عقدت وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوم الإثنين 29 أيار/ مايو 2023، ندوة بعنوان "ميليشيا مقابل جيش؟ التطورات العسكرية في الأزمة السودانية"، شارك فيها محمد الزين أحمد، عميد متقاعد ومحاضر منتدب بأكاديمية جوعان بن جاسم للدراسات الدفاعية وكلية أحمد بن محمد العسكرية؛ وأسامة عبد السلام، لواء ركن متقاعد، المدير السابق لكلية الدفاع الوطني بأكاديمية نميري العسكرية العليا؛ وعائشة البصري، الباحثة في المركز العربي؛ وفتح العليم علي حجة، أستاذ الأمن والدفاع السيبراني في أكاديمية جوعان بن جاسم للدراسات الدفاعية. وأدار الجلسة سيد أحمد قوجيلي، أستاذ مساعد في برنامج الماجستير في الدراسات الأمنية النقدية بمعهد الدوحة للدراسات العليا.

في المداخلة الأولى، حاول محمد الزين أحمد الإجابة عن سؤالين رئيسَين: كيف يمكن تعريف الأزمة الحالية؛ أهي تمرّد مسلح، أم حرب أهلية، أم حرب بالوكالة، أم غير ذلك؟ وما الخلفيات والخريطة المؤسساتية والتنظيمية لكلٍ من القوات المسلحة النظامية السودانية وقوّات الدعم السريع؟ مشيرًا إلى أنّ جذور الصراع الأساسية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، نشأت أولًا عن إشكاليات وتعقيدات دمج الأخيرة في الجيش النظامي، خاصةً فيما يتعلق بالجدول الزمني المقترح لدمج قوات الدعم في صفوف القوات المسلحة بموجب الاتفاق الإطاري (5 كانون الأول/ ديسمبر 2022)، ومن ثم معضلة القيادة والسيطرة بينهما، خاصةً أن لقوات الدعم السريع طموحًا سياسيًا، يتجاوز حدود السودان، وأن تحرّك قوات الدعم السريع في الأزمة المستمرة منذ نيسان/ أبريل 2023 هدفه الانقلاب على رأس الدولة عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادي السوداني، واستئثار محمد حمدان دقلو (حميدتي) بالسلطة.

في السياق ذاته، قدّم أسامة عبد السلام في المداخلة الثانية، قراءة في مستقبل الأزمة عسكريًا من حيث تسليح الأطراف، ودعمها محليًا وخارجيًا، وقدراتها على القتال في المدن والمناطق المبنية، وإن كان أحد الطرفين قادرًا على حسم الصراع عسكريًا، أم ستمتد دائرة الحرب جغرافيًا وزمنيًا لتكون حربًا طويلة المدى. واتفق عبد السلام بأنّ هدف حميدتي من حربه، كما صرح بنفسه عبر قناة الجزيرة مباشر في 15 نيسان/ أبريل 2023، هو القبض على "البرهان وأعوانه وتقديمهم إلى العدالة" متهمًا إياه بتنفيذ انقلاب لصالح النظام السابق. وبحسابات الربح والخسارة، يرى عبد السلام أن الهدف العسكري لتمرد قوات الدعم السريع لم يتحقق، حتى بعد تمكنها من الوصول إلى مقر إقامة البرهان في 17 نيسان/ أبريل، وبعد مضي حوالى 40 يومًا على اندلاع القتال، ورغم العتاد الذي تملكه وعدد أفرادها الذي يصل إلى 120 ألف مقاتل. وعرّج عبد السلام على مسألة الدعم الشعبي، مُلاحظًا أن الأزمة الحالية ردمت الفجوة ما بين الشعب السوداني والجيش، فهو يحظى الآن بدعمٍ شعبي؛ لكون قوات الدعم السريع ارتكبت العديد من الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان بحق المدنيين ما بين اقتحام المنازل وسرقتها والاختطاف والاغتصاب؛ ما شوّه صورتهم أمام الشعب، فضلًا عن أنها تضم عناصر أجنبية من بلدان أفريقية أخرى، مثل تشاد ومالي والنيجر.

وكانت المداخلة الثالثة لعائشة البصري، التي قدمت فيها تفسيرًا لصمود قوات الدعم السريع أمام قوات الجيش حاليًا، من خلال التعريف بطبيعة الجيش السوداني بوصفه جيش النظام أكثر منه جيشًا نظاميًا، وتوضيح خلفية علاقته بقوات الدعم السريع في سياق سياسة الميليشيات التي ما زال ينتهجها في السودان، مشيرةً إلى أنّه من الأصح الحديث عن جيش مقابل ميليشيات لا ميليشيا واحدة في الحالة السودانية؛ إذ إن النظام انتهج استراتيجية الميليشيات منذ عام 1983 مع ميليشيا قبلية، ثم مع قوات الدفاع الشعبي في عام 1989، وحرس الحدود (جنجويد) في عام 2003، وقوات الاحتياطي المركزي (أبو طيرة) في عام 2006، وصولًا إلى قوات الدعم السريع في عام 2017 مع قانون الدعم السريع الذي رسّم العلاقة بينها وبين الجيش. كما تختلف الميليشيات من حيث نشاطها؛ فمنها ميليشيات نشطة (الميليشيات القبلية، وحرس الحدود، وأبو طيرة)، وميليشيات جرى حلها (الدفاع الشعبي، والشرطة الشعبية)، وميليشيات سرية (كتائب الظل، وشبيه ضرار)، وميليشيات الجيش بعد الاتفاق الإطاري (قوات كيان وطن، ودرع السودان).

في المداخلة الرابعة، انتقل فتح العليم علي حجة إلى التركيز على حرب المعلومات والحرب الهجينة في الصراع المسلح الحالي في السودان، حيث تخوض الأطراف المتحاربة حربًا معلوماتية تسير جنبًا إلى جنب مع العمليات العسكرية على الأرض، تتمثل في ملاحظة فرق كبير بين الوقائع على الأرض وما يرد في وسائل الإعلام، ومعاناة الجيش من الحرب الإعلامية، ومظاهر الصراع المعلوماتي بين الناشطين عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وقد أعقب المحاضرة نقاشٌ ثريّ شارك فيه باحثون وأساتذة في المركز العربي ومعهد الدوحة وطلبته، إضافةً إلى الجمهور الحاضر في قاعة الندوة وعن بعد عبر منصات التواصل الاجتماعي، وأثيرت أسئلة عن الحالة الميدانية في الحرب ومستقبل الصراع، والمصالح الدولية والإقليمية في السودان، وإن كان سيفضي انتصار أي من الطرفين إلى الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي للسلطة.