استضافت وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوم الإثنين 25 آذار/ مارس 2024، ضمن برنامج محاضراتها الشهرية، ميرة الحسين، الزميلة الباحثة في مركز الوليد بن طلال للدراسات الإسلامية في العالم المعاصر في جامعة إدنبرة، التي قدّمت محاضرةً بعنوان "المهاجرون الغربيون في بلدان الخليج العربية في الأدبيات الأكاديمية الغربية: مقاربة نقدية من عدسة خليجية"، أدارتها الباحثة في المركز العربي العنود عبد الله آل خليفة.

استهلّت الحسين محاضرتها بتسليط الضوء على بداية وجود الرحالة وضباط جيوش القوى الغربية في منطقة الخليج، والتي تعود إلى حقبة ما قبل ظهور النفط، وأشارت إلى أنّ ضباط الجيش البريطاني بالتحديد ساهموا في تعزيز التصوّرات الاستشراقية عن العرب والجزيرة العربية في الأفلام الغربية والأعمال الأدبية، فقدرة هؤلاء الأفراد على التشبّه بأهالي المنطقة، وارتداء ملابسهم، وتبنّي لغتهم وعاداتهم، مكّنتهم من موضع في السلطة في المنطقة. وفي المقابل، تبنّت دول الخليج بعد الاستقلال رواياتهم ذات الطابع العجائبي والتصنيفي، والتي تفترض تجانس العرب ونقاءَهم الثقافي، لتعتمد على مثل هذه التصوّرات في عمليات بناء الدولة، ما سيترك أثره لاحقًا في كل ما كُتِب عن الخليج وتاريخه، وهو الأمر الذي أفضى إلى طمس الطابع الخليجي المتنوع والمرتبط على نحو وثيق بالمحيط الهندي والساحل الجنوبي لإيران والمنطقة.

مع ذلك، أشارت المحاضِرة إلى أن أدبيات المغتربين الغربيين وتجاربهم الحياتية في الخليج لا تزال نادرة. وفي هذا السياق، استعرضت بعض هذه الأعمال، مبرزةً أنّ المهاجرين الغربيين هم موضوع أنثروبولوجي لباحثين غربيين، ولم يُدرسوا من خارج الإطار الغربي. لذلك، تثير الدراسات القادمة من داخل منطقة الخليج أسئلةً مهمة عن طرق الكتابة الأكاديمية الغربية عن "الآخر".

وأوضحت أنّ الأشخاص القادمين إلى الخليج، على نحو عام، يُنظر إليهم، غالبًا، على أنّهم جاؤوا بسبب النفط وما يوفّره من ظروف اقتصادية، وإذا ما سلّمنا بذلك، سيكون المهاجرون الغربيون إلى الخليج أوّل من يقع ضمن هذه الفئة، وإن كان بعضهم قد وصل إلى المنطقة في وقت سابق للعمل التبشيري. وفي هذا السياق، تناولت الباحثة التصنيفات المستخدمة لوصف الأشخاص من غير مواطني الخليج، على سبيل المثال تصنيف "المغتربين"، الذي يُستخدم غالبًا للإشارة إلى الأجانب ذوي الأجور المرتفعة، والغربيين على وجه التحديد، والعرب أيضًا في بعض الحالات. وترفض الباحثة استخدام تسمية "المقيمين" للإشارة إلى المهاجرين الغربيين، وعزت ذلك إلى نمط حياتهم الذي لا يجعلهم "مقيمين" بالمعنى الحرفي للكلمة، بل أشبه بالآتين إلى عطلة في المنطقة. وأضافت الباحثة تصنيف "المهاجرين" و"العمال المهاجرين"، مشدِّدةً على ميلها إلى استخدام "المهاجرين" فقط، من دون التمييز بين الغربيين والعمال، لأنّ الغربيين أنفسهم يُرسلون تحويلات مالية إلى أوطانهم أيضًا، وليس العمال فقط.

وناقشت الباحثة الامتيازات التي يحظى بها المهاجرون الغربيون إلى الخليج، والتي تجعلهم مرئيين ومميزين ومختلفين. ومن أوجه الامتيازات المجمّعات السكنية التي يعيشون فيها. وتمثّل ندرة الدراسات المتعلقة بالمجمّعات السكنية، أو المجتمعات المسوَّرة كما أصبحت تُعرف، في الخليج، عقبةً أمام الدارسين الذين يرغبون في تتبّع تاريخ بلدان الخليج. وقد كان الهدف من إقامة هذه المجمّعات السكنية التمكن من نقل أسلوب حياة معيّن إلى بيئة غير مواتية للحساسيات الغربية، إضافة إلى حماية المهاجرين الغربيين من العالم الخارجي؛ "المحافظ" و"المتخلف" و"البدائي"؛ لذلك، أتت المجمّعات السكنية لتحتوي كل شيء بداخلها، وتقدّم اكتفاءً ذاتيًا بطريقةٍ لا يشعر فيها المغتربون الغربيون بالحاجة إلى الخروج منها.

ومع طفرة العائدات النفطية، التي ساعدت بلدان الخليج على الدخول في مسارات التنمية، تطلّب جذبُ العمالة الماهرة بناءَ أحياء سكنية تعكس نوع العمالة التي تهدف دول الخليج إلى جذبها. وأشارت الباحثة إلى أنّ المجمّعات السكنية ظلّت مركزية جغرافيًا، في حين عُزِل العمال ذوو الأجور المنخفضة في أطراف المدن الخليجية. وهكذا، هدفت المجتمعات المسوَّرة المكتفية ذاتيًا، لا سيّما في دول الخليج الأشد محافظةً، إلى توفير المزيد من الحريات الاجتماعية لساكنيها مقارنةً بالحياة خارج هذه المجتمعات. وبناءً عليه، أصبح العيش في المجتمعات المسوَّرة في مدن الخليج الليبرالية نسبيًا مصدرًا للوجاهة الاجتماعية.

واختتمت الباحثة محاضرتها بالحديث عن وظيفة المستشارين والخبراء الغربيين في المؤسسات الخليجية وبيروقراطياتها، حيث سُمِح لهم بتقديم آرائهم وطرح رؤاهم على نحو جازم، على الرغم من افتقارهم إلى المعرفة اللازمة بالمنطقة. وفي الوقت نفسه، يستفيد المهاجرون الغربيون في الخليج من تصويرهم على أنهم خبراء ومهنيون، وهو إرث عالق من الحقبة الاستعمارية التي شهدت تخلّف السكان المحليين في المعرفة الصناعية التي قلبت توازن رأس المال نحو الشمال العالمي. وبالمثل، فإنّ صورة المواطنين الخليجيين غير المتعلمين وذوي الأداء الضعيف هي صورة تنقلها النخب الحاكمة الخليجية إلى مستشاريها الغربيين. ويؤدي هؤلاء المستشارون دورًا عازلًا، يحمي النخب الحاكمة من المساءلة عندما تسفر مغامراتها السياسية عن نتائج عكسية.

وقد شهدت المحاضرة إقبالًا وتفاعلًا واسعَين من الجمهور، الذي طرح أسئلة عن محاور عدّة، شملت صورة الخليجي في المخيال الغربي، والعقدة الديموغرافية وتشكّل الصور النمطية عن الخليج، واختلاف السلوك الاستعماري بين دول المشرق وبلدان الخليج العربية، ووجود تفاوتات بين بلدان الخليج بشأن وجود المهاجرين الغربيين، وأوجه المقارنة بينهم وبين المهاجرين غير الغربيين في الخليج، وردود الفعل المحلية إزاء وجود هؤلاء المهاجرين، وسياسات بلدان الخليج تجاههم، وامتيازاتهم في مقابل المواطنين الخليجيين، والخطاب النيوليبرالي بشأن التعددية الثقافية في بعض المدن الخليجية، ودراسات العرق في بلدان الخليج العربية.