نظمت وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ندوة "الرواية الخليجية: السوسيولوجيا الموازية" يومي 20 و21 كانون الثاني/ يناير 2024. وتناولت الندوة بالبحث طبيعة وأنماط تمثيل الروايات الخليجية للمجتمعات والبنى المجتمعية في بلدان الخليج، وسعت إلى سبر إمكانات الرواية الخليجية وتمثلها لمجتمعات الخليج من حيث مدى إفادتها في فهمٍ أدقَّ وأعمقَ وأوسعَ للمجتمعات الخليجية.

اشتمل جدول أعمال الندوة على 5 جلسات، شارك فيها 10 من الباحثات والباحثين المتخصصين الضالعين في البحث والكتابة في هذا الموضوع، وتضمّن كذلك جلسة حوارية يشارك فيها 8 من الروائيات والروائيين الخليجيين البارزين.

استُهلّت الندوة بكلمة افتتاحية قدّمها حيدر سعيد، رئيس وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية في المركز العربي، نوّه فيها بما شهده الأدبُ الروائي في بلدان الخليج من تطور وتقدير لافتَين للانتباه في العقدين الأخيرين، ورأى أن الصعود الراهن للرواية الخليجية يرتبط بالتحولات الاجتماعية الكبيرة التي شهدتها مجتمعات الخليج في الثلث الأخير من القرن العشرين. وبعجز العلوم الاجتماعية في بلدان الخليج عن تقديم أدبيات لفهم هذه التحولات الاجتماعية، أصبحت المادة السردية الأساسية للرواية الخليجية هي البنى الاجتماعية وتحولاتها، لتتحول الرواية - من ثم – إلى "سوسيولوجيا موازية"، تتمثل هذه التحولات، سعيًا لفهمها، ولتكسر الصورة النمطية التي شكّلها عصرُ الوفرة النفطية عن هذه المجتمعات. وأشار سعيد إلى أنّ الندوة تتمحور حول الأسئلة الآتية: كيف تبدو البنى الاجتماعية في الخليج وتحولاتها من خلال الرواية الخليجية؟ وكيف مثّلت الرواية البنى التقليدية وعمليات التحديث وسيرورة الانتقال بين بنيتين، أو حقبتين؟ وكيف تعاملت الرواية مع التاريخ السياسي الحديث للمنطقة؟ وكيف يبدو نسيج الهويات وتنوعها وتعددها في مجتمعات الخليج؟ وكيف يبدو "الآخر"، الداخلي والخارجي في هذه الرواية؟ ثم كيف سردت ماضي المنطقة القريب ما قبل الدولة الحديثة؟ وما إلى ذلك من أسئلة تدور في هذه الدائرة المفاهيمية.

أدارت الجلسة الافتتاحية الأولى، التي انعقدت تحت عنوان "الرواية الخليجية وسؤال الهوية"، الأكاديمية والإعلامية والأديبة حنان الفياض، وقُدّمت فيها ورقتان؛ الأولى قدّمها محسن جاسم الموسوي، أستاذ الأدب العربي الكلاسيكي الحديث، والدراسات المقارنة والثقافية، بجامعة كولومبيا، وكانت بعنوان "التجانس والتباين في السرديات الخليجية"، وقد حاجّ فيها بأنه في حين مثّل اكتشاف النفط، والتحوّلات التي رافقت ذلك، ولا سيّما في مهنة البحث عن اللؤلؤ، الموضوع الأبرز في كتابات ثمانينيات القرن العشرين، فإنّ روايات وقصصًا قصيرة خليجية عديدة شهدت تحولات في زاوية الكتابة منذ منتصف التسعينيات، عاكسةً مدى تعقُّد الواقع الاجتماعي، وخاصةً ما يرتبط منه بأزمة الهوية. ومن هنا، شدَّد الباحث على أهمية فهمِ التجانس والتباين بين الروايات الخليجية، بوصفها مؤشرات اجتماعية وسياسية واقتصادية، ومواد أرشيفية تشير إلى المستقبل، في الوقت الذي تتحدّث فيه عن الحاضر.

أما الورقة الأخرى، فقدّمها سعد البازعي، أستاذ آداب اللغة الإنكليزية والأدب المقارن بجامعة الملك سعود في الرياض، وهي بعنوان "’مدن التيه‘: عبد الرحمن منيف وسؤال الهوية"، ودارت إشكاليتها حول السؤال عن هوية منيف؛ أهو سعودي أم عربي؟ وهو سؤال رأى الباحث أنّه مُحيّر بالنسبة إلى كثير ممّن تعرّفوا إليه وقرؤوا أدبه. وجادل بأنّ من الشواهد التي تؤكّد هويته السعودية أسرتَه وجذورَه في منطقة القصيم السعودية، واهتمامَه بتاريخ السعودية. ومع ذلك، يجد الباحث ذلك غير كافٍ؛ فالعبرة ليست بالجذور ولا بالاهتمام، بل بكونه وُلِد ونشأ وتعلّم وعمِل خارج السعودية، بل إنه لم يكن له جواز سفر سعودي، ولم يستدعِ تجربة الحياة السعودية في كتابته. وخلص الباحث إلى أنّه على الرغم من أهمية خماسية "مدن الملح"، فإنّها مكتوبة من الخارج، باشتراطاته وتنميطاته، في الوقت الذي كان فيه المثقفون في داخل السعودية يدافعون عن حرية التعبير، وهو أمرٌ يمكن أن يوضح موقع منيف الهوياتي.

اشتمل اليوم الثاني للندوة على ثماني أوراق بحثية، قدّمها باحثون متخصصون في الموضوع، توزعوا على أربع جلسات على مدار اليوم، إضافةً إلى طاولة مستديرة شارك فيها ثمانية من الروائيات والروائيين الخليجيين البارزين.

منظور سوسيولوجي للرواية الخليجية

في الجلسة الثانية من الندوة، والأولى من اليوم الثاني، التي كانت بعنوان "الرواية الخليجية وتمثيل مجتمعها: منظور سوسيولوجي"، وأدارها الكاتب والباحث البحريني حسن مدن، عرضت هيا جمعة الشهواني، مساعدة البحث والتدريس في معهد الدوحة للدراسات العليا، ورقةً عنوانها "استكشاف تمثلات البنى الاجتماعية والتاريخ الاجتماعي في الروايات الخليجية"، حاولت فيها قراءة التاريخ الاجتماعي في الخليج من خلال أعمال روائيين خليجيين كتبوا عن الخليج، وفحص كيفية تمثيل البنى الاجتماعية في هذه الأعمال. وأكّدت الباحثة على أنّها لا تتعامل مع الروايات بوصفها مصدرًا للحقائق التاريخية أو المعلومات، بل بوصفها مادة يُمكن تحليلها لفهم كيفية صياغة التاريخ الاجتماعي في الأعمال الروائية.

وفي ورقة بعنوان "سرد الحياة اليومية في الرواية السعودية: في تأريخ ما لم يؤرخ، معالجة سوسيولوجية"، تناولت علياء العمري، الأكاديمية السعودية المتخصصة في تحليل الخطاب وسوسيولوجيا الحياة اليومية، طريقةَ سرد الحياة اليومية في بعض النماذج الروائية التي عُنيَت بحقبٍ زمنية متفاوتة في المجتمع السعودي، ساعيةً إلى عرض بعض مظاهر الحياة اليومية التي لم تؤرّخ سوسيولوجيًا داخل الأنساق والأطر الاجتماعية. وشدَّدت الباحثة على أنّ الرواية تُنتج في وسط اجتماعي، وتخضع لقواعد البناء الاجتماعي وأنظمته، بل إنها تتأثر بحركة المجتمع نحو التغيير والحداثة.

الذاكرة التاريخية في الرواية الخليجية

تضمّنت الجلسة الثالثة، وهي بعنوان "الرواية الخليجية والذاكرة التاريخية"، وقد ترأسها أيمن الدسوقي، رئيس برنامج الأدب المقارن بمعهد الدوحة للدراسات العليا، مداخلتين افتتحتهما زينب الياسي، المحاضرة في قسم اللغة العربية بجامعة الإمارات العربية المتحدة، بورقةٍ عنوانها "الرواية الخليجية: ذاكرة من لؤلؤ ومحار"، أكّدت من خلالها على أنّ التجربة السردية العربية ثرية بحمولتها الثقافية والفكرية، وأنها أسهمت في حفظ الذاكرة الإنسانية المعاصرة. أمّا الرواية، فجادلت الباحثة بأنّها تُعد وثيقة للكشف عن الجوانب الفكرية والثقافية والاجتماعية التي عاشتها المجتمعات الخليجية وما زالت تعيشها بشكلها الماضوي، والمعاصر، ومن ثم الحداثي، بل إنها أفرزت الكثير بالنسبة إلى الإنسان الخليجي بوصفها ذاكرةً جمعيةً مهمة.

وقدّم لؤي حمزة عباس، الأستاذ بقسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة البصرة، ورقةً بعنوان "الرواية العُمانية: من الأسطورة إلى تخييل التاريخ"، تطرّق فيها إلى الرواية العُمانية، التي اهتمّت بالتحقق التاريخي للذات في إطار الدولة، متّخذًا من رواية "موشكا" للكاتب العُماني محمد الشحري مثالًا، وقد قامت – بحسب وصف الباحث - بإعادة تخليق أسطورة ظفار الشعبية من خلال ما استلهمته من خبرات بيئية واسعة، على حد. وتطرّق الباحث أيضًا إلى رواية "الباغ" لبشرى خلفان، وعدّها تصويرًا لسردية الماضي، دافعةً إلى الانخراط العُماني في مجال الدولة الحديثة.

المرأة راويةً ومرويةً

تضمّنت الجلسة الرابعة "رواية المرأة في الخليج"، التي ترأستها مريم الكواري، الأستاذة المساعدة في العلاقات الدولية في قسم الشؤون الدولية بجامعة قطر، ورقتين؛ أولاهما بعنوان "الرواية الخليجية النسائية والتنوير"، وفيها تناول فهد حسين، الأكاديمي والناقد الأدبي البحريني، مسألة التنوير في منطقة الخليج العربي، محاولًا استكشاف إنْ كانت الروائية الخليجية، ومنطوق شخصياتها الورقية، على وعي بعملية التنوير والتحديث داخل المجتمع، ومحلّلًا أعمالًا لأربع روائيات من بلدان خليجية مختلفة. أمّا ثانيتهما، فكانت بعنوان "التحولات المجتمعية في الرواية النسائية الخليجية: مقاربة سوسيولوجية لنصين روائيين"، وقد رصد فيها حمد البليهد، أستاذ الأدب الحديث في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة الملك سعود بالرياض، جوانب من التحولات المجتمعية في الرواية الخليجية النسائية، متتبعًا خصوصيات المجتمعات الخليجية في سبعينيات القرن العشرين في أحداث روايتَي "غراميات شارع الأعشى" لبدرية البشر و"سيدات القمر" لجوخة الحارثي، لا سيما مسألة الانفتاح على الآخر في إثر حركة الهجرة في المجتمعات الخليجية آنذاك.

تمثيل الآخر في الرواية الخليجية

كانت الجلسة الخامسة بعنوان "الآخر روائيًا في مجتمعات الخليج: ممثِّلًا وممثَّلًا"، وقد ترأسها فيصل المضاحكة، رئيس تحرير صحيفة "غلف تايمز". حاول معجب العدواني، أستاذ النقد والنظرية في قسم اللغة العربية وآدابها بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الملك سعود، في ورقته "تمثيلات الآخر: الغربي والشرقي في الرواية الخليجية"، اكتشاف ملامح حضور الآخر روائيًا، بحسب حضوره من سارد إلى شخصية رئيسة مقابلة، أو شخصية مهمشة، ومتصلة بتلك البنى، والسارد وموقعه في السرد، في موضوع الآخر الغربي والشرقي في الرواية الخليجية. وقد اهتم بالآخر الغربي؛ ذلك الذي ينتمي إلى جذور أوروبية أو أميركية، أمّا الشرقي فهو يتعلق بالإيراني والتركي، كما أراد السارد.

وقدّمت ميساء الخواجا، الأستاذة المشاركة في الأدب والنقد في قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود، ورقة بحثية عنوانها "بناء الهوية السردية للآخر في مجتمعات الخليج: دراسة في نماذج من الرواية الأفرو-خليجية"، سعت من خلالها إلى دراسة تشكّل الهوية السردية للأنا والآخر في روايات كُتَّاب أفارقة عاشوا في المجتمع السعودي، منطلقةً من مفهوم الهوية السردية الذي أسّسه الفيلسوف والمنظر الأدبي الفرنسي بول ريكور، في محاولة للإجابة عن سؤال، هو: أكان السرد معبِّرًا عن التمسك بهوية واحدة مفترضة، أم هي هويات متشظية أعادت الذات اكتشافها في ظل إعادة بناء العلاقة مع الآخر؟

تمثيل المجتمعات في الصناعة الروائية الخليجية

اختُتِمت أعمال الندوة بطاولة مستديرة بعنوان "تمثيل المجتمعات الخليجية كما يبدو من المطبخ الروائي"، أدارها حيدر سعيد، رئيس وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية، وشارك فيها عدد من الروائيين والروائيات من بلدان الخليج العربية، هم: أحمد عبد الملك، وأميمة الخميس، وبشرى خلفان، وزهران القاسمي، وصالحة عبيد، وطالب الرفاعي، ومحمد اليحيائي، ويوسف المحيميد. وقد ناقشوا، فيما بينهم وبين الأكاديميين الحاضرين، الموضوع الذي درسته الندوة من منظورهم، بوصفهم منتجين للخطاب الروائي.