انطلقت، صباح الثلاثاء 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، أعمال الورشة العلمية التي نظمهتا دورية حكامة، الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا، بعنوان "حوكمة سياسات البيئة في البلدان العربية: المخاطر والفرص وبرامج الإصلاح". استمرت الورشة يومين، وشارك فيها 13 باحثًا عربيًا من عدة بلدان عربية، بأوراق تتنوع موضوعاتها لتناول العديد من جوانب السياسات العامة في المجال البيئي. وكانت حكامة قد طرحت في خريف العام الماضي الورقة المرجعية لهذا الملف البحثي، ودعت الباحثين والأكاديميين من مختلف التخصصات المعنية بقضية البيئة إلى المساهمة فيه بأبحاثهم. وحددت جملة من المحاور شملت قضايا الإدارة البيئية وتعزيز الاستدامة، والحدّ من التغير المناخي، والتعاون الدولي في المجال البيئي، فضلًا عن القضايا المتصلة بالكوارث الطبيعية وانعكاساتها البيئية، وغيرها من القضايا.

البيئة العربية بين تحديات كبيرة وتوجهات طموحة

افتتح الورشة عبد الفتاح ماضي، رئيس تحرير حكامة، مرحبًا بالحضور ومشيرًا إلى الضرورات التي دعت حكامة إلى أن تتبنى هذا الملف، والمتغيرات التي طرأت على البلدان العربية، من اهتمام واسع بقضية البيئة، وضغوط على الموارد البيئية، سبّبتها عوامل بشرية تتعلق بمسالك الهدر البيئي، وفشل الحكومات في إدارة مجتمعاتها، فضلًا عن الصراعات والحروب، وعوامل طبيعية رأينا أثرها الصعب في شكل زلازل وفيضانات ضربت عددًا من الدول العربية. وعرض محرر الملف الحسين شكراني، الأستاذ المحاضر بجامعة القاضي عياض في المغرب، المرجعية العلمية للموضوع، والأسئلة التي شكّلته، وبخاصة التحولات في الفكر البيئي، التي دفعت إليها تطورات دولية مهمة، وظروف داهمت العالم، من قبيل جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، لم يكن العالم العربي بمنأى عنها. وأشار إلى التصورات البيئية التي باتت تقلص القدرة على الحفاظ على البيئة، منها نزعات تسليعية وتصورات نفعية، لا تلقي بالًا لضرورة الاستدامة وعدالة استخدام الموارد، وموجبات الإنصاف بين الأجيال.

ناقشت الجلسة الأولى، التي ترأّستها مروة فرج، مديرة تحرير حكامة والأستاذة المشاركة في معهد الدوحة للدراسات العليا، "التوجهات العربية في مجال حوكمة سياسات البيئة". وبدأت بعرضٍ لورقة يسرا قاضي، الأستاذة في جامعة السلطان مولاي سليمان بالمغرب، بعنوان "تعزيز الاستدامة البيئية في البلدان العربية"، وفيها تحليل مقارن لآليات تطوير السياسات العربية في المجال البيئي، وما يبرز في هذا الخصوص من تحديات تخصّ الحوكمة وأولويات الإصلاح. ثم قدّم محمد مرزوق، الأستاذ الزائر بجامعة القاضي عياض، ورقته بعنوان "اتساق سياسات الحد من المخاطر البيئية بالمنطقة العربية". وناقش أطرًا دولية ثلاثة، هي: الإطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث 2015-2030، وخطة أهداف التنمية المستدامة 2030، واتفاق باريس 2015 بشأن تغير المناخ. وختمت الجلسة آية بدر، باحثة دكتوراه في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، بورقة عنوانها "نهج الإصلاحات المؤسسية: معالجة معضلة تغير المناخ والهشاشة في الدول العربية الهشة والمتأثرة بالصراعات"، قدّمت فيها تقييمًا للحجج المتعلقة بقدرة الدولة وفاعلية المؤسسات في معالجة تغيّر المناخ والتغلب على الهشاشة والحفاظ على السلام في المنطقة العربية.

أما الجلسة الثانية، التي ترأّسها عبده موسى البرماوي، الباحث في المركز العربي وعضو هيئة تحرير حكامة، فتناولت موضوع التغيرات المناخية وآليات مواجهتها. وعرضت مروة صبحي، مدرسة العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، في جامعة القاهرة، ورقتها بعنوان "تأثير حوكمة المناخ المتعددة المستويات في الصين في سياسات الاستدامة المحلية الحضرية". وفيها دراسة حالة لبرنامج المدينة المنخفضة الكربون في مدينة شنتشن. واعتمدت الورقة على مفهوم الحوكمة المتعددة المستويات، وكيفية انعكاس تطبيقاته في الحالة الصينية، عبر تجربة المدن المنخفضة الكربون. وقدّم عبد الصمد فاضل، الباحث في مجال قضايا البيئة الدولية والتحولات المناخية، ورقته عن "آلية الاتحاد الأوروبي لتعديل حدود الكربون وانعكاساتها على السياسة البيئية للدول العربية". وعرض تحليلًا مستفيضًا للآليات الأوروبية. وبيّن أنّ الانتقال الطاقي بات ضرورة على الدول العربية مواكبتها، وأنّ آلية تعديل حدود الكربون للاتحاد الأوروبي تقدّم نموذجًا مهمًّا في هذا الاتجاه. واختُتمت أعمال اليوم الأول بورقة محمد صدوقي، الأستاذ المحاضر في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، في جامعة محمد الأول بوجدة المغربية، بعنوان "تمويل التغيرات المناخية ومرونة (صمود) المجتمعات المحلية في البلدان العربية"، وأوضح أنّ التمويل المتعلق بالمناخ يمثّل آلة داعمة لخطط احتواء أثر تغيرات المناخ، وعرض نماذج التمويل الأخضر الناجحة مبرزًا أنّ رصد المخصصات المالية للعمل المناخي لا يزال يصطدم عربيًا بضعف القدرات المالية للحكومات، وتشرذم الجهود وبقائها محصورة في قطاعات بعينها.

قضايا ملحّة في حوكمة البيئة العربية

طرحت الجلسة الثالثة من الورشة، التي ترأّسها الحسين شكراني، موضوع "قضايا ملحة أمام سياسات البيئة العربية". وعرض يوسف الظهرجي، الأستاذ المحاضر بجامعة القاضي عياض، ورقته بعنوان "الماء في السياسات العمومية للدولة: أنموذج الأردن والمغرب". وقدّم تحليلًا لتلك السياسات يكشف الأبعاد المرتبطة بالأمن المائي والغذائي، والآثار السلبية للندرة المائية في الفئات المستضعفة. وتابع لحسن لحسناوي، الأستاذ المحاضر في العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض، وقدّم ورقته بعنوان "الأمن الغذائي في المنطقة العربية: بين تأثير سياسات المؤسسات المالية الدولية وتداعيات التغيرات المناخية". وعرض تحليلًا لمسببات ضعف الأمن الغذائي في المنطقة العربية، وعلاقته بمستويات الإنتاج والتغيرات الديموغرافية. وعرض منير الجراية، الأستاذ الباحث في علم المناخ، في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة صفاقس التونسية، ورقته "ما بعد كوفيد-19 والمخاطر الصحية المستجدة في علاقة بالتغيرات المناخية في البلاد التونسية: موجبات تعديل السياسات". واستعرض صور تأقلم الاستراتيجية الصحية الوطنية التونسية مع المخاطر الصحية المتصلة بالتغيرات المناخية. وأوضح أنّ هذه الاستراتيجية قد نشطت في جميع مجالات التدخّل الوقائية والعلاجية، مستهدفةً تطوير جاهزية المنظومة الصحية لمجابهة الأوضاع الوبائية المستجدة. أما تطبيقها فظل رهين الفجوة المتسعة في توزيع البنية الصحية الأساسية والإطار الطبي في تونس.

أما الجلسة الرابعة، التي ترأّسها موسى علاية، مدير تحرير حكامة والأستاذ المشارك في معهد الدوحة، فتناولت "أبعاد الحوكمة في ظل توجهات إصلاح السياسات البيئية". وعرض ربيع حدف، المختص الاجتماعي في وزارة التربية الوطنية والتعليم والرياضة في المغرب، ورقة بعنوان "السياسات التربوية البيئية في المغرب: حالة المنهاج الدراسي المغربي"، تناولت مضامين التربية البيئية في المنهاج الدراسي المغربي، وأظهرت أن هذه المضامين، بالرغم من غناها، اقتصرت على جوانب نظرية، وغابت الأبعاد المتعلقة بالسياسات التربوية البيئية. وقدّم مولاي إبراهيم كومغار، أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق في جامعة ابن زهر المغربية، ورقته بعنوان "تطوير آليات المراقبة على البيئة في المغرب". وبيّن أن أعمال المراقبة والرصد البيئي تسهم في تتبّع حالة البيئة على الصعيدَين الوطني والجهوي، وغياب آليات الرقابة والتدقيق والفحص البيئي يحدّ من قدرة السياسات على تحقيق غاياتها.

وفي الجلسة الخامسة والأخيرة، التي ترأّسها عبد الفتاح ماضي، بعنوان "مخاطر وتهديدات أمام البيئة العربية"، قدّم باسل رجوب، الأستاذ المساعد بكلية العلوم الإسلامية في فلسطين، ورقته بعنوان "الأنثروبوسين الإسرائيلي وتقويض الاستدامة البيئية في فلسطين". وسلّط الضوء على تأثير سياسات الاحتلال الإسرائيلي في النظم البيئية والإيكولوجية في فلسطين. وحلل مظاهر الإقصاء البيئي للفلسطينيين من خلال سبر الأبعاد الجيوسياسية الكامنة في صلب الاستراتيجيات الإسرائيلية المقوضة للاستدامة البيئية. وأخيرًا، قدّم الحسين شكراني ورقته بعنوان "في الحاجة إلى إعلان حالة الطوارئ الإيكولوجية في البلدان العربية". وفيها تقييم لقدرة الاقتصاديات الوطنية على تحمّل التكلفة المادية لهذا الإعلان، وآثاره في ضمان الاستقرار الاجتماعي وإبعاد شبح التفاوتات الاجتماعية والأزمات المناخية عن البلدان العربية. ودعت الورقة إلى إعلان حالة الطوارئ الإيكولوجية عربيًا، معتبرةً إياها ضرورة للتعامل مع المعضلة البيئية ومواجهة آثار التغيرات المناخية وتداعياتها.