محاضرة المؤرخ الفلسطيني نظمي الجعبة

استضاف المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومؤسسة الدراسات الفلسطينية، في مقر المركز العربي بالدوحة، يوم السبت 18 حزيران/ يونيو 2022، المؤرخ الفلسطيني نظمي الجعبة، أستاذ التاريخ بجامعة بيرزيت بفلسطين، وأحد الخبراء في تاريخ القدس وتراثها، الذي قدّم محاضرة بعنوان "القدس ومعركة البقاء"، في إطار "محاضرة النكبة السنوية"، التي ينظمها المركز العربي ومؤسسة الدراسات الفلسطينية. وتُعد محاضرة الجعبة هي الثانية، بعد محاضرة عزمي بشارة، المدير العام للمركز، التي قدّمها في أيار/ مايو 2021، بعنوان "في راهنية النكبة، وفي راهنية قضية فلسطين عربيًا"، وكانت المحاضرة الافتتاحية في هذه السلسلة.

أدارت الفعالية آيات حمدان، الباحثة في المركز العربي، وحضرها جمهور غفير من الباحثين والمهتمين، فضلًا عن رئيس مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية طارق متري، والمدير العام للمؤسسة خالد فراج.

بدأ الباحث محاضرته بالتطرق إلى الخلفيات السياسية والاجتماعية للحراك المتواصل في القدس، ومن ضمن ذلك السياسات الإسرائيلية وما أنتجته من واقع، وأكد أنّ ما يجري في القدس حاليًّا هو حالة استثنائية ستنعكس على ما يدور في المنطقة العربية والشرق الأوسط. واستعرض سياسات الاحتلال الإسرائيلي وتأثيرها في المدينة وسكانها، مؤكدًا أنّ الاحتلال يستعمل سلاحَي الأرض والسكان لمحو هوية القدس.

رأى الباحث أنّ العامل الديموغرافي مقلقٌ للاحتلال الإسرائيلي إلى حدّ بعيد، وتوقّع أن عدد السكان الفلسطينيين قد زاد على 50 في المئة من عدد السكان في عموم فلسطين التاريخية، مقارنةً بالهجرة العكسية للإسرائيليين. أما بالنسبة إلى الأرض، فقد تمثّلت محاولات الاحتلال في حصر السكان الفلسطينيين للعيش على 10 في المئة فقط من مساحة المدينة. ورأى الباحث، أيضًا، أنّ السياسات الإسرائيلية للسيطرة على الأرض قد نجحت كثيرًا عبر الاستيطان المتنامي على نحو واضح. وأضاف أنّ الاستيطان لا يهدف إلى السيطرة على الأرض فقط، بل يهدف كذلك إلى تفتيت النسيج الوطني الاجتماعي، لكن المقاومة الشعبية غير المُسيّسة تقف حائلًا دون هذه السياسات. أمّا بشأن نمو السكان، فقد ذكر الباحث أنه يصب في مصلحة الكتلة السكانية الفلسطينية؛ إذ يزيد عدد المواليد الفلسطينيين في القدس كاملة على عدد المواليد اليهود، الذين يَكثرون حصرًا في الطوائف اليهودية المتدينة.

وأمّا بشأن الوضع الاقتصادي لسكان القدس، فقد أشار الباحث إلى أن الاحتلال اتبّع سياسة محكمة لإفقار سكان المدينة؛ عبر إجبار الطبقة الوسطي على الخروج من القدس والاستثمار خارجها، وتوجيه الطبقة العاملة إلى العمل في الداخل الإسرائيلي المحتل، وفي وظائف ذات رواتب متدنية، كالنظافة وأعمال البناء. وتطرّق كذلك إلى محاولة قراءة مستقبل مدينة القدس؛ بناءً على المعطيات الحالية، وفي ضوء مشاريع الاحتلال التي تستهدف المدينة وسكانها الفلسطينيين، ولا سيما داخل أحياء البلدة القديمة التي أخفق الاحتلال في تهويدها، رغم كل محاولاته المستميتة التي تستخدم كل وسائل القوة.

واختتم الباحث محاضرته بتناول محاولات إسرائيل خلقَ سردية مزيفة، واعتبر ذلك "حرب الرواية"؛ بين الروايتين الإسرائيلية الشعبية الواسعة التي تقودها حركات قومية دينية صهيونية من جهة، والرواية الفلسطينية التي تتحدى هذه الرواية بوعي ذاتي وهوياتي من جانب الفلسطينيين الذين بات الجيل الشاب منهم يتحرك من دون توجيه الفصائل الفلسطينية، على اختلافاتها كافة، أو السلطة الفلسطينية، وهو ما يجعل أهداف الاحتلال، الذي لا يستطيع مواجهة العمل الشعبي الجماهيري غير المنظم، أمرًا صعبًا. وقد أعقب ذلك نقاشٌ شارك فيه الحضور، فضلًا عن جمهور المتابعين عبر منصة "زووم" وسائر سائط التواصل الاجتماعي.

إطلاق موقع "القدس: القصة كاملة"

أطلق عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي، الموقع الإلكتروني "القدس: القصة كاملة" Jerusalem Story، وهو موقع إلكتروني بادر إلى إنشائه المركز، بعد جهد بحثي كبير، بدأ العمل عليه منذ نحو ثلاث سنوات؛ إذ قام بالعمل على إنجازه تصميمًا ومحتوى فريق من اثني عشر باحثًا، إضافة إلى المتعاونين والمتطوعين.

ويأتي هذا الموقع في ظل غياب منصات إلكترونية تشرح للعالم الغربي ما يتعلق بمدينة القدس، في ظل مشاريع الاحتلال الاستيطانية والتوسعية وغياب السردية العربية عن المدينة، مقابل انتشار السردية الإسرائيلية. وقد أشار بشارة، في تقديمه لإطلاق الموقع، إلى أن موقع القدس:القصة كاملة، وهو باللغة الإنكليزية، يشرح كل شيء عن القدس تقريبًا؛ بدءًا من حرب النكبة 1948 حتى الوقت الراهن، وأنه يحكي تاريخ القدس ومكوناتها وسكانها. ويهدف إطلاق هذا الموقع إلى تقديم السردية الفلسطينية والعربية عن القدس، ويستهدف المتابع والمهتم والباحث. يضاف هذا الموقع إلى مشاريع برامج المركز العربي التوثيقية عن القضية الفلسطينية، مثل مشروع "الذاكرة الفلسطينية"، الذي أنشأه المركز مند عدة أعوام، ويجري العمل على إطلاقه في كانون الثاني/ يناير المقبل. وبطبيعة الحال، يتوازى هذا الجهد التوثيقي والمعرفي للقضية الفلسطينية مع أعمال توثيقية أخرى للقضايا العربية؛ مثل "الذاكرة السورية" الذي يهدف المركز إلى إطلاقه في آذار/ مارس المقبل.

وفي هذا السياق، أشار بشارة إلى أن حضور القضية الفلسطينية يتطلب التفكير في كل الأطر التي تجمع الفلسطينيين (القدس، الشتات، عرب 48، الضفة الغربية، قطاع غزة).من هنا، يأتي "منتدى فلسطين السنوي" الذي سيعقده المركز العربي ومؤسسة الدراسات الفلسطينية، في كانون الثاني/ يناير من كل عام؛ على اعتبار مساهمة المركز في جمع الأطر الفلسطينية كافة، وعلى اعتبار أنه مؤسسة بحثية توفّق بين البحث العلمي والالتزام بقضايا الأمة كالعدالة والنضال ضد الاحتلال، كما أثبت المركز العربي التزامه بالديمقراطية والنضال ضد الاستبداد في مرحلة سابقة.

ثم قدمت كيت روحانا، مديرة الموقع، شرحًا تفصيليًّا عن الموقع؛ بدءًا العمل عليه منذ عامين ونصف، وشددت على أنه يهدف إلى تقديم الحقائق التاريخية والسردية التي غُيِّبت عن الكثيرين، والتي لا بد من أن يعرفها المهتمون بالقدس وتاريخها. وعرضت روحانا أقسام الموقع بالتفصيل، وخصوصًا قسمه الأكبر "الصورة الكبرى"، الذي يقدّم لمحة عامة عن تاريخ القدس، والعدوان الإسرائيلي عليها منذ نشوب النكبة عام 1948، وأتبَعت ذلك بالحديث عن أقسام الموقع الأخرى التي تتناول عملية تقسيم المدينة إلى شرقٍ وغربٍ، وإفراغ الجزء الغربي من سكانه الأصليين، فضلًا عن قسم "القصص الشخصية" الذي يتناول حيوات عدد من العائلات المقدسية التي تعرضت للتهجير والتضييق من الاحتلال الفلسطيني. ويعبر هذا القسم الأخير من الموقع عن جهد توثيقي إثنوغرافي قام به فريق عمل الموقع لتوثيق هذه القصص الشخصية الحقيقية. ويشتمل، إلى جانب كل ذلك، على خريطة تفاعلية لتبيان مدى التوغل الإسرائيلي في مدينة القدس عبر الأزمنة، ومناطق الحواجز الأمنية والبلدة القديمة والمستوطنات التي شُيدت، والتي يجري تشييدها، والجدار العازل. وأشارت روحانا كذلك إلى أن الموقع يشتمل على قسم للتدوينات الذي يتناول الحياة اليومية في القدس، وأنه بمنزلة بوابة تفاعلية تمكّن الجماهير من المشاركة فيها، ولا سيما عبر مشاركة قصص القدس. واختتمت بالإشارة إلى ما يقدمه الموقع من ذاكرة مصورة عن القدس، ودعت المهتمين إلى المشاركة في قصص الموقع عبر بوابة التطوع التي يوفرها الموقع نفسه.