عقدت وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية، التي أطلقها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خريف 2022، باكورة فعالياتها، وهي المحاضرة الأولى في سلسلة المحاضرات الشهرية التي تخطط الوحدة لعقدها، واستضافت فيها الدكتور يوسف العبيدان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر وعضو مجلس الشورى السابق في دولة قطر.

عُقدت المحاضرة، التي جاءت تحت عنوان "تجربة الحكم في قطر: تطور المشاركة السياسية منذ الاستقلال إلى الوقت الحاضر"، يوم الثلاثاء 28 شباط/ فبراير 2023، في مقر المركز العربي، وأدارها الباحث عبد الرحمن الباكر.

استهلّ المحاضرة، حيدر سعيد، رئيس الوحدة والباحث بالمركز العربي، بتعريف موجز بالوحدة، مشيرًا إلى أن المركز أسّس الوحدةَ انطلاقًا من رؤية أن الدراسات التي تُنجز في إطار العلوم الاجتماعية والإنسانية عن هذه المنطقة لا تتلاءم مع أهميتها المحورية والأدوار التي تؤديها، وذلك بسبب الصورة النمطية الاختزالية التي رُسمت – عالميًّا – لهذه المنطقة، بكونها مجرد مصدر للطاقة، ومن ثم، انشغل الجهد البحثي عن المنطقة بالطابع السياساتي الملائم لذلك، وتقديم توصيات لمؤسسات صنع القرار، ما أغفل دراسة ديناميكيات تطور مجتمعات المنطقة، ومن ثم، فهمها ومقاربتها من منظورات حقول السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا والتاريخ وسواها، وهو ما تحاول أن تتداركه الوحدة، بتقديم معرفة موضوعية في هذا المجال، نابعة من الداخل وما يحدده من احتياجات بحثية، وبالتكامل مع المؤسسات النظيرة.

استهل العبيدان محاضرته بإيضاح أنّ الحديث عن تجربة الحكم في قطر لا بد أن يسبقه حديثٌ عن نشأة الكيان القطري على يد الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني (1826-1913)؛ إذ شهدت تلك النشأة مشاركة "أهل الحلِّ والعقد" في البلاد، انطلاقًا من تعاليم الدين الإسلامي التي تحث على مبدأ الشورى. وذكر أنه لم تكن هناك مشاركة سياسية في قطر بالشكل الذي كان موجودًا في دول أُخرى في المنطقة مثل الكويت والبحرين. وحتى عندما بدأت عوائد النفط تؤتي ثمارها منذ أواخر الأربعينيات من القرن العشرين، وتوسع نطاق التعليم، لم تتطور "الشورى" إلى إطار مؤسسي، ولم يحكمها تشريع مكتوب.

وأضاف العبيدان أنّ إصدار القوانين بدأ مع قانون رقم (1) لسنة 1961 بإنشاء جريدة رسمية لحكومة قطر، وذلك في عهد الشيخ أحمد بن علي آل ثاني (1920-1977). واللافت في هذا العهد قيام الحكّام بخطوةٍ أوّلية ساهمت في مسألة المشاركة السياسية. ففي عام 1964، أُنشِئ أوّل مجلس للشورى، وتكوّن من خمسة عشر عضوًا، وترأسه الحاكم ونائب الحاكم، وكان الأعضاء كلهم من الأسرة الحاكمة، بحكم أنّ المجتمع القطري كان يشهد ندرةً سكانيةً، وكان أبناء الأسرة الحاكمة هم الأقدر على إيصال الأمور إلى الحاكم. وأوضح المُحاضِر أنّ الأمر استمر حتى عام 1968، حينما أعلن هارولد ويلسون، رئيس وزراء بريطانيا آنذاك، عزم الحكومة البريطانية الانسحاب من المنطقة في عام 1971، وكان هذا الإعلان بمنزلة رسالة موجّهة إلى دول الخليج لتتهيأ لمواجهة الفراغ الذي كان سينجم عن الانسحاب البريطاني. فقامت قطر عام 1970 على يد الشيخ أحمد بإصدار نظام أساسي عُدَّ بمنزلة دستور مكتوب، وشُكِّلت أوّل وزارة مكوّنة من عشرة وزراء، وقد نصّ النظام على إنشاء مجلس للشورى. وقد أُعلِنَ استقلال قطر في 3 أيلول/ سبتمبر 1971.

وأكدّ العبيدان أنّه عندما قامت "الحركة التصحيحية" في تشرين الثاني/ نوفمبر 1972، وتولى الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني مقاليد الحكم، اتُخِذَت الكثير من القرارات، وتطور بناء المؤسسات السياسية، وكان من ذلك إحياء بيت الشورى. وبذا، يعدّ الشيخ خليفة مؤسس فكرة الشورى في قطر، فقد ألّف بشكلٍ فعلي مجلس الشورى، وأصدر لتعيين أعضائه أمرًا أميريًا في عام 1972، وانتقاهم من قبائل قطر ووجهائها، وكان عددهم عشرين. وكانت رؤية الشيخ خليفة هي بدء تجربة المشاركة السياسية بالأسلوب المتأنّي المُتدرّج، فكان المجلس يعبّر عن رأيه بصيغة توصيات وليس بشكلٍ إلزامي، كما اختص بالقوانين التي تُحال إليه من مجلس الوزراء. وفي عام 1976، ازداد عدد أعضاء مجلس الشورى إلى ثلاثين عضوًا لغرض تمثيل باقي القبائل، كما صدرَ قرار بأنّه يحقّ للمجلس اتخاذ قرارات بشأن المسائل الثقافية والاجتماعية. ومع تولي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مقاليد الحكم في عام 1995، نصّ البند الأول في مشروعه الإصلاحي على إنشاء لجنة للعمل على مشروع إنشاء دستور دائم، وشكّل لذلك لجنة في عام 1999، قدّمت مسودة الدستور في عام 2002، وجرى إقراره في عام 2004. إلا إن أول انتخابات لمجلس الشورى لم تجرِ إلا في عهد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الحكم لتنمو تجربة المشاركة السياسية في قطر مع الزمن نموًا متدرّجًا وآمنًا.

وقد كان العبيدان، في خلال المحاضرة، يدعّم فهمه الأكاديمي لتطور النظام السياسي في قطر، بخبرته المهنية؛ إذ رافق تطور المؤسسات السياسية، سياسيًا، ودبلوماسيًا، وكان عضوًا في لجنة كتابة الدستور، فضلًا عن عضويته في مجلس الشورى.

عُقب ذلك، شهدت المحاضرة إقبالًا وتفاعلًا واسعين مع ما قدّمه العبيدان، فطرح عددٌ من الحضور تساؤلاتهم عن موضوعات عدّة شملت تطورات المشاركة السياسية في قطر وبلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتجربة الدبلوماسية القطرية، ودور المرأة في المشاركة السياسية، وغيرها.