استضافت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الكاتب والباحث عبد النبي القيّم، في 2 شباط/ فبراير 2023، لإلقاء محاضرة بعنوان "النزعة القومية الفارسية: نشأتها وسماتها وتداعياتها"، أدارها الدكتور حيدر سعيد، الباحث ورئيس وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية في المركز العربي، ورئيس تحرير دوريّة "سياسات عربيّة".
استهلّ القيّم محاضرته بتقديم لمحة عامة عن تأثير النزعة القومية، ودور الحركة الاستشراقية في بروز النزعة القومية الفارسية، وذلك من خلال تدوين تاريخ إيران. فقد أدّت سياسات الاستعمار إلى نشأة النزعة القومية الفارسية، التي سعت إلى تقسيم سكّان إيران متعدّدي الأعراق إلى مجتمعين: فارسي وغير فارسي. وخلال حكم فتح علي شاه قاجار (1771-1834)، سافر جون مالكوم (1769-1833)، القائد العسكري البريطاني وحاكم شركة الهند الشرقية، إلى إيران وألّف، بمساعدة سكرتيره الذي يتكلّم الفارسية، مجلّدين عن تاريخ بلاد فارس. وبحسب القيّم، قد يكون مالكوم أوّل من فصل تاريخ إيران إلى حقبتين: تاريخها ما قبل الإسلام، وتاريخها منذ اضمحلال الإمبراطورية الساسانية وسقوطها حتى العهد القاجاري. وقد أشاد بتاريخ إيران ما قبل الإسلام، في حين استخفّ بتاريخها الإسلامي وانتقص من أهميّته.
وفي منتصف القرن التاسع عشر، برزت آراء جوزيف أرتور دو غوبينو (1818-1882)، السياسي الفرنسي والأب الروحي للنازية، عن تفوّق العرق الآري، وعن الإسلام بوصفه دينًا عربيًا. وقد عُيِّن دو غوبينو وزيرًا فرنسيًا في طهران في عام 1855، ومكث فيها سنوات عدّة واتّصل بمختلف شرائح السكان. وروّج لأفكاره العنصرية ونظرته عن تاريخ إيران، التي ركّزت على الهويّة الآرية للفرس. وفي عام 1869، أصدر كتابه تاريخ الفرس Histoire des Perses الذي ركّز فيه على تاريخ إيران ما قبل الإسلام.
تناول القيّم أيضًا دور المفكّرين الإيرانيين، مثل ميرزا فتالي أخوندوف (1812-1878)، وجلال الدين ميرزا (1827-1872)، وميرزا آقاخان كرماني (1854-1896)، وكيف ساهموا في ترجمة أفكار دو غوبينو ونشرها، وإرساء ركائز النزعة القومية الفارسية. ووفقًا للقيّم، فإن تفوّق العرق الآري والإسلام بوصفه دينًا عربيًا والإشادة بتاريخ إيران ما قبل الإسلام والزرادشتية، فضلًا عن التشديد على أهميّة اللغة الفارسية وتطهيرها من اللغات الأخرى، لا سيّما اللغة العربية، يشكّل كل ذلك بعض الجوانب الرئيسة للنزعة القومية الفارسية.
صحيحٌ أنّ تأثير النزعة القومية الفارسية أو انتشارها لم يكن قويًا، لا خلال ثورة الدستور (1905-1907) ولا بعدها، غير أنها تعزّزت بعد وصول رضا خان إلى السلطة في عام 1925، إذ تبنّى النزعة القومية الفارسية بوصفها أيديولوجيا لنظام حكمه. وقد كتب القوميون الفرس تاريخ إيران برؤيةٍ قريبةٍ من الرؤية الاستشراقية، المتجذّرة في تفوّق العرق الآري والإشادة بتاريخ إيران البعيد ومعاداة العروبة. ولا تزال هذه الأيديولوجيا وتداعياتها مهيمنة على عقلية بعض النخبة الإيرانية، على الرغم من إطاحة النظام البهلوي.