محاضرة صنم وكيل بعنوان: "السياسة وجنون الارتياب والكبرياء: سياسة الأمن الإيرانية في عهد الرئيس إبراهيم رئيسي"استضافت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في 15 آذار/ مارس 2022، صنم وكيل، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد الملكي للشؤون الدولية تشاتام هاوس، وأستاذة كرسي جيمس أندرسون في قسم دراسات الشرق الأوسط في كلية الدراسات الدولية المتقدّمة في جامعة جونز هوبكنز الأميركية، فرع أوروبا، لتلقي محاضرة بعنوان " السياسة وجنون الارتياب والكبرياء: سياسة الأمن الإيرانية في عهد الرئيس إبراهيم رئيسي". وأدار الجلسة مهران كامرافا، مدير وحدة الدراسات الإيرانية والأستاذ في جامعة جورجتاون في قطر.

استهلّت وكيل كلمتها باستعادة تاريخ السياسات الأمنية الإيرانية، مع التركيز على نظرة السياسيين الإيرانيين المحافظين إلى العالم. وقد تساعد الاختلافات في رؤيتهم للعالم، في فهم التوترات في منطقة الشرق الأوسط، وتوقّع حدوثها على نحوٍ أفضل. وساهم انتخاب رئيسي في إضفاء الطابع الرسمي على الاحتكار الذي تمارسه الطبقة المحافظة على المؤسسات المنتخَبة وغير المنتخَبة في إيران. وانطلاقًا من كون السياسات الإيرانية تتميّز بالتناحر الفصائلي على نحو رئيس، بما في ذلك ضمن السياسة المحافظة، وصفَت وكيل نظرة السياسيين الإيرانيين المحافظين للعالم بصورة عامة، قائلةً "أرى مزيجًا من القومية وهوس الارتياب يتّحدان معًا لتشكيل كيفية انخراط إيران في المجالات الدولية والإقليمية". وذكرت أنّ إيران ترى أنّ نشاطاتها الإقليمية هي نشاطات دفاعية، بينما تصفها الدول الإقليمية بالعدوانية. ومع عدم التوصّل إلى نتيجة حاسمة بشأن المفاوضات النووية في فيينا، تشعر كلّ من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل بالقلق بشأن الأمن الإقليمي، سواء بوجود خطّة العمل الشاملة المشتركة أو عدمها.

لاحظت وكيل، في معرض حديثها عن سياسة إيران الخارجية، أنّ هدف دولة إيران الأساس كان الحفاظ على أمن الجمهورية الإسلامية، ورأت أنّ التهديدات الرئيسة المتوقّعة تكمن في تدخّل الولايات المتحدة في المنطقة، إضافة إلى تدخّل إسرائيل. ومن ثمّ، سعت الجمهورية الإسلامية إلى تقليص دور الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة. ولجأت إيران إلى طريقة الدفاع الأمامي بهدف تحقيق عمق استراتيجي لتلجم التهديدات المتربّصة بها وتدفعها بعيدًا عن حدودها، في اتجاه ساحاتٍ أخرى مثل حدود إسرائيل. وعمدَت إيران مؤخرًا إلى استخدام الحوثيين لتنقل أهدافها الاستراتيجية إلى الحدود السعودية. ورأت طهران أنّ هذه الاستراتيجية أثبتت فاعليتها، وقد حاولت الجمهورية الإسلامية اعتماد استراتيجياتٍ أخرى مثل توقيع خطّة العمل الشاملة المشتركة. لكن سرعان ما جرى استبدالها بحملة ضغوط قصوى مارسها الرئيس دونالد ترامب. وقد رأت إيران أنّ سياسة ترامب تجاهها جاءت بمنزلة حربٍ اقتصادية، ما رسّخ نظرة طهران تجاه العالم، ومفادها أنّ النيات الحسنة لطرفٍ معيّن لا تفضي بالضرورة إلى نيات حسنة من جانب الطرف الآخر.

وأشارت وكيل إلى أنّ الديناميات في المنطقة شهدت تغيّراتٍ خلال العقود الأربعة الأخيرة. وقد ساهم حدثان في صوغ نظرة المحافظين في إيران إلى العالم؛ أما الحدث الأوّل فهو الحرب الإيرانية العراقية التي غذّت شعورًا بالكبرياء لدى الإيرانيين، ولكنه كان مصاحبًا للشعور بهَوَس الارتياب. في حين تمثَّل الحدث الثاني بانهيار الاتحاد السوفياتي، الذي تناوله [المرشد الأعلى للثورة الإسلامية] خامنئي مرارًا في كتاباته وخطاباته بوصفه نقطة تحوّلٍ؛ وذلك بهدف منع حصول انهيار مماثل في إيران. ليس من المتوقّع أن تُجري إيران إصلاحاتٍ اجتماعيةً شاملة في ضوء تأثير البيريسترويكا [أي إعادة الهيكلة] في الاتحاد السوفياتي. وعندما أصبحت إيران ترزح تحت وطأة عقوبات قصوى، سعت إلى الاعتماد على البلدان المجاورة سياسيًا واقتصاديًا للحفاظ على بقائها، ما دفع البلاد إلى إيلاء مسألة تحسين علاقاتها الإقليمية اهتمامًا أكبر. 

وفي إطار تناول الاختلافات بين الإدارات الرئاسية وسياساتها، قالت وكيل إنّ عدّة رؤساء يتشاركون النظرة نفسها إلى العالم، والتي مفادها كون الكثير من الدول الغربية تسعى لتغيير طبيعة الجمهورية الإسلامية. ولقد رأى الرئيس روحاني أنّ السبيل في الحفاظ على الجمهورية الإسلامية كان من خلال تحقيق التكامل الاقتصادي العالمي، بينما يرى محافظون مثل رئيسي أنّ التكامل يؤدي، في النهاية، إلى زعزعة مكانة الجمهورية الإسلامية. وقد سمح خامنئي بتنفيذ الاستراتيجيتين، وأثبت الغرب أنه شريك اقتصادي غير موثوق به.

أمّا في ما يتعلّق بالأحداث الأخيرة، فقد أشارت وكيل إلى أنّ روسيا قرّرت أن تُبقي محادثات فيينا رهينة، طالبةً ضمانات مكتوبة تتيح لها التجارة مع إيران من دون فرض عقوبات عليها. وقد يكون الحفاظ على العلاقات التجارية مع إيران أمرًا مفيدًا بسبب حملة العقوبات التي شُنّت ضدّ روسيا، لكنّ الأخيرة تعمل، أساسًا، على استخدام التحدّي الأمني المشترك الذي يشكّله برنامج إيران النووي بهدف ممارسة الضغوط على الدول الغربية. من الناحية القانونية، يُعدّ الدعم الروسي لخطّة العمل الشاملة المشتركة ضروريًا للمضي قدمًا في الصفقة، ومن غير المرجح أن تتجاهل طهران مطالب روسيا.

وبالنظر إلى المحادثات السعودية الإيرانية التي جرى إرجاؤها، أوضحت وكيل أنه في ما يتعلّق بالجانب الإيراني، أنّ أحد أهداف روحاني كان تحسين العلاقات الإقليمية، لكنّ الدول العربية لم ترَ في ذلك ما يخدم مصالحها. واليوم، تشعر الدول العربية المجاورة لإيران بالراحة بوجود نوع من الوحدة المحافظة في طهران. يسود شعور بأنها عندما تتحاور مع الرئيس الإيراني فإنها تتعامل مع زعيمٍ سياسي يصغي إليه المرشد الأعلى. وترى هذه الدول أنّ عملية صنع القرار في إيران تشبه نُظمها حيث تُتّخذ فيها القرارات على المستويات العليا، بدلًا من اتخاذها من خلال الإجماع. غير أنّ هذه المحادثات واجهت عددًا من العقبات بسبب الاختلافات في إدراك المخاطر الموجودة. تنظر إيران إلى الولايات المتحدة على أنها أكبر تهديد أمني لها، بينما ترى السعودية أنّ إيران تشكّل أكبر تهديد أمني لها. وأشارت وكيل إلى أنّ خطة العمل المشتركة الشاملة هي نقطة الانطلاق لتحقيق الأمن الإقليمي.

وترى وكيل أن الأمن المحلي والأمن العالمي مرتبطان. فقد تصدّت إيران للنفوذ الأجنبي الملحوظ في المجتمع المدني من خلال قمع المنظمات غير الحكومية والتدريب الصحافي والجهود الأخرى التي كانت تبذلها القوى الخارجية.

وأخيرًا، وفي تعليق لوكيل على موقف إيران من الحرب في أوكرانيا، ذكرت أنّ إيران نفّذت سياسة "التطلّع شرقًا"، التي سعت من خلالها الجمهورية الإسلامية إلى التقرّب من دول مثل روسيا والصين. وامتنعت عن التصويت في الأمم المتحدة على قرار يدين الغزو الروسي، متخذةً موقفًا محايدًا ومستقلًا. كان هذا متوقعًا بالنظر إلى تاريخ إيران مع الغرب وروسيا.