استضافت وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، محمد حسن الكعبي، أستاذ القانون المدني المساعد، وذلك ضمن برنامج محاضراتها الشهرية. عُقدت المحاضرة، التي جاءت بعنوان "التحليل الاقتصادي للقانون: تاريخ القانون في دولة قطر ومستقبله من منظور السياق الاقتصادي"، يوم الإثنين 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، في مقر المركز العربي، وأدارها الباحث عبد الرحمن الباكر.

استهل الكعبي محاضرته بالقول إنّ القانون مُنتج ثقافي، فالنظام القانوني للمجتمع يتأثر ويتشكل بمعاييره الثقافية وتقاليده وسياقه التاريخي. ويمكن أن يشكّل القانون السلوك الثقافي والمعايير والممارسات المجتمعية. فالعلاقة بين القانون والثقافة متبادلة، ويؤثر كل منهما في الآخر ويشكّله بطرقٍ معقدة، فالقانون يؤثر في الثقافة، وقد يغدو وسيلةً في يد المشرّع لتغييرها.

ثم قدّم نبذةً عن الأنظمة القانونية الأساسية في العالم، وهي النظام الأنكلوسكسوني، والنظام القانوني الإسلامي، والنظام القانوني المدني، والنظام القانوني المختلط. أمّا بشأن دولة قطر، فقد قسّم الكعبي تطور النظام القانوني فيها عبر مراحل. ويرى في ذلك، أنّ تاريخ القانون في قطر بدأ عام 1868، حين وقّع الشيخ محمد بن ثاني (1788-1878) اتفاقيةً مع المقيم السياسي البريطاني في الخليج العقيد لويس بيلي (1825-1892)، مثّلت أول اعتراف دولي باستقلالية قطر، وهي التي أنشأت الكيان السياسي، ما استلزم ظهور القانون.

وفي عام 1913 تمكّنت بريطانيا من إقناع الدولة العثمانية بسحب حاميتها من قطر والتخلي عن ادّعاء أيّ سيادة على إقليم قطر. وبدأت مفاوضات المعاهدة مع الشيخ عبد الله بن قاسم آل ثاني (1880-1957) عام 1915، الذي اعترض على بعض البنود فأُرجئت، ليكون للرعايا البريطانيين ورعايا الدول الأجنبية غير الإسلامية نظام قضائي خاص بهم، وهو ما طُبِّقَ بدءًا من عام 1935، حيث تتولى شؤون هؤلاء الرعايا محكمة بريطانية. وفي الفترة 1868-1935، التي شهدت الغوص وتجارة اللؤلؤ، كان يوجد قضاء "السالفة" العرفي، والقضاء الشرعي.

وعام 1935 أيضًا، وُقِّع عقد امتياز النفط في قطر للشركة الأنكلو - فارسية في 17 أيار/ مايو، وفي نهاية ثلاثينيات القرن العشرين وبداية الأربعينيات، انتهت مرحلة الغوص واللؤلؤ، وانتهى قضاؤها العرفي "السالفة"، وبدأ تصدير النفط عام 1949. وشهدت الفترة 1949-1960 دورًا أكبر للإدارة البريطانية في قطر. ومنذ عام 1961، بدأت تظهر قوانين مكتوبة ومحاكم جديدة، تمهيدًا للاستقلال. وكان في الفترة 1935-1961، وهي مرحلة التنقيب عن النفط واكتشافه، قضاء شرعي ومحكمة بريطانية. أمّا في الفترة 1961-1971، وهي مرحلة ظهور التقنين، فكان هناك محكمة شرعية ومحكمة يرأسها نائب الأمير، ومحكمة العمل، ومحاكم أخرى.

ثم انتقل الكعبي للحديث عن الفترة 1971-2003، وهي مرحلة الاستقلال التي لم يكن النفط النشاط الاقتصادي الرئيس فيها. فبعد الاستقلال وانتهاء الولاية البريطانية القضائية على الرعايا الأجانب، ولمعالجة الوضع الجديد، أصبح هناك محكمتان في قطر: شرعية وعدلية. فالمحكمة الشرعية طبقت الشريعة الإسلامية، والعدلية طبقت القانون المدني الغربي. وصدرت عدّة قوانين في تلك الفترة.

وأطلق على الأعوام 2003-2009، فترة وحدة العمل القضائي، فقد صدر فيها قانون السلطة القضائية رقم (10) لسنة 2003، وبدأت مجموعة من الإصلاحات، وأُلغيت المحكمة الشرعية والمحكمة العدلية. في هذه الفترة، مثّل النفط والغاز الركيزتين الاقتصاديتين الرئيستين، وتأسس جهاز قطر للاستثمار، وأُطلقت رؤية قطر 2030 عام 2008. ومن ثمّ، كانت فترة توحيد المحاكم. وعام 2009، أُنشِئت محكمة قطر للمال، وهي مؤسسة قضائية متخصصة في القضايا المالية والاقتصادية في دولة قطر، وبدأت معها مرحلة تطور الاستثمارات.

اختتم الكعبي محاضرته بالتشديد على أنّ حالة الاقتصاد تؤثر في القضاء، لا سيما في دولة قطر على مرّ تاريخها، فالمشرّع القطري لم يتبنَّ نظامًا واحدًا، وكان تشريعه خاضعًا للتغيّر الاقتصادي في الدولة؛ لذا أوْلى المحاضِر نظرية التحليل الاقتصادي للقانون أهميةً، وهي نهج يُستخدم في دراسة كيفية تأثير القانون والسياسات الحكومية في الاقتصاد، وكيفية توجيه القانون للسلوك الاقتصادي للشركات والأفراد، وهو الأقرب في رأيه لتفسير حالة القانون القطري، الذي كان يقترب دائمًا من الثنائية؛ أي النظام المختلط أكثر من كونه نظامًا واحدًا، باستثناء الفترة 2003-2009.

شهدت المحاضرة إقبالًا وتفاعلًا واسعَين، فطرح عددٌ من الحضور تساؤلاتهم حضوريًا عن محاور عدّة منها، شملت تجربة عبد الرزاق السنهوري، ناقل القانون المدني اللاتيني إلى العالم العربي، والمسألة القانونية بين الشرعي واللاتيني، والتناقض بين تعظيم الثروة والأخلاق، وارتباط دول المشرق بالنظام القانوني العثماني، والقوة الاجتماعية للقانون، وغيرها.