استضافت وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في المحاضرة الأولى من برنامج محاضراتها الشهرية للموسم الأكاديمي 2024/ 2025، الأكاديمي البحريني عمر الشهابي، الأستاذ المشارك في جامعة ليدز، الذي قدّم محاضرةً بعنوان "النفط والتنمية في فكر عبد الرحمن منيف"، وذلك مساء يوم الثلاثاء 3 أيلول/ سبتمبر 2024، وأدارها الباحث عبد الرحمن الباكر.

استهلّ الشهابي محاضرته بموضعة اهتمامه بكتابات الكاتب والأديب السعودي عبد الرحمن منيف بوصفها جزءًا من مشروع كتاب عن الاقتصاد السياسي في الخليج، يتناول من كتبوا في هذا الحقل من أبناء المنطقة.

تناول المحاضر كتابات منيف في الاقتصاد السياسي للنفط، لا سيما في مجلة "النفط والتنمية"، التي صدرت في بغداد عام 1975، وكانت المجلة العربية الأكثر انتشارًا في حقل اقتصاديات النفط، وكانت ذات توجه قُطري وعربي وعالمي. وقد كتبت فيها، بصفة دورية، أسماء لامعة في هذا المجال، مثل سمير أمين وجواد هاشم وعبد الله الطريقي وحازم الببلاوي، وهي شخصيات لها تاريخ وباع طويل في الاقتصاد. وقد تولى منيف رئاسة تحرير المجلة منذ تأسيسها، حتى مغادرته العراق عام 1971.

وبيّن أن كتابات منيف في هذا المجال مهمَلة وغير معروفة للقراء، على الرغم من أنه حاصل على الدكتوراه في اقتصاديات النفط عام 1961، واستمر في الكتابة في هذا المجال على مدار العقدين التاليين.

وركّز على منهجية منيف وطريقته في تحقيب ظهور النفط في العلاقات الدولية، واقترح تقسيمًا لهذا الظهور على ثلاث حقب، ذكر المحاضر أنه يستمده من كتابات منيف، وأنه يركّز على فكرة الأزمات، وهو نوع من التحليل المفصلي، في نظر الشهابي، سمح لمنيف بتوقّع الكثير من السرديات المعروفة والسائدة عن النفط، وهي:

  1. حقبة الامتيازات النفطية: حدّد منيف بداية هذه الحقبة منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى وحتى بداية الخمسينيات. وذكر المحاضر أن منيف كان يسعى لفهم العلاقات الاجتماعية التي شكّلت الجغرافيا السياسية للنفط، ورأى أنّ النفط كان في حينه لعنةً بسبب استغلاله، وأدّى عاملان دورًا في ذلك، هما الرأسمالية والاستعمار، اللذان شكّلا علاقات النفط العربية والعالمية آنذاك. وفي هذه المرحلة، وجد منيف أنّ الرأسمالية تطورت وخرجت إلى النطاق الدولي، وأنّ المصالح التجارية هي التي دفعت شركات النفط إلى التوسّع العالمي. وكانت البوتقة التي تجسدت فيها المطامع الإمبريالية هي شركات النفط، حيث كانت تلك الحقبة هي مرحلة تنظيم العلاقات بين الشركات النفطية الكبرى مع دول المنطقة النفطية.
  2. حقبة تقاسم الأرباح وسيلةً لمواجهة التأميم: إنّ اللحظة المحورية، بحسب منيف، التي شكّلت التحوّل نحو هذه الحقبة هي تأميم إيران لشركة النفط عام 1952 وحتى الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني آنذاك محمد مصدّق عام 1953. في هذه الفترة، لم تعد الامتيازات النفطية بشكلها القديم مناسبةً للغرب، ما استلزم شكلًا جديدًا من الامتيازات، وخلق عوامل جادة لانفجار الإطار القانوني الذي كان سائدًا حتى تلك اللحظة. ولم ينجح التأميم بسبب عدم توافر بعض العوامل، من قبيل التعاون بين الدول. وجرى الدفع بمبدأ تقاسم الأرباح، الذي أصبح المعيار في الشرق الأوسط للعشرين سنة التالية. ولم يكن ظهور هذه اللحظة مدفوعًا بالتقنية والتقدم، بل بتشكيل العلاقة السياسية. وفي رأي منيف، اكتسب النفط بوصفه سلعةً صيغة سياسية، وساهمت في ذلك ثلاثة عوامل: أ. التغيّرات الهيكلية في الاقتصاد الدولي وبدء فقدان أميركا لوضعها الريادي وتحوّلها إلى دولة مستوردة للنفط؛ ب. التغيّر في تكوين العلاقات النفطية العالمية خلال الستينيات، حيث قويت الحركات الوطنية وحركات التحرّر، ولم يعد الاستعمار قادرًا على مجابهتها؛ ج. إنشاء الشركات الوطنية التي شاركت وساهمت في إنتاج النفط، مثل منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك).
  3. حقبة التأميم، وحظر النفط، والردّ الإمبريالي: اختار منيف عام 1972 بوصفه عامًا للتحوّل في اتّجاه هذه الحقبة، وهو تحوّلٌ أشعلت حكومة معمر القذافي شرارته عندما فرضت التسعير والضرائب على شركات النفط من جانب واحد. وفي العام ذاته، أقدمت دول أخرى على خطوة تأميم النفط، مثل الجزائر، ما زعزع الشرعية النفطية التي سادت فترة طويلة، والذي كان بمنزلة تحول كبير جدًا بالنسبة إلى منيف. وقد أظهرت حرب عام 1973 أنّ "طريقة" استخدام النفط هي المشكلة، حيث دخل العالم في مرحلة محورية تمهّد لنظام جديد غيّر الملامح السياسية والاقتصادية، وأجبر الدول الرأسمالية على التنبّه إلى أنّ العالم ليس ملكًا للدول الصناعية، بل أصبحت هناك معادلات جديدة وصراعات بين رؤية لنظام عالمي جديد تقوده دول العالم الثالث أو نظام عالمي تحكمه الولايات المتحدة الأميركية. كان الحلّ بالنسبة إلى منيف للعلاقات المتنافسة خلال هذه المرحلة هو تحرير العالم العربي والنفط، ووضع نظام اقتصادي دولي جديد. وكانت الأخطار التي تلوح آنذاك مرتبطة بالعملة وارتباطاتها بالدولار، وتجارة الأسلحة المتزايدة في المنطقة. وهكذا، كان عقد السبعينيات بالنسبة إلى منيف هو الذي أعاد تنظيم العلاقات الأميركية مع الشرق الأوسط والعلاقات العالمية على العموم.

اختتم الشهابي محاضرته بالقول إنّ منيف، طوال الفترة التي صدرت فيها المجلة، أكّد على منعطف السبعينيات من القرن العشرين في النظام العالمي والمسارات التي فتحتها، وكانت القضية الأساسية هي معالجة هذا النظام غير المتكافئ والحاجة إلى نظام اقتصادي دولي جديد يقوم على أساس متكافئ. ومع اقتراب نهاية السبعينيات، كانت كتابات منيف تأخذ طابعًا متشائمًا، حيث بدأت الحرب العراقية - الإيرانية، ووصلت الانقسامات إلى ذروتها، وتلاشى أيّ احتمال لظهور نظام جديد. وبذا، كان عام 1981 آخر عدد لرئاسة تحرير منيف للمجلة، إذ غادر بعدها العراق، حيث استقرّ فترة طويلة، في اتّجاه المنفى في باريس.

شهدت المحاضرة إقبالًا وتفاعلًا واسعَين، فطرح عددٌ من الحضور تساؤلاتهم حضوريًا عن محاور عدّة، من قبيل استعمال النفط بوصفه سلاحًا سياسيًا في سياق معاداة إسرائيل، ودور عبد الله الطريقي في مشروع مناصفة الأرباح، ومساهمة منيف ومكانته في تحديد سياسات النفط في بلدان الخليج، وجرأته في الكتابة عن الاقتصاد والنفط، ووجوده في العراق ثم خروجه منه، وارتباط ذلك بالسياق السياسي هناك.