطاقة إلى البلدان الغربية، بدأت دول الخليج تتحرك في اتجاه آسيا، والصين على وجه التحديد، لأن الولايات المتحدة الأميركية لا تعتمد على النفط الخليجي على نحو رئيس، فضلًا عن التوجّه الأوروبي لتنويع مصادر الطاقة. إضافةً إلى ذلك، أخذ التبادل التجاري الصيني - الخليجي في التصاعد على مدى العقدين الأخيرين، وصولًا إلى عام 2020، الذي أصبحت فيه الصين أكبر شريك تجاري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، لتحلّ محل الاتحاد الأوروبي. إضافةً إلى الاستثمارات الصينية في الخليج التي تسعى بيجين إلى زيادتها، والتي تصل إلى 100 مليار دولار أميركي بحسب بعض المصادر.
وشدد باعبود على أن العلاقات الخليجية - الصينية تتجاوز بُعد أمن الطاقة والبعد الاقتصادي، فرغم أنّ الصين لم تبلغ حتى الآن مستوى القوة العالمية الذي وصلت إليه الولايات المتحدة، ولم تتدخل كثيرًا في الشؤون الأمنية للخليج، فإنّ دورها السياسي في المنطقة آخذ في التصاعد، والذي برز مع الرعاية الصينية للاتفاق الإيراني – السعودي في 10 آذار/ مارس 2023، وموافقة مجلس الوزراء السعودي في 28 آذار/ مارس 2023 على الانضمام إلى منظمة شنغهاي بصفة "شريك للحوار"، ولقاء وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بنظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في العاصمة الصينية بيجين، في بداية نيسان/ أبريل.
وفي المداخلة الثانية، تطرّق آلان تشونغ إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية التي أُعلن عنها في عام 2013، من حيث إنها أدت إلى إحياء الخطاب التنموي في العلاقات الدولية في آسيا، من خلال التطرق إلى قضايا البنية التحتية وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدول الآسيوية، وتقديم مزايا إلى البلدان المستهدفة من المبادرة، على شاكلة إبرام صفقات اقتصادية، وتوفير مرونة لسداد القروض.
وفي حين يُنظر إلى المبادرة على أنها تعكس طموحات الصين بوصفها قوة كبرى، وتدل على توافق مسارَي القوة الاقتصادية والقوة العسكرية، فإن تشونغ يرى أن الواقع مختلف بعض الشيء، من خلال الإشارة إلى ثلاثة جوانب: أولًا، تقدم الصين لمنطقة آسيا عمومًا رؤيةً لإعادة تواصلها داخليًا في سبيل النمو والازدهار. ثانيًا، تُعدُّ الحاجة إلى تحديث البنية التحتية العنصر الأشد إلحاحًا في أجندة الأمن الاقتصادي لمعظم الدول الآسيوية. ثالثًا، تميل معظم الدول الآسيوية إلى التصرف ببراغماتية عندما يتعلق الأمر بالتعاون من أجل التنمية الاقتصادية، وفي ذلك، يمكن الاستغناء عن الأيديولوجيا في سبيل دفع عجلة التنمية.
وقد أعقب المحاضرة نقاشٌ ثريّ شارك فيه باحثون وأساتذة في المركز العربي ومعهد الدوحة وطلبته.