نظّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوم الأحد 12 أيار/ مايو 2024، ندوةً لمناقشة كتاب "القيادة في المجتمع العربي الإسلامي قبل الاستعمار: الأسس الاجتماعية، المرجعيات الثقافية، النماذج"، الذي صدر عن المركز، وحرّره الأستاذ في برنامج علم الاجتماع بمعهد الدوحة للدراسات العليا، المولدي الأحمر، وأسهم فيه عدد من الباحثات والباحثين المختصين. والكتاب يستند، في الأساس، إلى ندوة نظّمها المعهد في عام 2019.

أدار الندوة الباحث في المركز العربي ورئيس تحرير دورية "سياسات عربية"، حيدر سعيد، وشارك فيها عدد من الباحثين من حقول مختلفة في العلوم الاجتماعية، وهم: أدهم صولي، رئيس برنامج الدراسات الأمنية والنقدية بمعهد الدوحة؛ وعبد الكريم أمنكاي، أستاذ العلوم السياسية بالمعهد؛ ورشيد جرموني، أستاذ علم الاجتماع بجامعة مولاي إسماعيل بالمغرب، كما تضمنت الندوة تعليقات لاثنين من المشاركين في الكتاب، وهما: حسين السوداني، الأستاذ بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس؛ ومحمد الحاج سالم، الباحث بجامعة منّوبة، فضلًا عن المولدي الأحمر محرر الكتاب.

بدايةً عرض الأحمر تطور مشروع الكتاب وسؤاله المركزي، الذي نما إبان إنجاز الباحث مشروعًا بحثيًا حول جذور الدولة الحديثة في ليبيا، حيث طرحت لديه قراءة الأرشيف واليوميات الليبية سؤال القادة والزعماء الذين لم يكن لهم وجود في المدونة الأوروبية فيما يتعلق بالظاهرة السياسية والاجتماعية في ليبيا. أما بداية انطلاق المشروع الفعلي فكانت بناء على مقالة منشورة بعد اندلاع الثورة في عام 2011 بعنوان "ثورة بدون زعماء". وعرض الأحمر موقع الكتاب ضمن مشروعه البحثي؛ إذ يمثل جزءًا ضمن ثلاثة أجزاء يشتغل عليها، ليجمل بعد ذلك خلاصة ما توصل إليه الكتاب في أن مفهوم القيادة في المجتمعات العربية الإسلامية له مضمون سياسي بالضرورة، بينما لا يتضمن ذلك في الأدبيات الغربية حيث يرتبط بتقسيم العمل في الحياة الاجتماعية عمومًا.

ثمّن أدهم صولي، في مداخلته، أهمية الطرح العام للكتاب في العالم العربي، ورأى أنه سيفتح مدخلًا لنقاشات حالية حول القيادة والزعامة. وقدم بعد ذلك ملاحظتين: الأولى عن الاستخدام المتبادل بين مفهومي "القيادة" و"الزعامة" في الكتاب، وتركيزه على تحليل ظاهرة الزعامة في حين يأتي عنوانه تحت القيادة. والملاحظة الثانية هي حول تقديم الكتاب مدخلًا لفهم العلاقة بين الديني والسياسي، فمحاولة الأحمر مثلًا، بحسب صولي، كانت مهمة في تسليط الضوء على هذه العلاقة في شخصية الرسول الزعيم وموقعه. ويمكن لذلك أن يفتح مجالًا لنقاش واسع بتوظيف الأصول اللغوية لمفهوم الزعيم. ونبّه صولي إلى أن هنالك آفاقًا واسعة وحاجة إلى استحضار مسألة الهوية بربطها مع السلوك السياسي والقيم في إنتاج الزعامة.

أما جرموني فشدد على ملاحظة منهجية تتعلق بسياق الأدوات المفهومية الموظفة في الكتاب، وبدرجة أكبر في فصل "الرسول الزعيم"، وهي أدوات مفهومية تنتمي إلى السياق الأوروبي الحديث، متسائلًا عن مدى إمكانية تطبيقها، مشيرًا إلى أن هنالك مجموعة من الأدبيات السابقة في هذا المجال، ليثير بعد ذلك نقدًا حول فكرة الزعامة بوصفها بناء اجتماعيًا في تجربة زعامة الرسول التي يطرحها الأحمر.

أما أمنكاي فقدم تلخيصًا لجميع فصول الكتاب، وعرض السؤال المركزي عن الخصائص المميزة لظاهرة القيادة والزعامة في العالم العربي الإسلامي، وعدد بعد ذلك ثلاثة عناصر تنتج ظاهرة القيادة؛ وهي: أولًا عنصر ذاتي وهو الكاريزما، وثانيًا عنصر رأس المال الرمزي، وثالثًا خصائص سياقية حول أزمة المجتمع، وشروط الاستعمار وغيرها. وقدم أمنكاي بعض المداخلات النقدية عن حاجة الكتاب إلى فصل ختامي يعطي فكرة عامة ويربط بين الفصول المختلفة، بالإضافة إلى غياب النقاش النظري مع المنتوج النظري العربي حول القيادة، كمساهمات عبد الله الحمودي في القيادة الطرقية الصوفية، على سبيل المثال.

كما تحدث حسين السوداني عن الفصل الخاص به، مبيّنًا أن مشروع الكتاب كان فرصة لاختبار مفهومين لسانيين لديه؛ أولهما مفهوم "المعنى النووي"، الذي طوره ضمن معجم الدوحة التاريخي، وقد اختُبر هذا المفهوم بتتبع الأصول اللغوية لمفهوم الزعامة في القواميس العربية. أما المفهوم الآخر فهو مفهوم الاستعارات التصورية الذي يعكس البعد الكوني للاستعارات التي تتوزع في الفضاء الاجتماعي.

وناقش محمد الحاج سالم مفهوم "اللقاحية" والمجتمع الرافض للزعيم، مشددًا على ضرورة دراسته على نحو مقارن داخل العالم العربي، وبينه وبين أجزاء أخرى من العالم.

وقد أعقب المداخلات نقاش ثري، شارك فيه الباحثون في المركز العربي، وأساتذة معهد الدوحة وطلابه. واختتمت الندوة بتعقيب لمحرر الكتاب، عرض فيه جملة من القضايا والأسئلة التي أثارتها التعقيبات.