استضافت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في 10 آذار/ مارس 2025، الدكتور عبد الرسول ديفسالار، وهو باحث أول في معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح، وأستاذ غير متفرغ في جامعة القلب المقدّس الكاثوليكية في ميلانو، الذي قدّم محاضرةً بعنوان "مستقبل انتشار أسلحة الدمار الشامل ونزع السلاح في الشرق الأوسط"، تناول فيها التهديد المستمر لأسلحة الدمار الشامل، خاصةً في ظل الإخفاقات الإقليمية في الردع التقليدي، والتحولات السياسية المتسارعة.
أكد ديفسالار في بداية المحاضرة على أنه رغم التساؤلات التي قد تُطرح حول مدى جدية تهديد أسلحة الدمار الشامل في عالم اليوم، فإن الخطر لا يزال حقيقيًا. وحتى إن كانت احتمالات استخدامها أقل، فإن عواقب استخدامها ستكون كارثية. وأشار إلى أن وجود هذه الأسلحة يظل قضية حاضرة في خلفية العديد من النزاعات، ويعد الانتشار النووي أبرز المخاوف المتعلقة بها.
وتطرق إلى موقف إسرائيل، التي يُعتقد أنها تمتلك أسلحة نووية، لكنها لم توقّع أو تصدّق على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وتحافظ على سياسة نووية غامضة. فقال: "من اللحظات الخطيرة في الماضي كانت حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، حيث كان احتمال استخدام إسرائيل للسلاح النووي ضد الدول العربية مطروحًا"، وأضاف: "رأينا ذلك أيضًا في الثمانينيات، حين حاول العراق ثلاث مرات ضرب محطة بوشهر النووية في إيران. كما رأيناه في قصف إسرائيل للعراق في عامي 1980 و1981، ولاحقًا في سورية عام 2007 حين قصفت إسرائيل منشأة الكُبر".
وأوضح ديفسالار أن تلك الهجمات الثلاث كانت ضد منشآت نووية غير مشغّلة، لكن منذ عام 2007 برز اتجاه جديد أكثر خطورة، يتمثل في استهداف البنى التحتية النووية المشغّلة؛ ما يشكل خطرًا بيئيًا جسيمًا في حال حدوث ضربة. وقال: "هذا يعني أن هناك مواد نووية حاضرة، وأن المخاطر البيئية حقيقية". وأضاف: "من أوائل الأمثلة على ذلك كان استخدام إسرائيل – وربما الولايات المتحدة أيضًا – فيروس ’ستاكس نت‘ عام 2007 ضد منشأة نطنز في إيران [...] واستخدام الحوثيين للصواريخ ضد منشآت نووية إماراتية، والتي لم تكن قد أُنجزت حينها".
في جانب آخر، أشار ديفسالار إلى أن قدرات الحرب الكيميائية والبيولوجية في المنطقة تثير القلق أيضًا. فبعض الدول مثل مصر وإسرائيل وقعت المعاهدات المعنية، لكنها لم تصدّق عليها؛ ما يبقي نياتها غير واضحة. أما سورية، فقد وُجّهت إليها اتهامات باستخدام الأسلحة الكيميائية في صراعات سابقة، وهو ما يؤكد مرة أخرى العلاقة الطويلة والمعقدة للمنطقة مع الحرب غير التقليدية. وقال: "هذه منطقة شهدت بعض أبشع استخدامات أسلحة الدمار الشامل في التاريخ"، مشيرًا إلى الهجمات الكيميائية التي شنّها العراق في الثمانينيات، إضافة إلى الاتهامات الحديثة الموجهة إلى سورية.
وسلَّط المحاضِر الضوء على الخطر المتزايد من تحول الحروب التقليدية إلى نزاعات تستخدم فيها أسلحة دمار شامل، واعتبر ذلك من التحديات المقلقة التي تهدد أمن المنطقة. ولفت إلى أن السوابق التاريخية – من حرب 1973 إلى تهديدات صدام حسين في التسعينيات – تُظهر مدى سرعة تصاعد النزاع الإقليمي إلى مخاوف من استخدام السلاح النووي أو الكيميائي، وأن التصريحات الأخيرة الصادرة من طهران وتل أبيب بشأن السياسات النووية تكشف عن إمكانية لجوء الدول إلى خيارات أمنية أكثر تطرفًا عند فشل الردع التقليدي. وأضاف: "الحرب التقليدية قد تنقلب في مسارها وتتحول إلى حرب غير تقليدية، وقد يحدث ذلك بسرعة لا تتيح لنا التحكم في الديناميكية".
وختم ديفسالار محاضرته بالتأكيد على أن الحل الجذري يكمن في ضبط التسلح، وتفعيل قنوات التواصل في الأزمات، وتعزيز الشفافية. وقال: "لمَ لا نجمَعهم على طاولة حوار نووي؟"، موضحًا أنه "لا يوجد حل خاص بكل دولة على حدة لمشكلة أسلحة الدمار الشامل. فالتشابكات عميقة إلى درجة تمنعنا من معالجة المسألة من زاوية فاعل واحد فقط". واختتم بالتحذير من أن "تهديد أسلحة الدمار الشامل لا يزال قائمًا في كل ما نشهده اليوم، وقد يعود إلى الواجهة إذا ما تهيأت الظروف السياسية أو العسكرية لذلك".