نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالشراكة مع المعهد العربي للتخطيط في دولة الكويت، مؤتمر "المؤسسات والتنمية في الدول العربية: التحديات والفرص"، في الفترة 28-30 نيسان/ أبريل 2024.
في الجلسة الأولى بعنوان "الإصلاح المؤسسي وآفاق التنمية في العالم العربي"، قدّم إبراهيم المرشيد أستاذ التعليم العالي في جامعة القاضي عياض بمراكش في المغرب، ورقته "نحو إدماج أفضل للمؤسسات غير الرسمية في استراتيجيات التنمية العربية: تحليل من منظور الاقتصاد المؤسسي الجديد"، التي أوضح أنّها تبحث في مدى الملاءمة بين المؤسسات الرسمية العربية والواقع الاجتماعي والثقافي المعيش، وتأثيرها في التنمية في السياق العربي. وخلص إلى أنّ تعثّر الاستراتيجيات التنموية في الأقطار العربية يعود إلى اختلالات مؤسسية ناجمة عن ضعف مستوى الاندماج بين المؤسسات الرسمية وغير الرسمية. وختم بتوصيات من أبرزها التشديد على أهمية المرونة في وضع السياسات وتنفيذها، وتجنيبها مقاومة المجتمع، والاهتمام البحثي بدور المؤسسات غير الرسمية.
ثم قدّم محمد حركات، أستاذ التعليم العالي في الاقتصاد السياسي والحوكمة في جامعة محمد الخامس، في الرباط، ورقة بعنوان "المؤسسات والحوكمة في البلدان العربية: مقاربة منهجية حول عناصر البناء وتعزيز القدرات والجهود البحثية ونجاعة الأداء"، حيث أشار إلى أنها تعتمد تصورًا عن شمولية تاريخية للحوكمة باعتبارها ظاهرة، ينطلق من تصور للعلوم الاجتماعية بوصفها علوم حوكمة بامتياز. واستعرض تصورًا للحوكمة وتطبيقاتها الجيّدة والارتقاء بالأداءات المرتبطة بها في المؤسسات العربية، وقدّم من زاوية نقدية الجدالات حولها، بخاصة ما اتصل بإشكاليات تعريفها وتعدد معانيها، وما يكتنف ذلك من أبعاد أيديولوجية تعبّر عن أغراض الفاعلين، أكثر من كونها مفهومًا علميًا. وبيّن، عبر استعراضه النظري، ما تُظهره الحوكمة من انعكاسات إيجابية على إنتاج المعرفة المرتبطة بالتنمية والاستقرار.
في أعقاب ذلك، قدّم مصعب موسى، المحاضر في مدرسة بودابست للاقتصاد، ورقته المشتركة مع أحمد القصار، بعنوان "الحوكمة وأهداف التنمية المستدامة في الدول العربية: دراسة تطبيقية"، التي أشارت إلى أهمية مفهومَي الحوكمة والتنمية المستدامة، وقدّمت تحليلًا قياسيًا لأثر مؤشرات الحوكمة الجيدة الصادرة عن البنك الدولي في مدى تحقيق أهداف التنمية المستدامة في 21 دولة عربية، خلال الفترة 2000-2022. وباستخدام نموذج الانحدار الذي اعتمدته الورقة في التحليل، بيّن الباحثان أثر اضطرابات الربيع العربي ومدى الاعتماد على النفط. وقد أظهرت نتائج التحليل أثرًا لمؤشرات الحوكمة الفرعية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ووجود دور محدود لحجم الحكومة باعتبارها متغيرًا وسيطًا في النموذج المقترح، وبما يقتصر على مؤشّرَي "الجودة التنظيمية" و"حكم القانون". وقد أثّر الهيكل الاقتصادي المعتمد على النفط إيجابيًا في العلاقة بين الحوكمة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
أما في الجلسة الثانية، بعنوان "الحوكمة وتطور الإدارة العامة"، برئاسة محمد أبو زينة، أستاذ اقتصاديات التنمية والسياسة العامة بمعهد الدوحة للدراسات العليا، فقد أشار عبد الله العجمي، المحاضر في مدرسة غرونوبل العليا للإدارة بفرنسا، إلى هدف ورقته المشتركة مع أحمد الخالدي، بعنوان "أثر القيادة المسؤولة لجهاز الإدارة العامة في الابتكار من خلال العمل الحكومي: تحليل مفاهيمي ودراسة ميدانية"، وهو بيان العلاقة بين الابتكار واستراتيجية القيادة المسؤولة لجهاز الإدارة العامة. واستعرضت الورقة سبل زيادة الابتكار داخل جهاز الإدارة العامة وفق منظور القيادة المسؤولة، مؤكدةً أنه يمثل ضرورةً حيويةً تيسّر الاستجابة للمتطلبات المتزايدة على الخدمات التي تقدّمها مؤسسات الدولة. وأظهرت علاقة استراتيجيات القيادة المسؤولة بسلوك العمل الابتكاري، وأثرها في تطور أداء أجهزة الإدارة العامة، وأوصت في الختام بضرورة إيلاء المهارات الإدارية التقنية الاهتمام، حتى يعمل جهاز الإدارة العامة بطريقة فعّالة اجتماعيًا. وشددت على أنه في حاجة دومًا إلى قادة ذوي منظور اجتماعي يسمح لهم بتنمية علاقة وظيفية إيجابية مع المجتمع.
ثم قدّم محمد صادق خليفة، مدير دراسات وتقييم مخاطر الفساد بهيئة مكافحة الفساد في فلسطين، ورقته بعنوان "دور الحوكمة في مكافحة الفساد في فلسطين". واستعرض واقع التزام معايير الحوكمة في القطاع العام الفلسطيني، ودورها في مجابهة ظواهر الفساد، استنادًا إلى تحليل بيانات البنك الدولي لمؤشرات الحوكمة في القطاع العام، والتقارير السنوية عن واقع النزاهة ومكافحة الفساد الصادرة عن الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان). ونبّه الباحث إلى التحديات التي تحول دون التزام مبادئ الحوكمة في السياق الفلسطيني، ومنها: اســتمرار سياســات الاحتــلال الإســرائيلي الممنهجــة ضــد الشــعب الفلســطيني لنهــب ثرواتــه ومــوارده، وتهويــد الأراضــي، وخاصــة في القــدس، وقرصنــة أموال المقاصــة، وتطبيق أنظمة قانونية متباينة في البلاد، فضلًا عن استمرار الانقسام السياسي. وخلص إلى أنّ ضعف الحوكمة أظهر مدى تراجع منظومة النزاهة والوقاية من الفساد، والذي انعكس على ملامح منها محدودية دور ديوان الرقابة المالية والإدارية، وﺿﻌف الإرادة ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ مكافحة الفساد، وضعف مساءلة المؤسسات العامة التنفيذية غير الوزارية، إضافةً إلى ضعف الرقابة والمساءلة المتعلقة بالخدمات العامة التي يديرها القطاع الخاص، وتراجع دور القضاء.
وفي الجلسة الثالثة حول "الإصلاح المؤسسي وقضايا المشاركة والتنمية"، عُرضت ثلاث أوراق. فقد قدّم الباحث ناصر الدين باقي، الأستاذ في مركز "نور البشير" الجامعي بالجزائر، ورقة بعنوان "المقاربة التشاركية ومستويات التنمية في الجزائر"، تناولت تأثير المقاربة التشاركية في الجزائر في تحقيق التنمية، منذ موجة التغيير التي شهدها الوطن العربي عام 2011. واستعرضت سياسات إشراك القطاع الخاص في عملية التنمية، مبينةً أنّ تعثّرها قد أسهم في الأزمة السياسية التي تجلّت في أعقاب "أزمة الزيت والسكر" عام 2011، ثم حراك الجزائر عام 2019. وجاء الاهتمام بالقطاع الخاص بعد مخاض عسير وصراعات أيديولوجية تمخّضت عن توافق سياسي قبل عقود، وفي إطاره تولّدت المقاربة التشاركية بعدما تأخّرت عقودًا، واستدعى تطبيقها تغيرات عدة في هيكل الاقتصاد الجزائري. وأوضحت أنّ الحراك الشعبي في مطلع عام 2019 كان سببًا في إعادة توجيه الاقتصاد وإشراك القطاع الخاص تحت رقابة الدولة والمجتمع المدني. وهي الإجراءات التي تشهد ضعفًا في التطبيق، بسبب العراقيل الإدارية.
ثم قدّمت الباحثة أبرار بنت ناصر بن حميد الحضرمية، الاختصاصية الاجتماعية بوزارة التربية والتعليم العمانية، ورقتها "متطلبات الحوكمة في مؤسسات المجتمع المدني لدعم برامج التنمية المحلية بسلطنة عمان". وتساءلت عن متطلبات الحوكمة الخاصة بتنمية الموارد المالية والبشرية للجمعيات النسوية. واستعرضت، استنادًا إلى حالة الدراسة المتمثلة في جمعيات المرأة العمانية في محافظتَي مسقط وشمال الباطنة، متطلبات الحوكمة الخاصة بالديمقراطية الداخلية والشفافية والمساءلة. وخلصت إلى أنّ المتطلبات الخاصة بالشفافية تظل الأهم ضمن متطلبات الحوكمة، يلي ذلك المتطلبات الخاصة بمبدأ المساءلة. وبيّنت تراجع المتطلبات المتعلقة بمبدأ المشاركة، وتنمية الموارد المالية والبشرية. وأوصت في عرضها بضرورة إجراء المزيد من الدراسات والأبحاث العملية حول أهمية تطبيق الحوكمة داخل منظمات المجتمع المدني، وتوفير بيئة ملائمة تساعد القائمين على الجمعيات.
واختُتمت العروض بورقة مشتركة أعدّها أحمد محمد الماوري، الأستاذ المشارك، ومدير مركز الامتياز للتدريب والاستشارات في معهد الدوحة للدراسات العليا، وعمر عبد الحفيظ القصيص، بعنوان "دور التخطيط بالمشاركة المجتمعية في تنمية المجتمعات المتأثرة بالصراعات: اليمن نموذجًا". انطلاقًا من حالة الدراسة التي ركزت على اليمن، أوضحت الورقة أهمية دور التخطيط بالمشاركة المجتمعية في تنمية المجتمعات المتأثرة بالصراعات. وسلّطت الضوء على مستوى تطبيق التخطيط بالمشاركة المجتمعية، اعتمادًا على آراء عيّنات من العاملين في المجال التنموي وأعضاء اللجان المجتمعية. وأظهرت أنّ المجتمعات المتأثرة بالصراعات تعيش أوضاعًا يتضاءل فيها دور السلطة في التنمية المحلية وينحسر بشدة تأثير المجتمع في السياسات. وكشفت النتائج عن علاقة ذات دلالة إحصائية بين التخطيط بالمشاركة المجتمعية وتنمية المجتمعات المتأثرة بالصراعات، وبما يُظهر أنّ المشاريع المخطط لها بمشاركة المجتمع قد لبّت احتياجاته على نحو أكبر، وأسهمت في تحسين الخدمات في المناطق المستهدفة، وفي توفير فرص عمل لأفراد المجتمع. وأوصت الورقة بتعزيز دور المشاركة المجتمعية في التنمية المحلية في كافة المراحل والتدخلات، وذلك بالشراكة مع السلطات المحلية، وإيلاء المرأة والفئات المهمشة والضعيفة دورًا أكبر في كافة مراحل التخطيط للتنمية.
في الجلسة الرابعة من المؤتمر، بعنوان "حوكمة المؤسسات في سياق الصراعات"، قدمت ربى محمد علي العكش، مديرة مركز دراسات اللاجئين والنازحين والهجرة القسرية بجامعة اليرموك في الأردن، ورقة كتبتها بالمشاركة مع صالح محمود علي بازي ونادين الصادق ونور تيسير، بعنوان "من المنزل إلى المأوى: إعادة تقديم المبادرات الإنسانية في الشرق الأوسط من أعلى إلى أسفل"، بحثت في طبيعة المبادرات الإنسانية التي تهدف إلى تمكين مجتمعات اللاجئين، بالتركيز على السياق الأردني. واستعرضت الصعوبات الهيكلية في هذا السياق، ومنها ضعف الحساسية الثقافية. وباعتماد منهج البحث الأرشيفي، بيّنت الفجوة بين مزوّدي الخدمات الإنسانية واللاجئين؛ ما يؤثر في فعالية المبادرات الإنسانية. وأوصت بإعادة النظر في الاستراتيجيات المستخدمة في الدعم الإنساني وإعطاء الأولوية للحساسية الثقافية، والتعاون مع المشاركين، آملةً أن يُتّبع نهجٌ أكثر فعاليةً واستدامة لتمكين اللاجئين.
ثم قدّم محمد مصطفى العبد الله، الباحث بمركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ورقته "مدى تطبيق مؤسسات التمويل الأصغر لقواعد الحوكمة المؤسسية في البلدان المتأثرة بالنزاعات: حالة سورية"، تتبع فيها مسألة تطبيق مؤسسات التمويل الأصغر لقواعد الحوكمة المؤسسية، مبرزًا المعوقات التي تحول دون التزام هذه المؤسسات بذلك، وقدم تقييمًا لتأثير الامتثال لهذه القواعد في استدامة تمويل المؤسسات. وقد كشفت نتائج الدراسة انخفاض مستوى تطبيق قواعد الحوكمة عمومًا لدى هذه المؤسسات، وأرجع ذلك إلى عدة تحديات داخلية تواجهها. وأظهر تحديات خارجية تؤثر في الاستقرار النسبي لبيئة عمل المؤسسات في مناطق النزاعات، منها تراجع دعم المانحين؛ ما يحد من استدامة أنشطتها في المستقبل.
وعرضت آراء الجرماني، الباحثة في المعهد الهولندي متعدد التخصصات لدراسات الديموغرافيا، ورقتها "نقد مؤسسات ومنظمات الإعمار المجتمعي: العواقب غير المرئية للحرب، الأسرة السورية نموذجًا". وبتقييمها لتناسب سياسات المنظمات الناشطة في إعادة الإعمار الأسري والمجتمعي، تساءلت الباحثة عن قدرة المنظمات الأهلية العاملة على الأرض المدعومة من المنظمات الغربية على تأمين الاحتياجات المجتمعية والأسرية في سورية. وبينت أن الأسرة السورية قد عانت إشكالات هدّدت بنيانها. ودعت الباحثة لإنشاء المزيد من المؤسسات القادرة على إنجاز مشروعات تناسب السياق المجتمعي السوري، وأوصت بإيجاد مراكز ونقاط دعم أسري ثابتة، تعمل مع المدارس المحلّية والأسر، بما يدعم القيم الإيجابية في المجتمعات.
وفي الجلسة الخامسة حول "المؤسسات وتحدي التغيير المناخي في الدول العربية"، قدم نصر الدين مزاري، الأستاذ بجامعة زيان عاشور الجزائرية، ورقته "التحول الرقمي بوصفه خطوة استراتيجية لتعزيز الحوكمة المؤسساتية"، طرح فيها قراءة نقدية للتوجهات الحديثة لتحسين ممارسات الحوكمة المؤسساتية باعتماد الذكاء الاصطناعي، وتنظر في التحديات والفرص التي تتيحها الحوكمة المؤسساتية القائمة على توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي، مرّكزة على جوانب التنمية المؤسساتية القائمة على التحول الرقمي في حالتَي قطر والإمارات. وقد أظهرت الورقة أهمية تعزيز آليات الشفافية والمساءلة المتعلقة بقرارات المؤسسات. وأوصت بضرورة تقييم المخاطر الأخلاقية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.
تبع ذلك تقديم سفيان الطيب محمد عبد القادر، الأستاذ المشارك بجامعة السلطان قابوس العمانية، ورقةً بعنوان "تغير المناخ، وخفض الكربون، والتحول للطاقة النظيفة في الدول العربية". استعرض فيها التقدّم المحرز في خفض الكربون في 13 حالة من الدول العربية، كاشفًا عن ملامح التفاعل بين العوامل الاقتصادية والعوامل المؤسسية المتصلة بالحوكمة. وبيّن وجود تباين كبير في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والمتغيرات الرئيسة الأخرى؛ ما يشير إلى الحاجة إلى تحليل شامل. وقدّم رؤية عن العلاقات المعقّدة بين العوامل الاقتصادية، والحوكمة، واستهلاك الطاقة، والتحضّر، وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الدول العربية، آملًا أن يسهم في بلوغ تقدّمٍ في جهود خفض الكربون، تحقيقًا للنموّ الاقتصادي المستدام وحماية البيئة.
واختتمت الجلسة الباحثة منارة بابكر حسن الطيب، بورقة "آليات حوكمة المناخ ودورها في تعزيز الهجرة النسوية في السودان: شمال كردفان نموذجًا". وركزت فيها على أثر التغير المناخي في أوضاع المرأة السودانية في المجتمعات الريفية، وإن كان للحوكمة المناخية المنبثقة من آليات الأمم المتحدة أثر في تمكين المرأة ومعاونتها على التصدي لتداعيات التغير المناخي، وتحقيق الأمن الغذائي وإرساء السلام في مناطق النزاع. وخلصت إلى عجز المشروعات عن طرح حلول جذرية لمشكلات التغيرات المناخية، وأن الظروف التي مرت بها النساء قد طورت وعيهن، وعززت تطلعهن إلى حياة أفضل بالنأي عن الصراع وإيثار الهجرة. وأشارت إلى وجود عوامل أخرى عززت هجرة النساء، من أهمها الصراع في السودان وتبعاته على الأوضاع القانونية للمهاجرات في بلدان المقصد.
وفي الجلسة السادسة حول "دور المؤسسات في استدامة الموارد وحوكمتها"، بدأت العروض بورقة "الأمن المائي العربي بين الإدارة المؤسساتية والإرادة السياسية: حالة سورية"، استعرض فيها أحمد حج أسعد، مدير منظمة جيو إكسبرتيز بجنيف، أوضاع الموارد المائية في منطقة سهل الغاب في سورية الوسطى كحالة دراسة. وعبر عمل ميداني، أظهر الباحث تأثير الإرادة السياسية في عمل المؤسسات الفنية والتشريعية ذات الصلة بالموارد المائية. وقد تتبع أوجه القصور السياسي في المؤسسات، ومنها تجاوز أصحاب المناصب التشريعات المائية، لتكوين قاعدة شعبية لهم، فضلًا عن ممارسات الفساد. وقد كشفت حالة الدراسة عن تقلب الإرادة السياسية للأنظمة المتعاقبة في إدارة تلك الموارد. وأظهرت أيضًا التأثير السلبي لرأسمالية المحاسيب واستخدامها الموارد المائية أداةً لتعزيز السلطة السياسية في البادية السورية. وأوصى الباحث بضرورة إيجاد آلية تضمن استقلالية إدارة الموارد المائية عن الإرادة السياسية.
وقدّم هيوا علي عمر، مدرّس في كلية الآداب، قسم علم الاجتماع، في جامعة صلاح الدين بأربيل، ورقته "التحليل السوسيولوجي لعدم المساواة المؤسسية في إقليم كردستان العراق"، وكشف أن عدم المساواة في المنطقة الكردية في العراق ظل يتشكل من خلال ديناميات مؤسسية، وأن عدم المساواة القائم في داخل مؤسسات حكومة الإقليم جاء نتاجًا لتدخلات من الأحزاب الحاكمة؛ إذ أثّرت في الهياكل التنظيمية، وعمليات صنع القرار، والإجراءات القانونية. فكان استغلال الأحزاب السياسية المؤثّرة في المنطقة الكردية في العراق وهيمنتها على المؤسسات يرسّخ أوضاع عدم المساواة. وأوصى الباحث بضرورة ضمان الامتثال للّوائح والقوانين، مع تشجيع السلوك الأخلاقي داخل تلك المؤسسات.
ثمّ قدم منير بن محمد الجراية، الأستاذ المساعد في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة صفاقس، تونس، ورقته "أزمة المياه في سياق مناخي واقتصادي صعب بالبلاد التونسية: التبعات والتحديات المستجدة". استعرض فيها الأزمة، كاشفًا عن تداخل تأثيراتها مع استفحال تردّي الواقع الاقتصادي والاجتماعي. واستعرض من خلال المعطيات الرقمية ما رآه مسؤولية للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه عن هذه الأزمة؛ بسبب وضعيتها والتدابير التي اتخذتها في إدارتها، وبما أثر في حياة السكان وأحدث خللًا في الأمن الغذائي، وزاد من هشاشة الأوضاع الاجتماعية.
واختتم الجلسة، الباحث عبد الرحمن سليمان رشوان، الأستاذ المساعد بقسم العلوم الإدارية والمالية، بالكلية الجامعية للعلوم والتكنولوجيا بغزة، بتقديم ورقته عبر الإنترنت، وقد تناول فيها "دور استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في تعزيز إطار الحوكمة الرقمية لتحقيق التنمية المستدامة الخضراء". فبين، استنادًا إلى آراء المستجيبين، تأثير استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في تعزيز إطار الحوكمة الرقمية لتحقيق التنمية المستدامة الخضراء. وأظهرت الدراسة أن الشركات الصناعية المدرجة في بورصة فلسطين قد عملت على تعزيز الحوكمة الرقمية، رامية من ذلك إلى تحقيق غايات التنمية المستدامة وبخاصة ترشيد استخدام الموارد الطبيعية والمحافظة على المحيط البيئي.
في الجلسة السابعة، طُرحت ثلاث أوراق تعالج موضوع الحوكمة والاستدامة في إطار المشكلات الحضرية. بدأت الجلسة بورقة لعلي عبد الرءوف، أستاذ العمارة والعمران وتخطيط المدن، بعنوان "نحو نموذج تنموي مستدام في المدن الخليجية: التحول إلى الاقتصاد المعرفي وتحدياته". حاول فيها طرح قراءة جديدة لمستقبل مدن الخليج تتجاوز الاعتماد على النفط والتحضر غير المسبوق. واستعرض الدور المعاصر للاقتصاد القائم على المعرفة في الأداء التنموي من خلال طرح مقارن لدول الخليج العربية، وبيّن توجهات التنمية الحضرية القائمة على المعرفة في هذه المدن وتأثيرها في إعادة صياغة أولويات التنمية والاستثمار والتنافسية وحوكمة منظومة التخطيط.
أما محمود زايد عبد الله زايد، المدرس بقسم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة، فتناول في ورقته "الحق في المدينة بين النظرية والتطبيق: الإسكان البديل نموذجًا". واستعرض فيها استراتيجيات مصر نحو تحقيق عدالة السكن، من خلال أنماط السكن البديل، والتحديات التي تواجه السكان في المشروعات السكنية ببعض مناطق القاهرة. وخلص إلي وجود أنماط ثلاثة صمّمتها الدولة بغية تحقيق عدالة السكن. وبيّن ارتفاع مستوى رضا السكان عن السكن البديل، وإن بقيت عدّة تحديات ، منها التحديات الأمنية، وتدهور الحالة البيئية داخل النمط التقليدي من السكن البديل.
واختتمت عروض الجلسة بورقة لمروة صبحي محمد منتصر، مدرِّسة العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بجامعة القاهرة، عن "تأثير حوكمة المناخ المتعددة المستويات في الصين في سياسات الاستدامة المحلية الحضرية: دراسة حالة برنامج المدينة المنخفضة الكربون (شنتشن نموذجًا)". استعرضت فيها الباحثة طبيعة الحوكمة المتعددة المستويات، وكيف أفرز تطبيقها مفاهيم تحليلية جديدة: كالاستبدادية المجزأة والاستبدادية المرنة. وخلصت إلى أن حالة مدينة شنتشن استطاعت أن تحقق مستوى عاليًا من السياسات البيئية وخفض انبعاثات الكربون، في ظل الالتزام بعدم الانفصال عن الحكومة المركزية في اتخاذ القرارات وتنفيذها. وشهدت مستوى عاليًا من المشاركة الجماعية، في مسعى لإنجاز التنمية الحضرية منخفضة الكربون.
في الجلسة الثامنة من المؤتمر، قدّمت سهام معط الله، الأستاذة بجامعة وهران الجزائرية، ورقة عنوانها "عقدان من الفساد وراء تعثّر التنويع الاقتصادي في الجزائر: دراسة قياسية (1996-2019)". وقد قارن فيها بين حالتَي كلّ من الجزائر وقطر، بالنظر إلى أنّ كلتا الدولتين مصدِّرة للغاز والنفط. وبيّنت الباحثة أنّ الجزائر قد تمكنت من إنجاز نجاحٍ مهمٍّ في مسار التنويع الاقتصادي؛ بفضل حوكمتها الجيّدة ومحاربتها للفساد. وكشفت عن أثر الفساد الضار للتنويع الاقتصادي في الجزائر؛ وانتهت إلى نتائج أهمها أن تحسُّن مراقبة الفساد من شأنه تعزيز التنويع الاقتصادي على المديَين القصير والطويل.
ثم قدّم سليمان حمود، عضو هيئة التدريس بقسم الاقتصاد بجامعة تعز في اليمن، ورقة عنوانها "دور الإصلاحات المؤسسية في تحقيق التنمية الاقتصادية في الدول العربية: دراسة تطبيقية"، كشف من خلالها عن دور الإصلاح المؤسسي في دعم عملية التنمية الاقتصادية في الدول العربية. وأظهرت ورقته أن برامج الإصلاح الاقتصادي لم ترافقها إصلاحات مؤسسية ذات أهمية؛ إذ على الرغم من زيادة معدلات النمو الاقتصادي فيها وتحقيق بعضها تقدمًا على صعيدَي البنى التحتية والخدمات الاجتماعية، وخصوصًا النفطية منها، فإنها لم تنجز مستويات مُرضية في عملية التنمية الاقتصادية. وخلصت الورقة إلى وجود علاقة موجبة بين مؤشر المخاطر السياسية ومؤشر التنمية البشرية، وأكدت وجود علاقة سببية ذات معنوية إحصائية، تتجه من مؤشر المخاطر السياسية إلى مؤشر التنمية البشرية.
من ناحية أخرى، عرض أيوب محمد يونس عبد السلام، المحاضر في قسم الاقتصاد بكلية العلوم الاقتصادية في جامعة بنغازي بليبيا، ورقة عنوانها "أثر السياسات الاقتصادية والعوامل المؤسساتية في التنوّع الاقتصادي في الدول العربية الدول: دراسة قياسية"، وقد وظّف فيها حالات كل من قطر والسعودية والإمارات العربية والكويت وسلطنة عمان، ليقارنها بحالة ليبيا. وانتهى إلى وجود علاقة طردية ومعنوية بين جودة الحكومة في دول الخليج وزيادة نِسب التنوّع الاقتصادي، وذلك بالتزامن مع التقدّم المحقق في هذه الدول في مجال جودة المؤسسات، وانتهى كذلك إلى أنّ السياسات الاقتصادية كان لها أثرٌ إيجابي في تنويع الإيرادات الحكومية في هذه الدول. أما في الحالة الليبية، فكان الحال على عكس ذلك؛ إذ ارتبطت المتغيرات الاقتصادية والمؤسساتية بعلاقة ضعيفة جدًّا بالتنويع الاقتصادي، بسبب ضعف الأداء الحكومي، وترهّل المؤسسات، وتفشّي الفساد، وعدم الاستقرار السياسي.
استعرضت الجلسة التاسعة "تجارب في الإصلاح وحوكمة المؤسسات"، وقد استهلها رئيس الجلسة نواف أبو شمالة، بتقديم الباحثين. وخلال هذه الجلسة، استعرض عبد الغني أحمد علي الحاوري، أستاذ أصول التربية المشارك ورئيس قسم الموهوبين في جامعة صنعاء، قضايا "حوكمة الجامعات اليمنية في ضوء بعض التجارب العالمية الملهمة". ومن خلال استنباط رأي عيّنة من الأكاديميين، استكشف الباحث مدى استيعاب تلك الجامعات الدروس والخبرات التي تحملها التجارب العالمية، والتحديات التي تعرقل ترسيخ حوكمة الجامعات. ثم استعرض جملة من تلك التحديات؛ مثل تزايد الضغط على خدماتها، وتنامي الطلب الاجتماعي على التعليم مع ضعف مخرجاته، وقلة المواءمة بين هذه المخرجات ومتطلبات سوق العمل، فضلًا عن ظهور أنواع جديدة من التعليم؛ مثل التعليم المفتوح، والتعليم عن بعد، والتعليم الإلكتروني، والتعليم الرقمي. وخلصت ورقته إلى أن التجارب العالمية ألهمت خبرات في حوكمة الجامعات على نحو أدّى إلى الاستفادة منها في تجربة الجامعات اليمنية. ومن جهة أخرى، بيّنت الورقة الفجوة ما بين هذه التجربة وتلك التجارب، وتعدد المعوقات التي تحول دون ترسيخ الحوكمة، ومنها عدم اختيار قيادات الجامعة من خلال الانتخاب، وندرة التدريب، وتغلغل البيروقراطية، وشُحُّ الاعتمادات المالية.
أمّا بلال عقل الصنديد، المستشار القانوني لغرفة تجارة وصناعة الكويت، فقد اهتمّ في ورقته "الحوكمة التشريعية في خدمة التنمية المستدامة: دولة الكويت نموذجًا" بثنائية الرفاه المستدام، وثنائية القانون والتنمية. ورأى الباحث أن "الحوكمة التشريعية" تتصل بالقواعد القانونية الخاصة بإصلاح المؤسسات، وأنها ترتبط بعمق بالتنمية المستدامة في عدة أمور، أهمها تناسق الأدوار وتبادل المهمّات الهادفة إلى تثبيت الاستقرار المجتمعي، وتحقيق تطلعات الأجيال الحالية والمستقبلية. وقد أبرزت حالة الكويت ملامح الدينامية السياسية التي تكتنفها أحيانًا "شعبوية سياسية" تؤثّر في القرار التشريعي والمتطلبات التنموية. وأكدت الورقة أن شرط تأثير الحوكمة التشريعية في التنمية المستدامة هو انضباط المنظومة القانونية تحت لواء "الحوكمة التشريعية"، بهديٍ من غايات الرفاه والرخاء المجتمعي.
استعرضت كنزة تنيو، الأستاذة بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، بقسنطينة في الجزائر، ورقتها "متطلبات تحقيق التنمية المستدامة في ظل الثورة الصناعية الرابعة: دراسة حالة الدول العربية". وقد اهتمّت بتجارب تستند إلى التقنيات الرقمية؛ مثل تجربة شركة أرامكو السعودية، وتجربة الخطوط الجوية القطرية. وبيّنت الباحثة ماهية الإجراءات التي تضمن تنفيذ التنمية المستدامة المستهدفة حتى عام 2030، وكذا تحديد التأثيرات المحتملة لتقنيات الثورة الصناعية الرابعة في تمكين هذه الدول من إنجاز هذا الهدف. واستنتجت أن الثورة الصناعية الرابعة شكّلت تحديًا كبيرًا أمام الدول العربية في إطار سعيها لتحقيق التنمية المستدامة، وأن الوضع الراهن بات يقتضي التكيف مع التحولات التكنولوجية السريعة التي اشتملت عليها هذه الثورة.
ناقشت الجلسة العاشرة، وهي الجلسة الأخيرة من المؤتمر، "تجارب التنمية في المغرب". واستهل العروض محمد المساوي، أستاذ التعليم العالي في جامعة ابن زهر بالمغرب، بورقة عنوانها "المخططات التنموية في المغرب بين مأسسة السلطة وشخصانيتها: النموذج التنموي الجديد". وكشف الباحث عن تأثير المتغير المؤسساتي في النموذج التنموي الجديد المعتمد في المغرب، وتلك المضامين التي مُنحت لهذا المتغير في مخرجات لجنة النموذج التنموي، واعتبر أنّ أحد أسباب الأزمة كان يتصل بطبيعة عمل المؤسسات السياسية التي افتقدت الفاعلية في ظل دستور متقدم يتيح فرصًا للتغيير. واستعرض الباحث مضمون "تقرير النموذج التنموي الجديد"، وبيّن أنّ اللجنة التي أصدرته لم تراهن على المتغير المؤسساتي لتحقيق التنمية، وأنّ تصورًا بعينه للحكامة المؤسساتية قد حكم توجهاتها. وانتقد الباحث ضبابية المتغير المؤسساتي والتوجهات التي تختزل الحكامة المؤسساتية في حُسن التدبير والكفاءة والفاعلية وقوة الدولة والثقة، مع تهميش الجانب السياسي والديمقراطي ودولة القانون في مسطرة تشخيص واقع التنمية في المغرب.
ثمّ قدّم عمر احرشان، الأستاذ في جامعة القاضي عياض بمراكش، ورقة نقدية عنوانها "النموذج التنموي المغربي: إخفاق نموذج أم أزمة حكامة". وقد سلط الباحث الضوء على معضلة التنمية، وكشف أسباب الاختيارات التنموية الاستراتيجية للدولة التي وُضعت في بداية الاستقلال، وتاريخ وتوجهات المؤسسات التي أسندت إليها مهمة تنزيل تلك المخططات التنموية، وأثر المنظومة الليبرالية فيها. وكشفت ورقته، أيضًا، عن عدم تناغم الجهود المبذولة مع مخرجاتها في الواقع، وعدم تحوّل مخرجات الأوراش الاقتصادية الكبرى إلى إنجازات اجتماعية، أو عدم اشتمالها على كلّ الفئات والمناطق، على نحو يجعل المغرب أسيرَ فوارق مجالية وفئوية صارخة كانت سببًا في انتفاضات واحتجاجات كثيرة، منها حراك الريف وجرادة وإيميضار، وصولًا إلى حراك 20 فبراير المرتبط في سياقه العام بالربيع العربي.
وفي إثر ذلك، عرضت لمياء العمراني، الأستاذة الزائرة بجامعة محمد الخامس بالرباط، ورقة عنوانها "تحليل الأدوار المتغيرة للمنظمات غير الحكومية في المغرب: دراسة حالة بين الأبعاد التنموية والخيرية"، وقد بيّنت أبعاد دور المنظمات غير الحكومية في مجال العمل الخيري والتنموي ومدى تطوره، وفحصت تأثير السياقات السياسية والاجتماعية في دور هذه المنظمات في الحالة المغربية. وخلصت في ورقتها إلى أن التحولات التي شهدها القطاع الثالث في المغرب قد أدّت دورًا كبيرًا في رسم ملامحه اليوم، وأن البيئة المتغيرة التي تعمل فيها المنظمات غير الحكومية المغربية في حاجة إلى إصلاح، بحيث تُوجّه السياسات والإجراءات إلى تعزيز دور تلك المنظمات في التنمية المستدامة، وتحسين جودة الحياة في المجتمع المغربي. وشددت الورقة على أن دور المنظمات غير الحكومية يُعد مكملًا لدورَي القطاعين الحكومي والخاص؛ فهي شريك فاعل في التنمية، قادر على إيجاد حلول مبتكرة للإشكاليات التنموية التي يعانيها المجتمع. وأوصت الباحثة بأن تُزال العراقيل التي تواجه القطاع الثالث، حتى يتمكن من النهوض بوظائفه.