استضافت وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مساء الأحد، 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، في إطار سلسلة محاضراتها الشهرية، دينا آل ثاني، الأستاذة المشاركة في كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة، التي قدّمت محاضرة عن "رحلة الشمول الرقمي: حالة دولة قطر"، أدارتها الباحثة في الوحدة العنود آل خليفة.
تناولت المحاضرة دور التطورات التكنولوجية في تعزيز الاستقلالية للأشخاص ذوي الإعاقة، ومهّدت لذلك بتقديم تعريفات أكاديمية محددة للمصطلحات التي تستخدمها، بدءًا من "الأشخاص ذوي الإعاقة"، وهم الأشخاص الذين يعانون إعاقات جسدية أو عقلية أو فكرية أو حسية طويلة الأمد، و"الوصول"، وهو توفير إمكانية وصول المستخدمين أو الأفراد إلى الخدمات بغضّ النظر عن قدراتهم أو لغاتهم أو دياناتهم، ما يمكّن الأشخاص ذوي الإعاقة من أن يعيشوا مستقلين ويشاركوا في جميع جوانب الحياة، و"التكنولوجيا المساعدة"، وهي الأدوات التي تمكّن الأفراد من العمل على نحو طبيعي بالطريقة التي يفضّلونها، بغضّ النظر عن إعاقاتهم، والتي تساعدهم، في رأي منظمة الصحة العالمية، في تحسين الوظائف المتعلقة بالمعرفة والتواصل والسمع والحركة والرعاية الذاتية والرؤية، أو الحفاظ عليها؛ ما يعزز صحتهم ورفاهيتهم وشمولهم ومشاركتهم.
وأكدت المحاضرة على أهمية اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي تستشهد بها الكثير من الأبحاث في هذا المجال، لا سيما المادة التي تركّز على الوصول إلى المعلومات، ثم انتقلت للحديث عن قائمة المنتجات المساعِدة ذات الأولوية التابعة لمنظمة الصحة العالمية. ففي عام 2016، أكدت المنظمة أهمية التكنولوجيا المساعدة، وجعلتها واجبًا على الدول الأعضاء، وقدّمت قائمة من المنتجات أعدّها خبراء في هذا المجال، وذكرت المحاضِرة أنها شاركت في إعدادها. وفي عام 2020، نُشرت قائمة محدّثة، حددت 50 منتجًا ذات أولوية استنادًا إلى الحاجة الواسعة وتأثيرها في حياة الأفراد. وأوضحت المحاضرة أنّ المنظمة تشجّع الدول على توفير هذه المنتجات مجانًا لمواطنيها، وفي الأثناء، تُبذل الجهود لإنشاء قائمة ثانية تتضمن الذكاء الاصطناعي لمساعدة الدول الأعضاء في تطوير المنتجات المساعدة ذات الأولوية الوطنية.
وشرحت بالتفصيل جهود دولة قطر وإنجازاتها في هذا الصدد، فتحدثت أولًا عن اليوم العالمي للتوعية بمرض التوحّد، الذي اقترحته صاحبة السموّ الشيخة موزا بنت ناصر على الأمم المتحدة عام 2007، والذي اعتُمِد من دون تصويت. وتمثَّل الإنجاز الثاني بإطلاق قطر لمركز "مدى" للتكنولوجيا المساعدة، الذي تأسس عام 2009، وكان المركز الوحيد في المنطقة الذي يوفر خدمات التكنولوجيا المساعدة لمواطني دولة قطر وللمقيمين فيها. ومن بين إنجازاته سياسة الوصول الإلكتروني الوطنية eAccessibility، التي تضمن إمكانية الوصول إلى الويب للجميع. وذكرت أن ثلاث دول فقط في المنطقة العربية حاليًا لديها سياسات وصول إلكتروني، وهي قطر (2011)، وعُمان (2014)، والإمارات العربية المتحدة (2024). أما الإنجاز الثالث فهو "إعلان الدوحة"، الذي تبنّاه المؤتمر الدولي الأول حول الإعاقة والتنمية، الذي عُقد في العاصمة القطرية، في كانون الأول/ ديسمبر 2019، وتناول التكنولوجيا المساعدة وإمكانية الوصول، انطلاقًا من مسعى إعادة تعريف الفهم التنميطي للإعاقة لمكافحة التمييز والمفاهيم الخاطئة. وأفادت بأن الشيخة موزا نشرت رسالة مفتوحة، عام 2022، لزيادة الوعي حول التوحد، شددت فيها على دور التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي.
وذكرت المحاضرة أنّ دولة قطر احتلت المرتبة الأولى في تقييمٍ عالمي لحقوق الوصول الرقمي، وهو مؤشر الوصول الرقمي العالمي، الذي يقيّم جاهزية البنية التحتية، والوعي العام، وخدمات الحكومة والمنظمات غير الحكومية في البلد. ومن الجهود الوطنية الإضافية أنّ دولة قطر واحدة من أولى الدول التي صدّقت على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في أيار/ مايو 2008، وفي نيسان/ أبريل 2015، اعتمدت قانونًا يتعلق بالأشخاص ذوي الإعاقة شمل جميع الحقوق الواردة في الاتفاقية. وقد اعتمد مجلس الوزراء القطري قانونًا جديدًا للأشخاص ذوي الإعاقة في آذار/ مارس 2024، متماشيًا مع اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. علاوةً على ذلك، يجري تحديث خطة قطر الوطنية للتوحد (2017-2021) حاليًا، مع خطط لإطلاق نسخة ثانية قريبًا، تهدف إلى تحسين الخدمات المقدَّمة للأفراد ذوي التوحد.
وعرضت المحاضِرة دليلين مهمَّين يتعلقان بإمكانية الوصول: الأول هو W3C، وهو عبارة عن هيئة مسؤولة عن وضع السياسات المتعلقة بالويب، تشكّل مجموعة لوضع إرشادات عن إمكانية الوصول إلى الويب، تُراجَع باستمرار. وقد نُشِرَت منها ثلاث نسخ رئيسة حتى الآن، تستهدف في المقام الأول مطوّري الويب لضمان وصول محتوى الويب للجميع. والثاني، هو "مبادئ التصميم الشامل"، الذي يُعدّ نهجًا يركّز على ضمان عدم استبعاد أيّ شخص خلال مرحلة التصميم. وفي عام 1997، في جامعة ولاية كارولينا الشمالية في الولايات المتحدة الأميركية، طوّر مهندسون ومصممو منتجات وباحثون في التصميم البيئي المبادئ السبعة للتصميم الشامل. وتشمل هذه المبادئ الاستخدام العادل، ومرونة الاستخدام، والبساطة والفهم، والمعلومات القابلة للإدراك، والتحمّل للأخطاء، والجهد البدني المنخفض، والحجم والمساحة المناسبة للاستخدام.
اختُتمت المحاضَرة بتقديم الباحثة عملها الخاص، لا سيما مركز التميز في استشعار التوحد A-Sense، الذي تأسّس في نيسان/ أبريل 2024، وتسهم في قيادته وإدارته، وهو مركز عالمي يهدف إلى تعزيز التكنولوجيا الابتكارية في مجال تقييم التدخلات الخاصة بالتوحد، ويسعى إلى تقديم تقنيات مؤثّرة لدعم الأطفال المصابين بالتوحد وعائلاتهم، من خلال البحث المتعدد التخصصات في مجالات الحوسبة والطب والتعليم، وتطوير تقنيات تجمع بين قدرات الذكاء الاصطناعي وتقنيات الاستشعار المتقدمة لتقييم كمّي للأطفال المصابين بالتوحد.
شهدت المحاضرة إقبالًا وتفاعلًا واسعَين. وطرح عددٌ من الحضور تساؤلاتهم حضوريًا عن محاور عدّة، من قبيل تخصيص الذكاء الاصطناعي في حال نقص البيانات، وأولويات الخطة الوطنية للتوحد، وتحديات الشمول الرقمي، وامتداد الشمول الرقمي بحيث يوفر الحماية لفئة أصحاب الإعاقة من الانتهاكات السيبرانية أو المواد غير اللائقة، والشمول الرقمي المالي، وغيرها.